الكتابة الساخرة

في الأدب تكاد هذه الكتابة أن تختفي بعد أن رحل أغلب رموزها من الكتّاب المعروفين، في حين لم يحاول الكتّاب الجدد ملء هذا الفراغ.
الثلاثاء 2018/09/18
خصوصية الكتابة الساخرة جعلت عدد الكتّاب الذين يجيدون هذا النوع محدودا (لوحة: إبراهيم الصلحي)

الكتابة الساخرة التي ازدهرت في الماضي، وكان تلقيها واسعا من قبل القراء سرعان ما بدأ حضورها يتراجع في الأدب والصحافة لأسباب عديدة، كان أهمها تأميم الصحافة واشتداد الرقابة على النشر، وانتشار الكاريكاتير الذي كان يتقدم على حسابها أيضا. لم يكن تلقي هذه الكتابة مرتبطا بلغتها الساخرة، وقدرتها على الإضحاك وحسب، بل بنقدها الساخر ظواهر وقضايا اجتماعية وسياسية تتصل بحياة الناس بلغة مكثفة واستخدام ذكي لعنصر المفارقة، إضافة إلى الطرافة في العرض.

خصوصية هذه الكتابة واشتراطاتها جعلت عدد الكتّاب الذين يجيدون هذا النوع محدودا، نظرا لحاجتها لحس ساخر وأسلوب طريف ولغة موجزة وواضحة عند الكاتب. في تراثنا القديم كما في أدبنا وصحافتنا الراهنة كان الكتّاب الذين يجيدون هذا الفن قلّة، وهذه القلّة هي من أعطت كتابها هذه الأهمية والقدرة على الانتشار والشهرة.

لعبت الصحافة دورا هاما في انتشار هذا النوع من الكتابة، وفي شهرة عدد من الأسماء التي عرفت بتميز أسلوبها الساخر والتقاطها الذكي لمفارقات الواقع. لكن اتساع ظاهرة الرقابة على الصحافة ساهم في تقليص حضورها وحرمان كتّابها من مساحة الحرية، التي يحتاجونها لتناول قضايا المجتمع والحياة الأكثر ارتباطا بحياة الناس ومعاناتهم.

الطرافة في لغة هذه الكتابة تختلف من كاتب إلى آخر. لكن الاختلاف الأهم عند كتابها هو في نوعية هذه اللغة وعلوّ نبرتها، ففي حين تتميز لغة بعض الكتّاب بالسخرية والدعابة، فإن لغة كتّاب آخرين تتميز بالحدة والسخط في سخريتها من الظواهر والقضايا التي تتناولها، ويمكن ملاحظة هذا الفارق بوضوح بين لغة القاص حسيب كيالي، والقاص زكريا تامر.

في الأدب تكاد هذه الكتابة أن تختفي بعد أن رحل أغلب رموزها من الكتّاب المعروفين، في حين لم يحاول الكتّاب الجدد ملء هذا الفراغ، ومن حاول منهم أن يقتفي أثرهم لم يكن أصيلا لأنه لم يستطع أن يضيف إلى الرصيد الإبداعي للمنجز السابق شيئا مهما، إن لم يكن يصرف من رصيدهم، ولذلك كان طبيعيا أن يتراجع حضور هذه الكتابة، حتى يكاد أن يغيب عن المشهد الأدبي.

بالمقابل هناك تراث ثري للتراث الشفوي الساخر في الأوساط الشعبية، قائم على الفطرة والحس العفوي وروح الفكاهة، لكن هذا التراث يختلف من مجتمع إلى آخر، بل ومن مدينة إلى أخرى حتى إن بعضها يكاد يحتكر الشهرة دون سواه. الغريب في هذا التراث الشفاهي أنه يحاول أن يواجه بؤس شرطه الاجتماعي والسياسي بالضحك، وكأنه وسيلته للانتصار على هذا البؤس واستعادة التوازن لحياة مختلة.

15