الكاظمي يرسم خريطة طريق للعراق: نظام رئاسي وكونفدرالية للكرد

رئيس الوزراء السابق يهاجم النظام البرلماني والمحاصصة، والانتخابات المشوهة منتقدًا تعديل القوانين لخدمة الكتل داعيا لإصلاح جذري وعقد اجتماعي جديد.
الاثنين 2025/06/02
دعوة للقطيعة مع نظام المحاصصة

بغداد - أطلق رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، دعوة جريئة لإعادة هيكلة النظام السياسي في العراق، مقترحا الانتقال إلى نظام رئاسي كحلّ لأزمة عدم الاستقرار المزمنة.

 وتأتي هذه الدعوة، في سياق تقييم نقدي للتجربة البرلمانية منذ العهد الملكي، تفتح نقاشا محوريا حول مستقبل الحكم في البلاد، وتضع في صلب الحل المقترح تطمين المكون الكردي عبر منحهم الكونفدرالية.

 ويعكس هذا الطرح رؤية ترى في تغيير جوهري للنظام السياسي السبيل الوحيد لإصلاح عميق يكسب ثقة المواطنين ويُنهي عقودا من الجمود.

ويمر العراق بمرحلة سياسية بالغة التعقيد، تتسم بعدم استقرار متواصل منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921، وقد تفاقمت حدة هذا الوضع بشكل لافت بعد عام 2003.

والنظام السياسي الحالي، الذي تأسس كجمهورية برلمانية اتحادية بموجب دستور 2005، كان من المفترض أن يُرسّخ مبادئ تقاسم السلطة بين مختلف المكونات العراقية، إلا أن هذا الإطار الدستوري لم يُفلح في تحقيق الاستقرار المنشود، مخلفًا وراءه إرثًا من التحديات التي تعصف بالمشهد السياسي والاجتماعي في البلاد.

وتتعدد الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل المؤسسي. فالعراق، بتركيبته المتنوعة من حيث القوميات والأديان والمذاهب، أصبح مسرحًا لصراعات طائفية وعرقية حادة، خاصة في مرحلة ما بعد 2003.

وقد عزز نظام المحاصصة، الذي يقوم على توزيع المناصب الحكومية على أساس الانتماءات الطائفية والعرقية، هذه الانقسامات، مما أدى إلى شلّ عمل المؤسسات الحكومية وعرقلة جهود بناء دولة فعالة.

ويضاف إلى ذلك، دور التدخلات الخارجية وخصوصا إيران التي استغلت هذا التنوع الاجتماعي لتحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، ما زاد من تعقيد الصراعات الداخلية وتفاقمها.

وتعاني مؤسسات الدولة العراقية أيضًا من ضعف هيكلي عميق، يتجلى في مستويات عالية من الفساد وعدم الكفاءة، مما يُقلص من قدرتها على تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين ويُفقد الثقة فيها.

وتُشكل العلاقة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وإقليم كردستان أحد أبرز مصادر التوتر الدائم، فالخلافات حول إدارة المناطق المتنازع عليها، وتقاسم الثروات النفطية، تظل عقبة كأداء أمام تحقيق الانسجام الوطني وتُلقي بظلالها على أي محاولة لإصلاح شامل.

وأكد مصطفى الكاظمي، خلال لقاء تلفزيوني على قناة "السومرية"، أن "النظام البرلماني لم ينجح في العراق منذ العهد الملكي، وسبب عدم الاستقرار، وكذلك في بقية دول العالم".

 وبيّن أن هذا النظام يمنح الناخبين "وكالة" لعضو البرلمان للتحدث نيابة عنهم، بينما في النظام الرئاسي، يمكن للناخب معاقبة الرئيس مباشرة إذا لم يلبي طموحه.

وأشار إلى وجود "فئات متعددة ترغب بالتحول إلى النظام الرئاسي في العراق لكنها قد لا تتحدث عن هذه الرغبة علنًا"، مشددًا على "ضرورة إصلاح النظام وكسب ثقة المواطنين به".

ويرى الكاظمي أن "النظام السياسي وُلِدَ مشوهًا وأنتج تجربة مشوهة، والنظام التوافقي في العراق ولبنان أثبت أنه فاشل"، مُضيفًا "نحتاج أن نغير نظامنا السياسي بمعنى تعديله وإصلاحه وليس إسقاطه".

ويُشكل مصير المكون الكردي نقطة حساسة في أي تحول نحو نظام رئاسي، حيث أوضح الكاظمي أن "المتضرر الرئيسي من النظام الرئاسي هم الكرد"، نظرًا لحصتهم في بغداد والإقليم. لذا، دعا إلى "تطمينهم بمنحهم فيدرالية حرة في منطقتهم"، بل واقترح الانتقال بالعلاقة مع إقليم كردستان من الفيدرالية إلى الكونفدرالية، أو "فيدرالية بمساحة أكبر"، لضمان حقوقهم وحل المسائل العالقة مثل موضوع الرواتب.

