الكاتب العماني زهران القاسمي: "تغريبة القافر" صوت قروي يذكر بأهمية الموارد الطبيعية

راو يبتعد عن التعقيدات اللغوية ليحكي قصصا من القرى العمانية.
الجمعة 2023/05/19
القرية عالم روائي مثير

من عالم عماني قروي، يعرفه جيدا، صاغ الكاتب العماني زهران القاسمي ملامح روايته “تغريبة القافر” المرشحة لجوائز البوكر، وفيها يركز على المكان وما يرتبط به من أساطير وحكايات، مع حضور الماء بصفته بطل العمل الأول الذي يسلط الضوء على خطورة ندرة الموارد الطبيعية ومدى تأثيرها في حركة المجتمعات.

مسقط - يترقب الكتّاب والأدباء في سلطنة عُمان والوطن العربي الأحد الإعلان عن الرواية الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” لعام 2023 بأبوظبي، وقد تأهلت من سلطنة عُمان رواية “تغريبة القافر” للكاتب زهران القاسمي إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الـ16، بالإضافة إلى روايات “كونشيرتو قورينا إدواردو” لنجوى بن شتوان، و”أيام الشمس المشرقة” لميرال الطحاوي، و”مُنّا” للصديق حاج أحمد، و”حجر السعادة” لأزهر جرجيس، و”الأفق الأعلى” لفاطمة عبدالحميد.

ولد زهران القاسمي في ولاية دماء والطائيين في سلطنة عُمان عام 1974، وهو شاعر وروائي، صدرت له أربع روايات: “جبل الشوع” (2013)، “القنّاص” (2014) الحاصلة على جائزة الإبداع الثقافي من الجمعية العمانية للكتاب والأدباء عام 2015، “جوع العسل” (2017) و“تغريبة القافر” (2021)، بالإضافة إلى عشرة دواوين شعرية و“سيرة الحجر 1” (قصص قصيرة، 2009) و“سيرة الحجر 2” (نصوص، 2011).

"تغريبة القافر" رواية تحكي قصة أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية
"تغريبة القافر" رواية تحكي قصة أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية

ورواية “تغريبة القافر” المرشحة لجوائز البوكر، رواية مائية تُعيد للراوي وظيفته الأولى وهي ريّ الناس وإشباع ظمئهم. وتدور أحداث الرواية في إحدى القرى العُمانية وتحكي قصة أحد مقتفي أثر الماء، تستعين به القرى في بحثها عن منابع المياه الجوفية. تكون حياة القافر منذ ولادته مرتبطة بالماء، فأمّه ماتت غرقا، ووالده طُمر تحت قناة أحد الأفلاج حيث انهار عليه السقف، وينتهي سجينا ليبقى هناك يقاوم للبقاء حيا. وتعمل الرواية من منطقة جديدة في السرد، هي ذاكرة الأفلاج، والأفلاج نظام لريّ البساتين، مرتبط بالحياة القروية في عُمان ارتباطا وثيقاً ودارت حولها الحكايات والأساطير.

يتحدث الكاتب العُماني عن روايته وبعض دلالات الماء فيها، نقلًا عن موقع الجائزة فيقول “كان الإنسان عبر العصور ذا ارتباط كبير بالماء، لذا نجد أن كبرى الحضارات قامت على ضفاف الأنهار، وأن علماء الأنثروبولوجيا يؤكدون بأن بداية الحياة على سطح الأرض بدأت من الماء، ولكن كيف لو أن هذه المادة التي تمنح الحياة للكائنات هي مصدر لموتها أيضًا من خلال ندرتها أو فيضانها، كيف يتحول الماء إلى قاتل”.

ويضيف “الدلالة الأخرى هي أن الماء مورد من موارد الطبيعة، وأن التبذير فيه وعدم استخدامه الاستخدام الأمثل سوف يؤدي إلى نضوبه، وهذه رسالة في غاية الأهمية للنظر إلى موارد طبيعية تقوم عليها الحياة واستقرار كثير من الدول”.

كما يتطرق القاسمي إلى تأثير المكان والقرية العُمانية على ما جاء في الرواية من أحداث، فيشير إلى أن “المطّلع على الحياة في سلطنة عُمان سيجدها تعتمد اعتمادًا كبيرًا على نظام قديم في توفير الماء للشرب والزراعة وهو نظام ‘الأفلاج’، الذي يعتبر نظامًا اجتماعيًّا معقدًّا تدخل فيه التراتبية الاجتماعية والطبقية، ويُقسَّم فيه الماء بحصص متساوية على مدار السنة ليأخذ كل أصحاب البساتين حقهم، ولأني من أبناء إحدى هذه القرى، أعرف الكثير منذ نعومة أظافري عن نظام الأفلاج، وسمعت الكثير من القصص المدهشة والأساطير المتعلقة بهذا النظام؛ مما أثرى محصلتي في كتابة العمل”.

