الكتابة في طقوسها

يقول بنيامين فرانكلين وقد قضى جزءا من حياته مديرا للبريد العام في الولايات المتحدة، “إما أن تكتب شيئا يستحق القراءة أو تفعل شيئا يستحق الكتابة."
بالكتابة أو التدوين بدأ تاريخ الإنسان. ما قبل اختراع الكتابة لم يكن تاريخا بالرغم من أنه انطوى على الكثير من الإنجازات الخطيرة التي مهدت لظهور الحضارات.
هناك مَن يقول وهو على حق، “أكتب حتى أعرف كيف أفكر”، أما أكثر النصائح التي سمعتها عمقا وبساطة فهي، “إذا أردت أن تصبح كاتبا، اكتب”، ربما تصطدم تلك النصيحة بما تقوله فيروز “كتبنا وما كتبنا/ يخسارة ما كتبنا/ كتبنا مية مكتوب ولهلا ما جاوبنا” طرفا المعادلة ضروريان من أجل أن تكتمل. فالكاتب يقابله القارئ والمرسل يقابله المرسل إليه. غير أن هناك حالات لا تبحث الكتابة عن طرفها الثاني.
تقول فيروز "بكتب اسمك يا حبيبي عل الحور العتيق” ويقول فريد الأطرش “لاكتب ع اوراق الشجر/ سافر حبيبي وهجر".
قبل “رسالة من تحت الماء” التي تقاسمها مع نزار قباني، كتب عبدالحليم حافظ رسالة شهيرة في أحد أفلامه يقول فيها “قلبي اللي بيكتبلك/ هو اللي بيبعثلك/ والليل صحاه/ والشوق خلاه/ يكتبلك” ومنها “يكتبلك عللي بقالو كثير مداريه/ يوصفلك حبو وسهدو وشوق لياليه”.
وقبل أن تغني أم كلثوم “أغدا القاك” التي تقول فيها، “هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر” غنت عام 1943 من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد “اكتب لي كثير/ من غير تأخير”.
يقول المصري والشامي على حد سواء “بكتب جواب” فيحل الجواب في الرسالة محل السؤال.
تقول ليلى مراد “اكتبلك جوابات واستنه ترد عليا/ وابعثلك سلامات يا الغالي نن عنيا”. أما صباح فخري وهو شامي فيقول “ابعثلي جواب وطمني” هناك مقولة منسوبة إلى الإمام علي يقول فيها “اكرموا أولادكم بالكتابة. فإن الكتابة من أهم الأمور ومن أعظم السرور. وأن حُسن الخط يزيد الحق وضوحا”. كان كارم محمود محقا إذاً وهو يقول “على ورق الورد حكتبلو/ حكتبلو وعد/ واشرحلو الود واشرحلو على ورق الورد”، ولو لم يخترع الإنسان الورق لما تطورت الكتابة ولما انتشرت بأنوارها. أذهب بين حين وآخر إلى المتحف البريطاني في لندن من أجل غاية محددة.
أن ألقي نظرة على ما تم نقله من مكتبة آشور بانيبال من كتب هي ليست سوى ألواح طينية. وحين أتذكر أنني قبل ربع قرن كنت أكتب بقلم حبر باركر أنظر إلى لوح الكتابة في حاسوبي، وأقول “يوما ما كنت شبيها بالكاتب الآشوري الذي ألف كتبا من طين.” أما حين أتأمل مخطوطة رواية عظيمة مثل “البحث عن الزمن الضائع”، فأنا أفكر في معاناة عامل المطبعة وهو يسعى إلى فك الطلاسم التي صنعتها تصحيحات مارسيل بروست.