الكاظمي ضحية عرضية لمسلسل تنازلات الصدر

يستشعر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي أن لا مكان له في التركيبة المقبلة للسلطة، لاسيما بعد التحول في موقف التيار الصدري، الذي خضع على ما يبدو لمساومات القوى المقابلة في علاقة بإعادة إنتاج نفس المنظومة الحالية.
بغداد – حملت تدوينة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مؤشرا عن نيته الانسحاب من سباق رئاسة الحكومة المقبلة، بعد التحولات التي طرأت على المشهد العراقي والتي تنذر بإعادة تكريس المنظومة التي حكمت البلاد منذ العام 2003.
واعتبرت أوساط سياسية عراقية أن الكاظمي بتدوينته يستبق أي خطوة قد يقدم عليها التيار الصدري، للتخلي عنه في سياق مسلسل التنازلات الذي بدأه زعيم التيار مقتدى الصدر، والذي كانت أولى حلقاته خضوع الصدر لشروط حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن ملف رئاسة الجمهورية.
وقال الكاظمي في التدوينة التي نشرها الجمعة على حسابه على تويتر “أدينا الواجب الذي استدعينا من أجله في خدمة شعب العراق العظيم”، مضيفا “لم نتردد أو نتقاعس أو نساوم على حساب المصلحة الوطنية ولم نقدم مصالحنا على مصالح شعبنا، كما لم ننجر إلى المساجلات والمزايدات”.
وأوضح رئيس الوزراء العراقي “أوصلنا الوطن إلى انتخابات حرة نزيهة، ووضعنا بصبر أسس تجاوز الأزمات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية الكبرى رغم العراقيل الداخلية والتحديات الخارجية، وأعدنا العراق عزيزا إلى المجتمعين الإقليمي والدولي، وفتحنا طريق مكافحة الفساد والمفسدين واستعادة الدولة من براثن اللادولة، وأخرسنا الإرهاب وخلاياه وذيوله بعزم أبطال قواتنا العسكرية والأمنية والاستخبارية”.
وحمّل “القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية التي أفرزتها العملية الانتخابية الديمقراطية مسؤولية حماية المسار الوطني من خلال إنهاء الانسدادات السياسية، وتشكيل حكومة تتصدى للاستحقاقات وتصون الوطن وتدافع عن وحدته ومقدراته، ونبارك كل الجهود على هذا الطريق”.
وبدت تدوينة الكاظمي “وداعية”، حرص من خلالها على استعراض أهم الإنجازات التي تحققت منذ توليه لرئاسة الوزراء قبل نحو عامين، ومؤكدا على أنه أدى الدور الموكول إليه وأن الكرة حاليا في ملعب القوى السياسية.
وتسلم الكاظمي منصب رئاسة الوزراء في نوفمبر من العام 2020 خلفا لعادل عبدالمهدي الذي اضطر للاستقالة على خلفية احتجاجات غير مسبوقة شهدها العراق بسبب تفشي الفساد وسوء الإدارة التي حمل المتظاهرون مسؤوليتها لمنظومة الحكم القائمة.
وحاول الكاظمي خلال فترة توليه رئاسة الوزراء إعادة تصويب المسار الاقتصادي وهيأ الأجواء لانتخابات مبكرة نادى بها الشارع، وحرص على الانفتاح على الجوار العربي العراقي، وهو الأمر الذي لم يكن محل رضا القوى الموالية لإيران التي تريد رئيس وزراء تابعا بالمطلق للأجندة الإيرانية.
ويتقاطع رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية برهم صالح في العديد من الرؤى والمواقف لاسيما لجهة التمسك بسياسة النأي بالنفس وجعل العراق على مسافة واحدة مع جميع الفاعلين الخارجيين، وبدا أن الطرفين الأكثر قربا في أن يكونا أحد أعمدة المسار الإصلاحي الذي نادى به التيار الصدري الفائز في الانتخابات، لكن يبدو أن هذا المسار انتكس حتى قبل انطلاقته بعد أن نجحت القوى المقابلة في إخضاع الصدر لشروطها.
وقالت أوساط سياسية عراقية إن تدوينة الكاظمي حملت بين طياتها شعورا بالخيبة حيث كان رئيس الوزراء يتطلع لمسار جديد في العراق يكون أحد المشاركين فيه ويستهدف هدم المنظومة القائمة وإرساء منظومة سياسية جديدة تعيد الأمل للعراقيين في بلدهم.
تداول اسم سفير العراق لدى بريطانيا جعفر الصدر لتولي رئاسة الوزراء
وأوضحت الأوساط أن خضوع التيار الصدري لمساومات القوى المقابلة شكل صدمة ليس فقط بالنسبة إلى رئيس الوزراء بل وأيضا للشارع العراقي، خصوصا وأن زعيم التيار عمد على مدار الأشهر الماضية إلى إعلاء سقف مطالبه عاليا من خلال تأكيده في كل إطلالاته وتغريداته على “حكومة لا شرقية ولا غربية” وأن المرحلة المقبلة ستكون بالأساس موجهة للإصلاح، وأنه لا مجال لإشراك القوى المتورطة في الفساد.
ولفتت الأوساط إلى أن كل تصريحات الصدر لم تكن سوى شعارات ارتطمت بأرض الواقع، وأن التوجه الحالي هو إعادة نفس منظومة المحاصصة وبالتالي بقاء العراق في نفس الحلقة المفرغة منذ الاحتلال الأميركي للبلاد.
ويتجه زعيم التيار الصدري إلى تشكيل حكومة محاصصة مع الإطار التنسيقي المظلة السياسية للقوى الموالية لإيران، وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
جاء ذلك بعد أن نجح الإطار التنسيقي والحزب الديمقراطي الكردستاني في إخضاع الصدر لمساوماته ومن ذلك مشاركة ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي في السلطة المقبلة وهو أمر كان محل رفض قاطع من قبل زعيم التيار الصدري.
وتتداول أوساط قريبة من التيار الصدري اسم سفير العراق لدى بريطانيا جعفر الصدر لتولي رئاسة الوزراء، حيث لا وجود لتحفظات على شخصه من قبل قوى الإطار التنسيقي، وقد سبق وأن كان جعفر الصدر -الذي والده الراحل محمد باقر الصدر ووالد مقتدى محمد صادق الصدر أولاد عمومة، ضمن قائمة المالكي خلال الولاية الثانية للأخير.
ويتعلل أنصار الصدر في تبرير التحول في موقف تيارهم بالتحديات الإقليمية والدولية التي تفرض توسيع مظلة التوافق لتشمل جميع القوى المؤثرة في المشهد دون استثناء.
وفي المقابل لا تبدو هذه الذرائع مقنعة بالنسبة إلى الكثير من العراقيين الذين يرون أن الصدر لم يحسن إدارة المعركة السياسية، وأنه آثر التخلي عن وعوده للشارع بالإصلاح لتجنب أي أضرار سياسية جانبية قد تلحقه في صدامه مع قوى الشد العكسي.
ويعتقد هؤلاء أن إعادة إنتاج نفس منظومة الحكم السابقة ستقود مما لا شك فيه إلى استفزاز الشارع وبالتالي من غير المستبعد أن يشهد العراق عودة الحراك الشعبي وبزخم أكبر وهذه المرة لن يكون كسابقه حيث لن يهدأ إلى أن تتم إزاحة كامل المنظومة.