الكويت تتخلّص من تزويج القاصرات في مظهر لتراجع سطوة الإسلاميين على القرار التشريعي

الكويت - قطعت الكويت خطوة كبيرة في مجال تحسين تشريعاتها المنظّمة للأحوال الشخصية وملاءمتها مع مقتضيات حقوق الإنسان، وذلك بالتخلّص من زواج القصّر والقاصرات الذي لطالما مثّل عبئا على السمعة الحقوقية الدولية للبلد.
وأعلن وزير العدل الكويتي المستشار ناصر السميط أن مجلس الوزراء وافق على رفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى ثمانية عشر عاما، وذلك عبر إدخال تعديل على قانون الأحوال الشخصية.
وجاء ذلك كدليل على السلاسة التي باتت تميّز عملية اتّخاذ القرار الإصلاحي في البلد منذ قيام الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح بحل البرلمان والتعليق المؤقّت للعمل بمواد في الدستور، من جهة، وكنتيجة لتراجع الإسلاميين من سلفيين وإخوان مسلمين في ساحة الفعل السياسي والتشريعي بفقدهم منبرهم القوي والمفضّل مجلس الأمّة المنحلّ.
وكشف السميط عن انتهاء الحكومة من تعديل المادة 26 من قانون الأحوال الشخصية رقم واحد وخمسين لسنة 1984، وذلك لرفع الحد الأدنى لسن الزواج إلى ثمانية عشر عاما إلى جانب تعديل المادة الخامسة عشرة من قانون الأحوال الشخصية الجعفرية الصادر تحت رقم مئة وأربع وعشرين لسنة 2019.
ونقلت صحيفة “السياسة” المحلية عن الوزير قوله “إن هذا التعديل يأتي تماشيا مع التزامات الكويت الدولية لاسيما اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،” مشيرا إلى أن “الإحصائيات كشفت عن تسجيل 1145 حالة زواج للقُصَّر خلال عام 2024، إذ بلغت حالات زواج الفتيات 1079، فيما كان نصيب الذكور 66 حالة، وأظهرت الإحصائيات أن نسبة الطلاق بين هذه الفئة العمرية تعادل ضعف نسبة طلاق البالغين.”
وكانت المادّة السادسة والعشرون من قانون الأحوال الشخصية رقم واحد وخمسين لسنة 1984 تنص قبل تعديلها على أنه “يُمنع توثيق عقد الزواج أو المصادقة عليه ما لم تُتم الفتاة الخامسة عشرة ويُتم الفتى السابعة عشرة من العمر وقت التوثيق.”
ونقلت صحيفة “القبس” المحلية من جهتها عن وزير العدل قوله “إن هذه الخطوة تأتي مواكبة لقوانين حقوق الطفل ومناهضة التمييز ضد المرأة.”
وفي خطوة بدت بمثابة سحب للبساط من تحت أقدام الإسلاميين شديدي الاهتمام بفرض تعاليمهم على التشريعات المنظمة لشؤون الأفراد والأسر، أكد الوزير استناد التعديل الجديد إلى “فتوى من وزارة الشؤون الإسلامية بأن تعديل سن الزواج إلى ثمانية عشر عاما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، وأنه يعتبر من السياسة الشرعية للدولة.”
وجاء التعديل الجديد ليضاف إلى ما كان قد أعلنه الوزير نفسه بشأن التوجه لإلغاء المادة مئة وثلاثة وخمسين من قانون الجزاء والمتعلقة بالقتل في جرائم الشرف.
وأضاف السميط قوله إن الأمر يؤكد أهمية رفع سن الزواج لضمان وصول الزوجين إلى مستوى من النضج العاطفي والاجتماعي يمكّنهما من تحمل مسؤوليات الحياة الزوجية بشكل أفضل، والمساهمة في بناء أسرة مستقرة ومستدامة، مؤكدا أن التعديل يستند إلى المبادئ الدستورية التي ترسخ دور الدولة في حماية الأسرة والطفولة، خاصة المادتين التاسعة والعشرة.
وكان الرفع من سن الزواج وإلغاء زواج القصّر قد ظل على مدى سنوات طويلة موضع مطالبات كثيرة صادرة عن جهات متعدّدة سياسية وحقوقية، ولاسيما من قبل ناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة.
القرار سيسهم في تعزيز استقرار الأسرة الكويتية وتقليل حالات الطلاق ودعم التنمية الاجتماعية في البلاد بما يحقق رؤية الكويت في بناء مجتمع متماسك
وكثيرا ما استندت تلك المطالبات إلى النتائج السلبية لظاهرة الزواج انطلاقا من سن الخامسة عشرة، والمثبتة بالأرقام التي تظهر فشل أغلب تلك الزيجات وانتهائها إلى الطلاق وتفكّك الأسر المشكلة بفعلها.
وقال وزير العدل في شرحه لدواعي تعديل قانون الأحوال الشخصية إنّ “الكثير من حالات الزواج كانت لأعمار أقل من ثمانية عشر عاما خاصة بين الفتيات، كما زادت نسب طلاق القصر بصورة ملحوظة.”
كما استند المعترضون على تزويج الفتيات والفتيان دون سن الثامنة عشرة على كون القانون الذي سمح بذلك يتضارب بشكل واضح مع قانون الطفل الذي تنصّ إحدى موادّه على أنّ “الطفل هو كل من لم يتجاوز عمره الثماني عشرة سنة ميلادية،” ما يعني أن قانون الأحوال الشخصية كان يسمح للأطفال بالزواج وتأسيس أسر فيما هم لا يزالون بحاجة إلى الرعاية والكفالة من قبل أولياء أمورهم.
وكثيرا ما حذّر هؤلاء المعترضون من تعارض التشريع الكويتي المنظم للأحوال الشخصية مع اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي وقعت عليها الكويت منذ مطلع تسعينات القرن الماضي.
وفي مؤشر على كون زواج القصّر في الكويت لا يحظى بدعم كبير داخل المجتمع الكويتي قال السميط إنّ ثلاثين في المئة من المتزوجين القصر أجانب وليسوا كويتيين وأكثرهم من أبناء الجنسية السورية تليها السعودية ثم الإيرانية.
كما دافع الوزير عن دستورية هذا التوجه التشريعي قائلا إنّه يأتي متسقا مع الدستور الذي يضع حماية الأسرة والطفولة والنشء في جوهر مسؤوليات الدولة ويؤكد على ضرورة توفير بيئة آمنة ومستقرة للأجيال القادمة، مشيرا إلى أن تعديل المادتين يعكس التزام الكويت بالمعايير الدولية التي تؤكد حق الأطفال في الحماية من الزواج المبكر.
وتوقع وزير العدل الكويتي أن يسهم القرار في تعزيز استقرار الأسرة الكويتية وتقليل حالات الطلاق ودعم التنمية الاجتماعية في البلاد بما يحقق رؤية الكويت في بناء مجتمع متماسك يحمي حقوق أفراده ويضمن لهم حياة كريمة.