الكماشة السياسية التي تحيط بالمالكي تتحول إلى تهديد لحياته

بغداد – انتشرت صور على المنصات الرقمية تظهر رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وهو يحمل السلاح محاطا بأفراد غير نظاميين لحراسته في منطقة إقامته في المنطقة الخضراء، وفي حين تتضارب الأنباء بشأن صحتها وما إذا كانت مزوّرة، إلا أن أوساطا عراقية رجحت أن تكون حقيقية وهو ما يعني أن المالكي قد بدأ يحس بتحول الكماشة السياسية التي أحاطت به منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات إلى كماشة تستهدفه شخصيا وتهدد حياته بعد بث تسريبات له عن استعداده لإشعال حرب شيعية – شيعية.
وقطع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الطريق على المالكي لترشيح أحد المقربين منه لرئاسة الحكومة العراقية، ودفع بالآلاف من أنصاره لاجتياح مبنى البرلمان العراقي مساء الأربعاء ووضع الإطار التنسيقي الشيعي المنافس أمام خيارات تعجيزية في العثور على مرشح من داخل الإطار يمكن أن يوافق عليه الصدر.

إحسان الشمري: رسالة الصدر.. لا خارطة سياسية طالما التيار خارج البرلمان
لكن الإطار رد سريعا على استعراض القوة للصدر وأكد على خيار ترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة، مما يعني أن المالكي ومن خلفه عناصر قوية في الإطار قد اختاروا التصعيد مع الصدر.
وقال الإطار إنه “بعد أن اتفقت قوى الإطار على ترشيح شخصية وطنية (…) رصدت تحركات ودعوات مشبوهة تحث على الفوضى وإثارة الفتنة وضرب السلم الأهلي”.
وأضاف التكتل الشيعي في بيان له “إن ما جرى من أحداث متسارعة والسماح للمتظاهرين بدخول المنطقة الحكومية الخاصة واقتحام مجلس النواب والمؤسسات الدستورية وعدم قيام القوات المعنية بواجبها يثير الشبهات بشكل كبير”.
وحمّل “حكومة تصريف الأعمال المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة الدوائر الحكومية ومنتسبيها والبعثات الدبلوماسية والأملاك العامة والخاصة ونطالبها باتخاذ إجراءات حازمة لحفظ الأمن والنظام ومنع الفوضى والممارسات غير القانونية”. ودعا جماهيره إلى “اليقظة والانتباه وتفويت الفرصة والاستعداد لكل طارئ”.
ويعتقد محللون سياسيون أن مسار التصعيد الذي رسمه زعيم التيار الصدري وفرضه على خصومه في الإطار التنسيقي سيدفع إلى تصعيد مضاد قد يخرج عن كل المحاذير خاصة بعد أن لوّح المالكي بحرب شيعية – شيعية للقضاء على خصمه، معتبرين أن الصدر أراد استعراض القوة ليظهر أنه قادر على دخول البرلمان بشعبيته ووقوف الشارع وراءه سواء بالانتخابات أو من خلال استعراض القوة مثلما حصل الأربعاء.
ويرى المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن الصدر في هذه الخطوة يقول لخصومه إن “لا حكومة ولا خطوات دستورية واستحقاقات انتخابية ما لم يوافق الصدر عليها”.
ويضيف أن الصدر أوصل رسالة “أنه حاضر بقوة وأنه جزء فاعل عبر الجماهير في المشهد السياسي العراقي وعلى الجميع احترام مواقفه وآرائه”، مشيرا إلى أن زعيم التيار الصدري أظهر أيضاً “القناعة المطلقة بأنه لا يمكن تمرير أيّ شيء من دون مباركة الصدر”.
ويقول الأستاذ في جامعة بغداد إحسان الشمري إن “الرسالة الأهم مما حصل هي أن الخارطة السياسية المقبلة، مهما كانت، لن تمضي طالما كان التيار الصدري خارج البرلمان العراقي”.
ويلفت الباحث ريناد منصور من مركز أبحاث تشاتام هاوس إلى أن الصدر يأمل في “استخدام قوة الشارع من أجل إفشال محاولات خصومه لتشكيل الحكومة”، موضحاً “نحن أمام أطول مسارٍ لعملية تشكيل حكومة” شهدته البلاد.

