الكاتب يعيش بيد ويكتب بأخرى

روائيون يكشفون كيف ولدت أعمالهم وشخصيات رواياتهم، بعضهم يكتب متأثرا بأحداث خاصة وآخرون من قراءاتهم ومن قصص الآخرين.
الخميس 2018/06/07
شخصيات الكاتب مصبوغة بذاته (لوحة للفنان زكرياء الرحماني)

القاهرة - بطريقة ما "أعتبر كل رواية هي سيرة ذاتية، حينما نبتكر شخصية روائية، فنحن بشكل ما نسبغ عليها بعضا من حياتنا الخاصة. فنعطي هذه الشخصية جزءا منا، ونعطي تلك جزءا آخر منا. بهذا لا أراني أكتب سيرتي الذاتية بشكل مباشر، لكن سيرتي الذاتية تصبح مضمّنة في الراوية، وهناك فرق".

فهل أصبح إيكو روائيا فجأة؟ بالطبع لا، كانت الروايات بداخله فقط كانت تنتظر لحظة تجسيدها على الورق، فكيف تكتب الرواية؟ يقول جارثيا ماركيز “إن أكثر من يسألون أنفسهم: كيف تُكتب الرواية، هم الروائيون أنفسهم”، هذا يعني ببساطة أنه ليس ثمة وصفة سحرية ولا جواب جاهزا، إنما لكل رواية سبب لكتابتها، وكل جواب يستدعي تجربة.

القراءة للكتابة

تنفي الروائية سلوى بكر أن تكون تعمدت اختيار فترات تاريخية للكتابة عنها بقرار مسبق، تقول عن روايتها “البشموري”، “لم أكن أتصور أنني سأكتب مثل هذه الرواية، ولكن عندما قرأت بعض الكتب التاريخية حول الفترة الزمنية لما بين نهاية الحكم الروماني في مصر، وتحوّل مصر إلى دولة إسلامية بالمعنى الذي نعرفه اليوم، كنت أتساءل ماذا حدث بين هاتين الفترتين؟ كيف تحوّلت الثقافة والمفردات الحضارية واللغة، كل هذه أمور كنت أهجس بها دائما، أنا مدمنة على قراءة التاريخ، وفي فترة ما كان سؤال الهوية شائعا في الأوساط الثقافية، وصادف أن كنت أقرأ كتاب ساويرس بن المقفع ‘تاريخ الآباء البطاركة‘ عندما اكتشفت كثيرا من الرؤى حول الهوية المعاصرة والتحيزات الدينية والأيديولوجية المتعلقة بهذه الهوية. فجأة وجدتني مدفوعة في اتجاه البحث حول تلك المنطقة حتى خرجت روايتي ‘البشموري‘ التي أقف فيها على ملابسات هذه الثورة كي أتلمس ملامح الهوية الحضارية والثقافية لمصر آنذاك”.

مصر ما بين الحكم الروماني والحكم الإسلامي
مصر ما بين الحكم الروماني والحكم الإسلامي

وتضيف سلوى بكر “الأمر نفسه تكرر في روايتي ‘الصفصاف والآس‘، فقد أردت فيها أن أعبر عن الهزة القيمية التي حدثت للمصريين بعد دخول الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798، حيث كانت لمصر في نهاية القرن الثامن عشر منظومة اجتماعية خاصة وأسلوب حياة معين، وحين جاءت الحملة جعلت المصريين يعيدون النظر في كل ذلك، فقد كانوا قبل ذلك على سبيل المثال يتنزهون في حديقة بها نوافير ومقاه ومسارح أنشأها أحد أمراء المماليك الأثرياء، وكانت هذه الحديقة ذات اسم جميل ‘حديقة الصفصاف والآس لمن رغب في الائتناس‘، ومع دخول الفرنسيين ومعهم الملهى الليلي المخصص للترفيه عن ضباط وجنود الحملة، أصبح السؤال لدى المصريين: هل نتسلى في حديقة الصفصاف والآس؟ أم نتسلى في ملهى على غرار جنود نابليون بونابرت؟ وتساءلوا أيضا: هل نشرب مشروباتنا الوطنية أم مشروبات الأوروبيين؟ من هنا جاء اختيار هذا الاسم لأن موضوع الرواية الرئيسي هو الهزة القيمية التي جعلت المصريين يعيدون النظر في طرائق حياتهم ومفاهيمهم وقيمهم بصفة عامة”.

