الكفة تميل لليمين القومي قبل انتخابات البرلمان الأوروبي

بروكسل (بلجيكا) - يتقدّم اليمينيون القوميون والمشكّكون في أوروبا في استطلاعات الرأي التي تسبق الانتخابات الأوروبية التي تجري في يونيو. ورغم أنّ نفوذهم المتنامي قد يؤثر على الأجندة السياسية التي تعقب هذه الانتخابات، إلّا أنّ خلافاتهم العميقة تجعل قدرتهم على تشكيل جبهة مشتركة أمرا غير مرجح.
وينقسم هؤلاء في البرلمان الأوروبي مجموعتين سياستين كبيرتين بينهما خلافات وتوترات، بينما باءت كلّ محاولات جمعهما حتى الآن بالفشل.
وهاتان المجموعتان هما: مجموعة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ومجموعة "الهوية والديمقراطية".
وإذ أشارت بيغي كورلين من "مؤسسة روبرت شومان" إلى أنّ "مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين مؤيّدة لأوكرانيا وللتوسّع ولحلف شمال الأطلسي"، أوضحت أنّ "مجموعة الهوية والديمقراطية لديها مواقف مبهمة تجاه روسيا كما أنّها مناهضة للأطلسي وللتوسّع".
وتضمّ المجموعة الأولى بين صفوفها حزب "أخوة إيطاليا" الذي تتزعّمه رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني وحزب "القانون والعدالة" البولندي وحزب "فوكس" الإسباني وحزب "الاستعادة" الفرنسي.
أما المجموعة الثانية فتضمّ "التجمّع الوطني الفرنسي" و"الرابطة الإيطالية" وحزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب "الحرية" بزعامة غيرت فيلدرز الذي فاز في الانتخابات الهولندية في نوفمبر.
وفي هذا الإطار، قالت بيغي كورلين إنّ "مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين أكثر اندماجا في اللعبة السياسية الأوروبية واللعبة المؤسسية". كما أنّ لهذه المجموعة زعيمَين هما ميلوني ورئيس الوزراء التشيكي بيتر فيالا، بالإضافة إلى المفوّض الأوروبي بيتر فويتشيكوفسكي.
أمّا في ما يتعلق بمجموعة "الهوية والديمقراطية"، فقد أكد النائب الأوروبي جان بول غارو (التجمّع الوطني) أنّ "هذه المجموعة ستزداد أهمية، لدرجة أنّني أعتقد أنّهم لن يقدروا على تطويقها كما فعلوا في العام 2019".
ولكن حتّى داخل "الهوية والديمقراطية"، تظهر توترات وخلافات بين الرغبة في التطبيع مع حزب مثل التجمّع الوطني والعلاقات التي تصبّ في سياق النازية الجديدة لدى بعض أعضاء حزب "البديل من أجل ألمانيا".
وفي انعكاس لما تقدّم، أخذت مارين لوبن مؤخرا مسافة من حزب "البديل من أجل ألمانيا" بعد اجتماع نوقشت خلاله خطّة طرد جماعي للأجانب أو الأشخاص من أصل أجنبي، بما في ذلك المواطنون الألمان.
وقال جان بول غارو "نريد توضيحات بشأن ما حدث وخصوصا في ما يتعلق بالخط السياسي لحزب البديل من أجل ألمانيا. نريد أن نكون متفقين مع حلفائنا"، مشيرا إلى أنّه التقى "عدّة مرّات بمسؤولين من حزب البديل من أجل ألمانيا منذ هذه القضية"، موضحا أنّ "المشكلة تتعلّق بطرد مواطنين. نحن لا نوافق على ذلك".
وفي مواجهة صعود هاتين المجموعتين السياسيتين، تتراجع الكُتل الرئيسية الثلاث في البرلمان الأوروبي أي حزب "الشعب الأوروبي" و"الاشتراكيون والديمقراطيون" و"تجديد أوروبا" (وسطيون)، والتي تملك الأغلبية عموما.
غير أنّ هذا الائتلاف الكبير قد يواجه صعوبات في الحفاظ على هذه الأغلبية إذا ما تعلّق الأمر بالتعامل مع قضايا عدّة. ولم تستبعد كتلة "الشعب الأوروبي" التي من المتوقع أن تبقى القوة السياسية الرئيسية، العمل مع "المحافظين والإصلاحيين" في البرلمان.
ولكنّ رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين حذّرت مؤخرا من أنّها لن تتعاون أبدا" مع أصدقاء (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين" ولا مع أعداء "سيادة القانون".
وتشير فون دير لايين بذلك إلى حزب "فيدس" الذي يتزعّمه رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي حافظ على علاقات وثيقة مع موسكو رغم الحرب في أوكرانيا في موازاة خلافات منتظمة مع بروكسل بهذا الشأن. ويجري حزب أوربان مفاوضات للانضمام إلى مجموعة "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين".
وقال أكوس بنس غات الخبير في مركز أبحاث "ام سي سي" في بروكسل الذي تدعمه الحكومة المجرية "سنرى ما سيحدث"، مضيفا "المهم بالنسبة الي هو أن يتّحد اليمين السيادي ويجد شكلا من أشكال التعاون الفعّال"، مشيرا إلى أرضية مشتركة محورها الدفاع عن "أوروبا المكوّنة من الأمم والقيم التقليدية ومسألة الهوية الوطنية والديمقراطية ومكافحة "الهجرة الجماعية".
غير أنّ انضمام حزب "فيدس" إلى "المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين" قد يدفع أحزابا معيّنة إلى التفكير في مغادرة هذه الكتلة، مثل حزب "الفنلنديين" أو حزب "ديمقراطيي السويد"، وفقا للباحثة سانا سالو من المعهد الفنلندي للشؤون الدولية.
وبعيدا من تشكيل التحالفات، من المرجّح أن يؤثّر التحوّل الانتخابي نحو اليمين على جدول أعمال البرلمان الأوروبي بعد الانتخابات، وخصوصا إذا "رأت الحكومات أنّ الرأي العام يريد سياسات تقييدية تتعلّق بالهجرة وأخرى تتعلّق بالمناخ"، على قول سانا سالو.
وفي ما يتعلّق بملف الهجرة، يبدو أنّ حزب الشعب الأوروبي قد غيّر موقفه، فقد دعا في برنامجه الانتخابي إلى إرسال طالبي اللجوء إلى بلدان ثالثة تُعتبر "آمنة"، وهذا ما نص عليه مشروع القانون الذي أقرّه مجلس العموم البريطاني ويتيح للحكومة ترحيل المهاجرين غير القانونيين إلى رواندا.