الكفاءة الوقود الأول لنجاح الانتقال السريع في مجال الطاقة

عادت مسألة استخدام الطاقة المتوافرة بفاعلية أكبر، والتي غالبا ما تم تجاهلها، إلى الواجهة بصورة مدوية منذ العام الماضي في ظل الأزمة العالمية الراهنة، ولو بشكل غير كاف، لكن يبدو أنها تأخذ الآن منعطفا مصيريا لتحقيقها مع تزايد ضغوط الخبراء.
فرساي (باريس) - تقود وكالة الطاقة الدولية التي تجمع العشرات من المسؤولين بداية من الثلاثاء ولمدة يومين في مدينة فرساي شمال العاصمة الفرنسية باريس لمناقشة الفرص التي يمكن من خلالها ترجمة تحدي كفاءة الطاقة إلى واقع ملموس.
وتقول ماري روسلو مسؤولة هذا الملف لدى مكتب إينرداتا للدراسات المتخصص في الطاقة لفرانس براس إن مفهوم كفاءة الطاقة يعني استهلاك “قدر أقل من الطاقة للخدمة ذاتها التي يؤديها جهاز أو تقنية”.
لكنها تؤكد أنه مفهوم مختلف عن خفض الاستهلاك المرتبط بصورة خاصة “بتغييرات في السلوك أو الاستخدام” مثل خفض التدفئة إلى 19 درجة مئوية.
وترى وكالة الطاقة أن كفاءة الطاقة ستسمح بالوصول إلى منتصف الطريق نحو حياد الكربون بحلول العام 2050، وهي بالتالي تعتبر أحيانا الحجر الأول في بناء الانتقال في مجال الطاقة، أو بعبارة أخرى “الوقود الأول” لهذا الانتقال.
وذكر براين ماثرواي الخبير لدى وكالة الطاقة الدولية “غالبا ما لا تعير الحكومات اهتماما كافيا” بهذه المسألة في حين أنها ستكون على قدر خاص من الأهمية خلال العقد الجاري.
وقال “كلما استهلكنا طاقتنا بفاعلية، تحتم علينا الاستثمار أقل في الألواح الشمسية والطاقة النووية والشبكات”.
وبعد سنوات من التقدم المحدود، لفتت وكالة الطاقة الدولية إلى أن العام 2022 زاد من طموحات الحكومات على وقع الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة.
وارتفعت الاستثمارات في تجديد المباني والنقل العام والبنى التحتية للسيارات الكهربائية بنسبة 16 في المئة العام الماضي بالمقارنة مع 2021، لتصل إلى 560 مليار دولار.
وأدت الاستثمارات إلى زيادة كفاءة استهلاك الطاقة باثنين في المئة في 2022 مقارنة بعام 2021، وهو ما يعادل نحو ضعف المعدل للسنوات الخمس الماضية.
لكن ذلك الرقم أقل من معدل الأربعة في المئة سنويا، الذي تقول الوكالة إنه ضروري هذا العقد للوصول إلى صفر انبعاثات بحلول 2050.
وفي مسعى آخر لتعزيز الأداء على هذا الصعيد، أطلقت أكثر من 25 دولة حملات توعية عامة، غير أن هذا التقدم يبقى هشا، إذ رأى ماثرواي أن “قسما من الاهتمام قد يتراجع” مع استقرار فواتير الطاقة في مستقبل قريب وتراجع التوتر في سوق الغاز”.
وحذر من أنه “سيكون من الخطأ الاعتقاد أن الأزمة باتت خلفنا، فالبوادر تشير إلى أن الشتاء المقبل سيكون بصعوبة الشتاء السابق”.
ويجمع الخبراء على الرد بأن التحول في الطاقة يجب أن يكون “في كل مكان!” مشددين بصورة خاصة على تحسين المساكن.
وأوردت وكالة الطاقة مثال أوروبا حيث منحنى الاستثمارات في هذا القطاع “مستقر”، ولو أن مبيعات المضخات الحرارية لتبديل السخانات العاملة على المازوت أو الغاز ازدادت بنسبة 40 في المئة في 2022 في القارة.
وتمثل المباني المخصصة لقطاع الخدمات في فرنسا مثلا ثلث استهلاك الطاقة في الشتاء. ووفق شبكة نقل الكهرباء (آر.تي.إي) يمكن لهذه المباني تحقيق 20 في المئة من المدخرات دون بذل مجهود هائل، عبر “قليل من الوعي والإدارة الفنية”.
وذكرت روسلو من بين السبل الممكنة لتحقيق ذلك “عدم ترك النوافذ مفتوحة عند تشغيل التدفئة”.
وركز القطاع الصناعي الذي يعاني مباشرة ارتفاع أسعار الطاقة، على هذه المسألة. أما الشركات المتوسطة والصغيرة، فتواجه مزيدا من الصعوبات، في حين أنها تمثل بحسب وكالة الطاقة 70 في المئة من المدخرات المحتملة في القطاع الصناعي خلال العقد المقبل.
ومن الرهانات الأخرى المطروحة التكييف، وأوضح ماثرواي بهذا الصدد أنه “سيتم شراء عشرة مكيفات في الثانية من الآن حتى 2050، لكن المكيف المتوسط الذي يتم شراؤه اليوم أقل فعالية بمرتين من أفضل” جهاز متوافر.
ويرى جان باسكال تريكوار رئيس مجموعة شنايدر إلكتريك، وهي من كبرى مجموعات العالم في مجال إدارة الطاقة، أن الحل لهذه المسالة تكنولوجي.

وقال إنه في مجال البناء، تسمح “الرقمنة” و”أتمتة المنازل” بادخار 30 في المئة من الطاقة المستهلكة، ولاسيما عبر “توعية” المستخدم وتمكينه من مراقبة استهلاكه من كثب.
وتابع أن الأمر نفسه ينطبق عند اعتماد اللامركزية في إنتاج الطاقة، موضحا “في أوروبا، إذا تم تجهيز كل السطوح المؤهلة لذلك بالألواح الشمسية، سنتمكن من خفض الوطأة على طلب الكهرباء بنسبة 20 في المئة”.
وسيبحث رجال الأعمال والوزراء الذين تجمعهم وكالة الطاقة الدولية هذا الأسبوع مع شنايدر في قصر المؤتمرات في فرساي قرب باريس، كل أنواع التدابير الممكن اتخاذها.
وتطرح هذه المسألة تحديا بصورة خاصة على الدول الناشئة والنامية التي ستسجل القسم الأكبر من النمو السكاني المرتقب. ومن المتوقع على هذا الصعيد أن تشيّد أفريقيا والهند مئة مليار متر مربع من المباني خلال السنوات الثلاثين المقبلة.
وقال ماثرواي إنه يتم تشييد المزيد من المباني “بمستويات ضعيفة جدا من كفاءة الطاقة” وسيكون سكان هذه المباني أول من سيعاني من الأمر، مشددا على أنه “حتى معايير أساسية لا تزيد بالضرورة كلفة البناء ستحدث فرقا هائلا”.