يقول الروائي محمد جبريل “عندما تأتيني فكرة عمل ما لا أشرع فورا في كتابته، بل أقرأ عنه من كل زواياه، مثلا لو كان العمل رواية تاريخية أقرأ عن الفترة التي تعالجها من حيث العادات والتقاليد والأزياء والأسواق حتى أصبح فردا من أفراد هذا الزمان أو الحقبة التاريخية أو الحي القديم، مثلا حينما كتبت عن عمر مكرم قرأت عنه وله، ناقشت عمر مكرم ومحمد علي هذا الحاكم الفرد الذي يعطيني تحديثا وتحضرا ويكبت إرادة المصريين، وعندما حاول عمر مكرم الذي رشحه الشعب أن ينبهه، نفاه إلى دمياط ولم يشفع لعمر مكرم أنه هو الذي وضعه حاكما لمصر. نعم محمد علي أفاد مصر مثل ستالين الذي بنى الاتحاد السوفييتي والذي أقام الستار الحديدي وحقق التقدم في الرياضة والصناعة باستثناء الأدب. لكنه للأسف لم يعتمد على الناس البسطاء مثل محمد علي بالضبط”.

ويضيف جبريل “أحاول دائما في أعمالي الانتصار لمشروع المقاومة، ففي رواية ‘عائشة‘أصر الشعب أن يأخذها؛ عائشة هنا دلالة أو مغزى أصر الناس أن يأخذوها وأخذوها بإرادتهم. وفي رواية ‘رجال الظل‘ الصادرة عام 2005، حصل انقلاب في الإمارة غير المسماة، وهي رمز العالم العربي، بعد الانفلات أحضروا الحاكم من باريس، ليكون مجرد واجهة وليس حاكما فعليا”.

الحياة الخاصة

الغوص في حياة الناس في الإسكندرية
الغوص في حياة الناس في الإسكندرية

يقول الروائي محمود الورداني عن روايته “أوان القطاف”، “بدأت كتابة هذه الرواية بقصة قصيرة منشورة اسمها رأس تابعت فيها رأسا يتم ذبحه عدة مرات، وكانت أهميتها بالنسبة إليّ التخلص التام من الأفكار والانطباعات التي كنت حريصا عليها. والحقيقة أنه لم تكن لديّ أي فكرة مركزية، ولم يكن هدفي إدانة القمع، ولا التغني بالحرية. كل ما أردته هو الإنصات لهذه الأصوات كلها على تنوعها واختلافها، فهي تشترك جميعا في أمر واحد أظن أننا جميعا نشترك فيه وهو تعرضنا المستمر للذبح وبشكل يكاد يكون يوميا، ليس فقط بالمعنى المجازي بل بالمعنى الحقيقي لأننا نعيش كابوسا طويلا”.

ويقول الكاتب محمود قاسم “عندما كنت صغيرا كنت شديد الخصوبة في ما يخص الموضوعات التي أكتب عنها، وكنت أسيرا للكتاب الذين كنت أحب كتاباتهم وعلى رأسهم محمد عبدالحليم عبدالله إلا أن هذه الحالة أصابتني وأنا محترف في ما يخص روايات الأطفال التي أحببت فيها كثيرا الفنتازيا والتخيل العلمي. أما الروايات فإنها في الغالب مرتبطة بقصص عشتها في حياتي باعتبار أن بهذه الروايات ملمسَ جلدي، ورائحة أنفاسي، وبصمة أصابعي، ومنها ‘ثلاثية الحنين‘، وهي على التوالي ‘وقائع سنوات الصبا‘ و‘زمن عبدالحليم حافظ‘ و‘أيام الشارلستون‘”.

ويتابع “اكتشفت أنني لم أعد شابا صغيرا أو صبيا، وأن هذا الزمن لن يعود قط وصار أشبه بالحبيبة التي هجرتني إلى الأبد، ولا بدّ من إعادتها، وأدركت أنها لن تعود إلا إذا أعدت صياغتها فوق الورق، كما عشتها، وأحيانا بالأسماء الحقيقية لأبطالها مثل الأستاذ فيصل في رواية ‘أيام الشارلستون‘، وهكذا أعدت صياغة السنوات الضائعة التي عشتها، والشخصيات التي كانت قريبة مني، وقد تكررت الحكاية مع روايات أخرى ومنها ”أفعال الحب” التي بدأت في كتابتها وأنا أمارسها، وأعيشها، فأحيا باليد اليمنى وأكتب أيضا بيدي الأخرى”.

لكن قاسم يقر أن هناك روايات ليست لها علاقة بذكرياتي مثل “آخر أيام الإسكندرية” التي تصوّر فيها مدينة الإسكندرية القديمة تغرق في البحر في القرن الثالث الميلادي بعد أن شاخ حكامها فانقلبت المدينة على من يعيشون فوقها ويرتضون بهذا الدور، أما رواية “الثروة” فقد كتبها متأثرا بإعجابه الشديد برواية “صحراء التتار” للكاتب الإيطالي دينو بوتزاتي باعتبار أن حياتنا هي مجموعة من الانتظارات المتراكبة.

15