الكوميديا تذكرة عبور نجوم يوتيوب إلى عالم الشهرة والمال

سعي عدد من الشباب إلى تحقيق طموحهم مهنيا وماليا من خلال تطبيقات البث الإلكتروني دفعهم إلى إتقان الأداء، والبحث عن أفكار جديدة تتناول قضايا المُجتمع لمناقشتها بشكل ساخر.
الثلاثاء 2019/01/08
صنع في يوتيوب

فتحت مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب نوافذ للكثير من أصحاب المواهب للإطلال على الناس دون محاباة أو انتظار لفضائية عربية أو مُخرج كبير لاكتشافهم، ولم تعُد الشهرة صعبة للموهوبين في التمثيل الكوميدي وفن التقليد والحديث بسخرية، مثلما كان الأمر قبل سنوات.

القاهرة- نجح الكثير من الشباب المجهولين في صناعة جمهور كبير لهم مؤخرا، من خلال قنوات خاصة بهم على موقع يوتيوب، وبث مقاطع مصورة عبر صفحات فيسبوك، ودخلوا البيوت عبر حلقات اجتماعية تُقدم “إسكتشات” (مشاهد) كوميدية، ما أهلهم لجني أرباح خيالية، وتحول بعضهم إلى ممثلين ينافسون نجوم الفضائيات.

ورغم بزوغ نجوم جُدد من مشاهير مواقع التواصل الاجتماعي في الكثير من البلدان العربية، إلا أن الظاهرة تبدو أكثر وضوحا في مصر، المعروف شعبها بولعه بالسخرية والفكاهة.

أحمد حسن وزينب محمد، ثنائي مصري في العشرينات من العمر، ظهرا على موقع يوتيوب من خلال مقاطع مصورة بتقنيات بسيطة لبضعة دقائق، ومثّلا معا دور خطيبين كثيري المشاكسة والاختلاف بطريقة كوميدية غير مفتعلة، ما دفع شريحة من المشاهدين إلى متابعتهما ليصل عدد مشاهدات بعض الحلقات إلى عشرة ملايين.

وعاش الثنائي مع استمرار عملهما قصة حُب، وتزوجا في حفل تم بثه على الشبكة الإلكترونية مؤخرا، وحظي بأكثر من 3.5 مليون مشاهدة، وبعد الزواج استمر الثنائي معا يقدمان “اسكتشات” كوميدية تحت عنوان “مقالب زوجية”.

وحاول آخرون لفت أنظار جمهور التواصل من خلال مقاطع كوميدية، كما فعل شاب عشريني يُدعى “ليدو” يتابعه أكثر من 1.5 مليون مشاهد على قناته على يوتيوب، ويُقدم محاورات بين شخوص يؤديها بنفسه بتغيير صوته وتعبيرات وجهه، ما يحث متابعيه على الضحك.

يُمكن للصدفة أن تلعب دورا في تحول أشخاص عاديين إلى نجوم دون قصد، كما جرى مع أحد المصريين المقيمين في الكويت، ويُدعى أيمن مصطفى، إذ نشر رسالة مصورة عبر فيسبوك لأحد أصدقائه اللبنانيين يسخر فيها من علاقاته الغرامية، وفوجئ بمشاهدة أكثر من مليون شخص لها، ما دفعه للاستمرار في نشر مقاطع فيديو لإضحاك الناس.

وقام أيمن مصطفى ببث مقاطع بشكل دوري كل أسبوع لانتقاد سلوكيات اجتماعية بعينها، وحقق أحد مقاطعه 75 مليون مشاهدة، حين تحدث فيه عن موقف تعرض له في مدينة الغردقة السياحية، على البحر الأحمر، عندما دخل أحد محلات الحلاقة، وفوجئ بحساب الحلاقة يبلغ ثلاثين يورو رغم أنه أصلع.

