الكاتبة الملغاشية ميشيل راكوتوسون تستعيد تاريخ استعمار بلادها في الرباط

الرباط - افتتحت الروائية والكاتبة المسرحية والصحافية الملغاشية ميشيل راكوتوسون، يوم الأربعاء في الرباط، سلسلة محاضرات “بورتريه الأدباء الأفارقة” التي تنظمها أكاديمية المملكة المغربية.
ووفقا لمقاربة تفاعلية، قدمت الكاتبة الملغاشية قصة حياة حقيقية توقفت خلالها عند العديد من الجوانب المنسية من تاريخ بلدها، مدغشقر، وتأملات مؤثرة ومذهلة حول الرهانات التي طرحها الاستعمار.
وتطرقت الكاتبة إلى الحديث أساسا عن الحملة الاستعمارية على مدغشقر عام 1895، وإغفالات التاريخ لهذا الحدث المؤثر في تاريخ البلاد والذي لا تزال تبعاته ماثلة إلى اليوم.
وبدأت راكوتوسون مداخلتها بتوجيه الشكر لأكاديمية المملكة المغربية لدعوتها إياها إلى افتتاح هذه السلسلة من المحاضرات، منوهة في الوقت نفسه بالروابط التاريخية التي تربط المغرب بمدغشقر، البلد الذي كان له شرف استقبال الملك محمد الخامس خلال نفيه.
وولدت راكوتوسون لأم أمينة مكتبة وأب صحافي، ونشأت بين أحضان الكتب وتمكنت من الوصول إلى “تعليم عالي المستوى”. وتتحدث الكاتبة بكل من الملغاشية والفرنسية، وتعرّف نفسها بأنها “ثنائية اللغة” وليست ناطقة بالفرنسية.
في عام 1983 وصلت راكوتوسون إلى فرنسا، وبدأت تتخلى عن “المتخيل اللصيق بالبلاد” لتتبنى آفاقا وتصورات جديدة من خلال كتبها الأولى عن مدغشقر وعملها في إذاعة فرنسا الدولية.
وتمتح الكاتبة في عملها الأدبي من نماذج أدبية ملغاشية ومغاربية وفرنسية وأفريقية. وتسلتهم من موارد “عالمية”، كما أنها لا تزال تطرح أسئلة حول الأسباب التي أدت ببلدها إلى مثل هذا “الانهيار”.
وفي عام 2008 عادت الكاتبة إلى مدغشقر وانخرطت في مبادرة لفائدة الشباب من خلال توزيع كتب ثنائية اللغة في “المناطق النائية وفي المكتبات” مع ما يتطلبه ذلك من تدابير مالية ولوجيستية.
وقالت بتأثر إن “أعظم سعادة أن ترى طفلا يحمل قصة بين يديه تتحدث معه عنه”.
وبعد استعراضها قصة حياتها مع الجمهور، سلطت الكاتبة الضوء على الأسباب المتعددة التي دفعتها إلى كتابة روايتها “أمباتومانجا، الصمت والألم”، التي نالت من خلالها جائزة أورنج الأدبية في أفريقيا سنة 2023، وفيها تقدم شخصيات لم تكن لها أصوات سابقا لتروي قصتها مع ما حدث، بينما لا تغفل استحضار شخصيات نقيضة من الغزاة مثل شخصية الضابط الفرنسي. وتضفي هذه الشخصيات توازنا في سرد قصة الاستعمار بدقة وأمانة تاريخية رغم أن أغلبية الشخصيات متخيلة.
وتقدم راكوتوسون في كتابها وجهات نظر مختلفة وتتساءل عن قصة الصمت الذي يسود تاريخ غزو مدغشقر من قبل جيش الإمبراطورية الفرنسية بـ15 ألف جندي.
وطرحت الكاتبة تحليلا دقيقا حول الغزو الذي تعرضت له على غرار مدغشقر الكثير من الدول الأفريقية الأخرى التي نهبت ثرواتها وتحورت ثقافة سكانها وتشوهت ملامحها ومازالت تبعات ذلك السياسية والثقافية وحتى الاقتصادية وغيرها شاهدة على ما ارتكبته الجيوش الاستعمارية.
وتذكّر راكوتوسون بأسباب الغزو وظروفه والمسار الذي اتخذه، في ما تعتبره طريقة للتغلب على الخوف وعلاج الحاضر عبر الحديث عن “الغزو الاستعماري الذي عانى منه من لا صوت لهم”.
وتتقاطع تجربة الكاتبة الذاتية مع ما تحكيه عن تاريخ بلادها إذ ليس الكاتب منفصلا بتاريخه الخاص عن التاريخ العام.
وتحكي الكاتبة “قصة رهيبة ولكنها شائعة”، وتوظف قلمها وشخصياتها المختلفة في تقديم شهادات مذهلة من أجل تقريب القارئ إلى أهوال ورعب الاستعمار كما حدث في مدغشقر.
ومن خلال عرضها لوجهات النظر ووضع قصتها في السياق التاريخي الذي عاشته مدغشقر، تقول الكاتبة إنها خرجت من هذا الكتاب “غاضبة بشكل هادئ” ودعت إلى تغيير الصورة التي يمتلكها الأفارقة عن أنفسهم، وهدم الصور النمطية عنهم.
يشار إلى أن ميشيل راكوتوسون روائية وكاتبة مسرحية وصحافية وجل كتبها تدور محاورها حول تاريخ بلدها مدغشقر، وما يميزه من تقاليد وقيم، في حاضره ومستقبله، فضلا عن أنها تسعى بالتعاون مع بعض الجمعيات المحلية في بلدها إلى إتاحة الفرصة للاطلاع على الكتب والتشجيع على القراءة في الوسط القروي.
وبحسب أكاديمية المملكة المغربية فإن شهادة راكوتوسون تعتبر شهادة وازنة للتعرف على منطقة من مناطق أفريقيا غفل عنها الكثيرون، رغم تاريخها العريق.
وتهدف الأكاديمية المغربية من خلال تنظيمها لسلسلة محاضرات “بورتريه الأدباء الأفارقة” إلى تقديم نبذة عن الكتّاب والأدباء الأفارقة وإنتاجاتهم الأدبية المتنوعة ومدى انخراطهم في السجالات الفكرية الراهنة التي تعرفها القارة.