ويذهب القاسمي ليشير إلى انتقاله من الشعر إلى الرواية، ومدى تأثير ذلك على كتابته للسرد، يقول “بدأت الرحلة من خلال عمود ‘سيرة الحجر’ في إحدى الصحف المحلية في سلطنة عُمان، وكانت النصوص في البداية شعريةً، ولكنني وجدت نفسي متورطًا في اقتحام بيئة السرد، لأنني بدأت أستذكر الحكايات المتعلقة بالقرى، واستمر ذلك المشروع حتى استطعت كتابة ما يقرب من مئة نص تدور حكاياتها في القرى والتي كنت قد سمعت معظمها من الناس، وعندما انتهيت من ذلك المشروع الذي لاقى استحسان القرّاء آنذاك، قررت تجربة كتابة الرواية في 2011، فكتبت في تلك السنة روايتي الأولى ونشرتها، أجزم أنها كانت الباب الذي فُتح على الرواية، فكنت أحاول تفادي الوقوع في اللغة الشعرية، ولكن لأنني متورط في الشعر من قبل كانت الشعرية موجودة بين السطور وفي المشاهد، كان ذلك مهمًّا في صناعة نص لغته عالية ورصينة دون الانجرار إلى التعقيدات اللغوية من جانب والاستفادة من الشعر من جانب آخر”.

oo

ويوضح الكاتب القاسمي دور الشخصيات النسائية في الرواية، كونها تلعب دوراً مهمّاً في حياة البطل، فيقول “المرأة تاريخيَّا هي من أنسنت البشر، هي من بدأت في التحول الحضاري وفي الزراعة، وكانت السبب في الكثير من التحولات التاريخية المهمة، لذلك حاولت أن أركز على ذلك في العمل، كيف أن المرأة هي سبب التحولات أيضًا التي طرأت على الشخصية الرئيسة في الرواية، فالقافر حتى يخرج إلى نور الحياة كان ذلك بسبب جرأة امرأة وهي ‘كاذية’، والمرأة التي اعتنت به وأرضعته أيضًا، ثم المرأة التي ساقها الحب إليه لتكون وطنه الكبير، كل تلك الشخصيات لها دور كبير في توجيه النص وفي إيجاد الشخصية”.

الحكايات التي في العمل لها علاقة كبيرة بالفكرة العامة، فالعمل هنا عن الماء وعن ارتباط القروي به وبأساطيره

وينتقل القاسمي إلى ما تضيفه الحكايات القروية والأساطير إلى رواية “تغريبة القافر”، فيعبّر “عندما بدأت في كتابة العمل كنت أتصور الراوي وهو الصوت الذي يحكي الحكاية في داخل النص أنه صوت قروي محمل بكل ما تحتاجه الرواية من صفات لهذا القروي وطريقة سرده لحكاياته. فمن المعروف أن القروي عندما يبدأ في القص سوف يطوّر حديثه ويستطرد في جوانب مختلفة كلها تثري حكايته”.

ويبيّن “رأيت أن الطريقة المثلى في كتابة النص بالطريقة ذاتها في القص القروي، وبدأت في التشبيك والترميز، إذ أن الحكايات والأساطير التي في العمل لها علاقة كبيرة بالفكرة العامة، فالعمل هنا عن الماء وعن ارتباط القروي به وبأساطيره وحكاياته ومدلولاته، فمهما كانت رجاحة عقل الإنسان في المجتمع القروي الذي يتميز بطبقيته أيضًا فهو لا يعني شيئًا، الإنسان في القرية مجبول على تلك التراتبية التي تصنع منه إنسانًا يرى ويحترم ويقدس أو ينسى بكل بساطة”.

أما عن ترشيح روايته “تغريبة القافر” فيقول “عندما نظرت إلى القائمة الطويلة وما بها من أسماء مهمة ومعروفة على مستوى الوطن العربي لم أكن في الحقيقة أتوقع وجود روايتي في القائمة القصيرة وقلت ذلك للبعض على أن وجودها في الطويلة كان مكسبا عظيما وكان هذا كل طموحي، أخبرت زوجتي وأطفالي بما حققته الرواية وخرجنا لنحتفل بذلك في المدينة”.

14