ويحمل إقبال الجمهور على نُجوم الكوميديا من منصات التواصل دلالات متشعبة، منها حالة الملل العامة التي أصابت الجمهور من الوجوه المألوفة، ومن نمط الأداء المُعد سلفا كعمل فني مُضحك، بخلاف المشاهد البسيطة التي تحمل من التلقائية ما يجعلها أقرب إلى قلب المُشاهد العادي. ويرى خبراء أن نجوم مواقع التواصل باتوا يحصدون نسب مشاهدة في مواقعهم تفوق الفضائيات ودور السينما والتطبيقات الخاصة بالأعمال الفنية مثل “نيتفليكس”.

ويوضح عصام الشبكشي خبير المواقع الاجتماعية والتطبيقات، لـ”العرب” أن أحد أسباب كثافة مشاهدات المقاطع المصورة على مواقع التواصل الاجتماعي سهولة مُتابعتها والوصول إليها، في البيت والسيارة والعمل، بينما لا يمكن متابعة نجوم الفن التقليديين إلا من خلال وسائل البث التقليدية، والكثير من الأعمال الكوميدية للنجوم المعروفين لا يُمكن الحصول عليها مجانا.

نجوم التواصل الاجتماعي كسبوا جمهورا كبيرا في وقت قياسي لأنهم أكثر تعبيرا عن الناس

ويرى الشبكشي أن سعي عدد من الشباب إلى تحقيق طموحهم مهنيا وماليا من خلال يوتيوب أو غيره من تطبيقات البث الإلكتروني دفعهم إلى إتقان الأداء، والبحث عن أفكار جديدة والنزول إلى قضايا المُجتمع الحقيقية لمناقشتها بشكل ساخر، ما جعلهم من المُفضلين لدى الجمهور.

وتابع “نجوم التواصل كسبوا جمهورا كبيرا في وقت قياسي، لأنهم كانوا أكثر تعبيرا عن واقع الناس في المجتمعات العربية”. وقد تكون الأرباح الكبيرة نتيجة كسب جمهور والحصول على إعجاب المستخدمين، كفيلة بتشجيع الكثير من الشباب الطامح لتجربة نفسه في التأثير في المُتابعين.

ويجني أصحاب القنوات على يوتيوب مكاسب مالية يتم تحديدها حسب عدد المشاهدين والمعجبين، ويبدأ الأمر بإنشاء حساب باسم شخص بالغ، وعند وصول عدد المشاهدات إلى عشرة آلاف مشاهدة، يبدأ الموقع بفحص المقاطع المنشورة للتأكد من عدم انتهاك حقوق الملكية الفكرية ثُم يقوم بربطها بنظام تقاسم أرباح الإعلانات ليجني مُنشئ القناة دولارين عن كل ألف مشاهدة على الأقل.

ويشير بعض الخبراء إلى أن استمرار نجومية هذه النماذج مُرتبط بالقدرة على التعاطي مع الناس والتعبير عما يدور في المُجتمع من مشكلات وقضايا والانغماس في همومهم اليومية، فضلا عن عدم التعالي على الجمهور أو استفزاز الناس باستخدام سيارات فاخرة والظهور في أماكن ترفيهية تخُص الأثرياء، أو التحول إلى دور الوعظ والإرشاد وتقديم النصائح.

ويعد تكرار ثيمات بعينها في السخرية والتمثيل والحديث وعدم تقديم أفكار جديدة، كفيلا بأفول نجوميتهم تدريجيا. وتبقى ظاهرة أفول نجم من هؤلاء مسألة مثيرة أيضا، عندما تتحول أمُنية الانخراط في العمل الفني الاحترافي إلى بداية النهاية الحقيقية لهؤلاء النجوم، مثلما حدث مع كثيرين من قبل، وأشهرهم شخصية ‘خليل كوميدي’ الذي اشتهر على المواقع بنكاته ثقيلة الظل، ملّها الناس مع الوقت.

19