الكتابة بلغة الآخر

الكتابة بوصفها الأكثر ارتباطا بالذات وتعبيرا عن الوعي بها وبعلاقتها بالعالم، تظل محكومة بمحددات هذا الوعي، ودوره في البحث عن اللغة وجمالياتها في التعبير عن هذه الذات، كقيمة إنسانية وجمالية ووجودية حية ومتجددة أبدا.
الثلاثاء 2019/04/02
أحلام مستغانمي في ثلاثية فوضى الحواس حولت الكتابة بصيغة المذكر

حتى وقت قريب كان الشاعر أو الكاتب العربي يتباهى بمقدرته على تمثل عالم المرأة بكل ما فيه من أسرار ودوافع ورغبات. هذا الدور الذي أوكله الكاتب لنفسه كان محاولة لملء الفراغ الذي كان يخلفه غياب المرأة الكاتبة، ما جعل هذا الدور على الرغم من محاولته التعويض عن هذا الغياب يسهم في تكريس هذا الواقع، حتى استطاعت المرأة أن تتحرر من هذه الوصاية.

لكن المرأة/ الكاتبة مع هذا التحول وجدت نفسها أمام إشكالية من نوع آخر، هي إشكالية الوعي الأنثوي بذاتها كلغة وجماليات في الكتابة. والسؤال الذي يفرض حضوره بعد الحضور الكبير لها، هل استطاعت هذه الكتابة أن تمتلك رؤيتها بالنسبة للتعبير عن هذا الوعي، في ظل أشكال مختلفة، باتت تحكم هذه العلاقة وتحدد قيمتها الجمالية والفكرية؟

هناك تياران في الكتابة الأنثوية، تيار نسوي يؤكد مسألة الوعي الذاتي بالهوية الأنثوية، وما تعانيه المرأة من ظلم وقيود على حريتها، يجعلها بحاجة إلى لغة ووسائل تعبير قادرة على التعبير عن هذا الواقع، في حين يرفض التيار الثاني هذه الخصوصية، ويؤكد وحدة الأدب، متجاهلا هيمنة الرجل/ الكاتب عليه لغة وإبداعا وقيمة جمالية.

وإذا كانت أطروحات التيار النسوي ما زالت غائمة الملامح، فإن التيار الثاني ما زال هو الآخر يعاني من الازدواجية والتناقض في وعيه لذاته وعلاقته باللغة. وللدلالة على ذلك يمكن اعتبار محاولة بعض الكاتبات استخدام ضمير المذكر في الكتابة، هي تجسيد للتماهي مع لغة الكاتب، إما لإثبات كفاءتها في استخدام لغته، أو للتأكيد على القيمة الخاصة لهذه اللغة، من خلال استخدام قناع الرجل في الكتابة.

لقد حاولت أحلام مستغانمي في ثلاثية فوضى الحواس الكتابة بصيغة المذكر، وكأن وعي الكاتبة باللغة، لا يختلف عن وعي بطلة رواياتها في علاقتها مع الرجل زوجا وعشيقا. والغريب أن الكاتبة أوقعت باستخدامها ضمير المذكر في الكتابة، أوقعت نفسها في إشكالية من نوع آخر تتعلق بالاتهامات التي قدمها البعض حول مشاركتهم في كتابة هذه الأعمال. إن قراءة هذه الظاهرة ربما تحتاج إلى استخدام التحليل النفسي أكثر من الحاجة إلى تفسيرها على أساس هذه الاتهامات، طالما أنها ترتبط بخيارات ذاتية ودوافع مضمرة، يجب البحث عنها في طبقات هذه الكتابة قبل أي شيء آخر.

إن الكتابة بوصفها الأكثر ارتباطا بالذات وتعبيرا عن الوعي بها وبعلاقتها بالعالم، تظل محكومة بمحددات هذا الوعي، ودوره في البحث عن اللغة وجمالياتها في التعبير عن هذه الذات، كقيمة إنسانية وجمالية ووجودية حية ومتجددة أبدا.

15