واستشهد بتجربة اسكتلندا في المملكة المتحدة، مؤكدا أن تطبيقها في كردستان العراق سينهي المشاكل بين أربيل وبغداد، وأن الحل يكمن في تغيير النظام السياسي.

ولم تتوقف رؤية الكاظمي عند تغيير النظام، بل امتدت لتشمل نقدا لاذعا للعملية الانتخابية الحالية، فبعد عودته إلى العراق، لاحظ الكاظمي وفريقه أن "العملية الانتخابية المقبلة تفتقر إلى المنافسة، وحجم المشاركة من قبل المواطنين سيكون محصورًا، كما أن هناك عزوفًا".

 كما أشار إلى "غياب المشاريع السياسية الانتخابية، وصراع المال الذي يدخل على حساب المشاريع، وهذا يصنع قيما مافيوية في العملية الانتخابية".

وشدد الكاظمي على أنه "من غير المعقول في كل انتخابات أن نصمم قانونا انتخابيا حسب رأي الكتل الفائزة"، في إشارة إلى بعض قوى الإطار التنسيقي الشيعية الموالية لإيران، مطالبا بقانون انتخابي ثابت لا يتغير إلا بمتغيرات حقيقية.

وكانت محاولات تعديل قانون الانتخابات التي كان يدفع بها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي يقود من داخل الإطار التنسيقي المشكّل من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة لقطع مسار الصعود السياسي لرئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني قد واجهت صعوبات جمة بسبب الانقسام السياسي العميق بين الكتل الكبيرة، حيث يسعى كل طرف لتمرير قانون يخدم مصالحه الحزبية، مما أدى إلى تأجيل هذا الملف.

 وأوضح الكاظمي أن عدم مشاركته في الانتخابات الأخيرة، لأنه فضل ألا يكون "شاهد زور"، مؤكدا أنه "في 2021 كنت أملك خيار المشاركة في الانتخابات والجهاز التنفيذي للدولة كان تحت يدي، لكن لم أشارك كي لا تحسب أن رئيس الوزراء استغل المال العام والجهاز التنفيذي."

وانتقد الكاظمي بشدة الاتفاقات التوافقية التي تشكل الحكومات، مؤكدا أنها "تهدد النظام السياسي ولا توجد ديمقراطية بدون موالاة ومعارضة".

وهاجم "الخطاب المقيت" الذي يقول إن "بغداد فقط للسنة وآخرون يقولون فقط للشيعة"، وعلى الرغم من تحفُّظه على آليات الانتخابات الحالية، لم يدعُ الكاظمي الناس لمقاطعتها، بل دعا إلى حوار وطني عميق يمهد لـ"عقد مجتمعي جديد".

وأكد الكاظمي أن "التحول إلى النظام الرئاسي يجب أن يكون قرارا عراقيا خالصا، والمراهنة على قرار خارجي من الكبائر كأننا غير راشدين".

ويرى أن النظام الملكي في العراق كان الأفضل، أن النظام البرلماني فشل وأنتج "ثورة 1958".

ودعا إلى نظام رئاسي عراقي جديد مع برلمان ورئيس وزراء لا يتعرض للتهديد في أي لحظة، ويجب تطمين الكرد حول النظام الرئاسي وأنهم لن يتضرروا منه، وقد يكون تطمينهم عبر منحهم كونفدرالية.

وقال إن التحول إلى النظام الرئاسي يجب أن يكون قرارا عراقيا خالصا، والمراهنة على قرار خارجي من الكبائر كأننا غير راشدين، نحتاج أن ندخل حواراً جديداً وعقداً مجتمعياً جديداً.

وذكر أنه في النظام الرئاسي صوت المواطن لا يضيع، وعندما يخطئ الرئيس، فالشعب يحاسب الرئيس في الدورة المقبلة، أما البرلماني تمنح صوتك لبرلماني وتنتظر منه.

 واعتبر ما حصل في تشرين/أكتوبر "رسالة قوية لكل النخب السياسية كي يعيدوا النظر في أدائهم"، مُشيرًا إلى أن "أغلب القوى السياسية ترغب بالنظام الرئاسي لكنها تتحدث عنه بخجل".

وتُمثل هذه الرؤية، بمجملها، خارطة طريق واضحة لإصلاح جذري يتخطى مجرد المناورات والتكتيكات السياسية الآنيّة، فهي دعوة صريحة لبناء دولة عراقية أكثر استقرارا جوهريا ومسؤولية عميقة، تستند إلى أسس دستورية مُعدّلة تلبي طموحات الشعب وتُرسّخ مبادئ الحكم الرشيد بعيدا عن تداعيات المحاصصة التي أرهقت المشهد السياسي لعقود.