الكفة تميل إلى صالح قائد الجيش في بورصة الترشيحات لرئاسة لبنان

أعلن حزب الله للمرة الأولى عن عدم معارضته تولي قائد الجيش العماد جوزيف عون رئاسة الجمهورية، في موقف رأى متابعون أنه يمكن البناء عليه لحل عقدة الشغور الرئاسي في لبنان.
بيروت - عاد اسم قائد الجيش اللبناني للتداول بقوة كمرشح توافقي لتولي رئاسة الجمهورية، لاسيما بعد تصريحات لحزب الله الأحد، أشار فيها للمرة الأولى إلى أنه ليس لديه أي “فيتو” على العماد جوزيف عون. وجرى تداول اسم قائد الجيش للمنصب، قبل اندلاع أحداث غزة في أكتوبر 2023 وما استتبعها من تصعيد طال لبنان، لكن حسابات حزب الله آنذاك حالت دون المضي فيه.
وتفصل اللبنانيين أيام قليلة على الجلسة النيابية لانتخاب رئيس للجمهورية المقرر إجراؤها في التاسع من يناير الجاري، ويرجح أن تكون الجلسة تمهيدية إلى حين التوصل إلى صيغة تفاهم بين الفرقاء اللبنانيين. ويعتقد محللون أن الظروف ناضجة لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان، وأن حظوظ عون تبدو مرتفعة لشغل المنصب بعد أكثر من عامين على انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون.
وقال مسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله وفيق صفا “ليس لدينا فيتو على قائد الجيش، والفيتو الوحيد بالنسبة لنا هو على سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية)، لأنه مشروع فتنة وتدميري في البلد.” ووحدة الارتباط والتنسيق مسؤولة عن العلاقات الخارجية لحزب الله والتنسيق مع مختلف الأطراف داخليا وخارجيا.
وجاءت تصريحات صفا في كلمة له من موقع اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، خلال جولة له في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. ويأتي ذلك في أول ظهور له بعد محاولة اغتياله بغارة على بيروت في أكتوبر 2024، أوقعت قتلى وجرحى. ويرى متابعون أن استخدام صفا لمفردة “الفيتو” هو محاولة من حزب الله للإيحاء بأنه لا يزال ضابط الإيقاع في لبنان، وصاحب اليد الطولى وأنه لن يقبل تمرير أي مرشح لا يرضى عنه، على غرار جعجع، الخصم اللدود بالنسبة إليه على الساحة اللبنانية.
وكانت مصادر مقربة من حزب القوات اللبنانية تحدثت بأن الحزب يدرس إمكانية ترشيح جعجع للمنصب، لكن لم يجر حتى الآن الحسم في المسألة، بانتظار ما ستسفر عنه النقاشات مع القوى الداخلية. ويرجح المتابعون أن يكون حديث حزب القوات عن إمكانية ترشيح زعيمه من باب الضغط على حزب الله للقبول بمرشح توافقي، وإن كانت المصادر القواتية تؤكد أن المسألة جدية.
وإلى جانب الموقف المستجد لحزب الله يحظى العماد جوزيف عون بدعم من الحزب التقدمي الاشتراكي وعدم ممانعة من حركة أمل التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، في المقابل يلقى قائد الجيش رفضا من قبل التيار الوطني الحر، الذي أعرب مؤخرا عن استعداده للذهاب في دعم جعجع إذا ترشح، للضغط من أجل عدم تمرير قائد الجيش.
ويقول محللون إن كفة الميزان على الرغم من أنها تميل لصالح عون حتى الآن في بورصة الترشيحات لكن لا شيء واضحا حتى الآن، وأنه قد تطرأ تحولات على خارطة المرشحين. ويوضح المحللون أن الوقت لا يسعف لبنان، حيث إن المجتمع الدولي كان واضحا لجهة أن أي دعم للبلاد سواء على الصعيد الاقتصادي أو ملف إعادة الإعمار يجب أن يمر حتما عبر حل عقدة رئاسة الجمهورية.
ويلفت المحللون إلى أن التعاطي الفوقي لحزب الله وإلقاء التهم لا يخدمان جهود التوافق لإنهاء أزمة الشغور، بل يزيدان من تعقيدات المشهد اللبناني المعقد بطبعه. وقال النائب ميشال ضاهر “لفتنا إعلان مسؤول وحدة الارتباط والتّنسيق في ‘حزب الله’ وفيق صفا عدم وجود فيتو على انتخاب قائد الجيش، ولكنّنا نشجب لغة التخوين التي تحدّث بها عن رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.”
وتساءل “هل بهذه اللغة سنبني البلد؟ ألا يقود مثل هذا الكلام إلى فتنة، خصوصا بعد مشهد احتضان النازحين؟ ألا يجب على صفا أن يسأل عمّن سيأوي النّازحين من جديد في حال اندلعت الحرب مجدّدا لا سمح الله؟”، مشدّدا على “أنّنا تعبنا يا حاج من هذه اللغة وهذا الأسلوب. بدنا بلد.”
من جهته أشار الرئيس الأسبق العماد ميشال سليمان، في تصريح، إلى أن “إشهار الفيتو بوجه مرشح للرئاسة أو أكثر هي بدعة ديمقراطية جديدة في لبنان”، معتبرا أن “جرح مشاعر اللبنانيين في ثقافتهم الديمقراطية يضاهي التنكر للدستور والتعامل معه كوجهة نظر.”
◙ التعاطي الفوقي لحزب الله وإلقاء التهم لا يخدمان جهود التوافق لإنهاء أزمة الشغور، بل يزيدان من تعقيدات المشهد
وتوجهت عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائبة ستريدا جعجع إلى صفا بالسؤال “أين الفتنة لدى سمير جعجع؟ هل باستقبال بيئتكم الحاضنة في عقر دار القوات اللبنانية وفي معاقلها من بشري ودير الأحمر إلى سائر مناطق جبل لبنان؟" وقالت “جعجع استفق، لقد ولّى زمن رفع الفيتوات من قبلكم في وجه الآخرين، انظر إلى نفسك وتلمّس يديك وأنت العارف جيدا بما ارتكبته بحق أهلك واللبنانيين.”
ومنذ السابع والعشرين من نوفمبر الماضي، يسود وقف هش لإطلاق النار أنهى قصفا متبادلا بين إسرائيل و”حزب الله” بدأ في الثامن من أكتوبر 2023، ثم تحول إلى حرب واسعة في الثالث والعشرين من سبتمبر الفائت. وتشكل استعادة المؤسسات اللبنانية وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية لدورها مدخلا أساسيا لاستقرار الوضع الأمني، وهو ما يدفع باتجاهه المجتمع الدولي والمحيط العربي.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر 2022، أخفق البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس جديد خلال 13 جلسة على مدى عامين، آخرها في الرابع عشر من يونيو 2023، ما أدخل البلاد في شغور رئاسي هو السادس في تاريخ لبنان الحديث.
وتنصّ المادة الـ49 من الدستور اللبناني على أنّ “رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، أي 86 نائبا من أصل 128، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في الدورات التي تلي (65 نائبا)، وتدوم رئاسته ستّ سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته”.
ورغم عدم إعلانهم جميعا الترشح رسميا، فإن من أبرز المرشحين للرئاسة اللبنانية هم إلى جانب قائد الجيش وزعيم القوات اللبنانية: المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، والنائبان نعمة أفرام وإبراهيم كنعان، والوزراء السابقون جهاد أزعور وزياد بارود وجان لوي قرداحي.