ريناد منصور: الصدر يستخدم قوة الشارع لمنع خصومه
ولم يكن اقتحام البرلمان الخطوة الأولى التي يتجه إليها الصدر لاستعراض قوة تياره. ففي منتصف يوليو الجاري تجمّع مئات الآلاف من أنصاره في صلاة جمعة موحّدة في بغداد تلبية لدعوته، في انعكاس لمدى اتساع القاعدة الشعبية التي يتمتّع بها.
ويستبعد المحلل السياسي علي البيدر أن يغير الإطار التنسيقي اسم مرشحه لرئاسة الحكومة. ويقول إن “الإطار التنسيقي قد ينكسر سياسياً إذا قدّم بديلاً إرضاءً للصدر”.
ويزيد ذلك وفق البيدر من خطر وقوع “حرب أهلية” مع امتلاك كلّ من الطرفين مجموعات مسلّحة. ويضيف “ليس هناك أيّ توجّه لتقديم تنازلات عند أيّ طرف من الأطراف، يعني ذلك أن الوضع سيتجه نحو المزيد من التصعيد”.
ويشير ريناد منصور في الوقت نفسه إلى أن “الانقسامات والخصومات عديدة” داخل الإطار التنسيقي. ويضيف “البعض منهم قلقون من العمل من دون الصدر وتشكيل حكومة من دونه”، خشية أن تتحول تظاهرات ومفاجآت تياره “إلى أمر اعتيادي عند تشكيل أيّ حكومة مقبلة”.
وفي هذا السياق المتوتّر تزداد الأصوات المتحدّثة عن احتمال الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعيد خلط الأوراق وتأتي بـ329 نائباً جديداً.
وقد يكون ذلك حلاً يسْهل قبوله من التيار الصدري الذي لم يعد ممثلاً داخل البرلمان. لكن الأمر دونه تعقيدات عديدة.
ويرى ريناد منصور أن “الصدريين يعتقدون أنهم بتقديم أنفسهم كقوة معارضة وليس كحزب في الحكومة، يستطيعون جذب المزيد من الأصوات”.
أما البديل فسيكون “برلماناً غائباً” تحت ضغط التيار الصدري، كما يشرح إحسان الشمري. ويضيف الشمري أن “جزءاً من استراتيجية الصدر هو تطويق البرلمان وقد يكون هناك اعتصام داخله إذا ما أصر الإطار على مرشحه” أو “عصيان مدني”.
وحذّر من أن اقتحام البرلمان ليس سوى “خطوة أولى”، مضيفاً أن “الرسالة كانت واضحة، فالصدر وأتباعه مستعدون للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك”.
ودعا الصدر الأربعاء أنصاره إلى العودة بعد التظاهرة التي شهدتها العاصمة العراقية بغداد واقتحام مبنى مجلس النواب العراقي في المنطقة الخضراء المحصنة، وقال إن التظاهرة كانت “جرة أذن” وإن المتظاهرين “أرعبوا الفاسدين”.

وفي بيان نشره على موقع تويتر قال الصدر إن “ثورة محرم الحرام”، وهو الاسم الذي أطلقه على التظاهرة، هي “ثورة إصلاح ورفض للضيم والفساد”. وقال أيضا إن “الرسالة وصلت”، ودعا المتظاهرين إلى العودة.
ويأتي بيان الصدر بُعَيْد دعوة المقرب من الصدر، صالح محمد العراقي، المتظاهرين إلى الانسحاب. وحذر العراقي من “مؤامرة” وأكد أن “سلامة” المتظاهرين “أهم من كل شيء”.
وبالتزامن، دعا رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي المتظاهرين إلى الانسحاب من المنطقة الخضراء ومبنى البرلمان.
وقال بيان صادر عن الحكومة “يدعو القائد العام للقوات المسلحة المتظاهرين إلى الانسحاب الفوري من مبنى مجلس النواب، والذي يمثل سلطة الشعب والقانون”.
من جهته قال مكتب رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي إنه “وجه حماية البرلمان بعدم التعرض للمتظاهرين أو المساس بهم، وعدم حمل السلاح داخل البرلمان، فضلا عن توجيه الأمانة العامة لمجلس النواب بالتواجد في المجلس والتواصل مع المتظاهرين”.