الكاتبة العمانية إشراق النهدي: القراء يحسّنون من أداء الكاتب

السرد فن أدبي قوي في سلطنة عمان.
الثلاثاء 2023/05/23
القصة القصيرة فن صعب

رغم تراجع عدد كتابها لا تزال القصة القصيرة تغري الكثير من الأقلام بخوض غمار تجربتها، كما لا تزال مؤثرة في القراء ولها محبون ومتابعون، بينما لا يتوقف الكتّاب عن تطويرها شكلا ومضمونا. في هذا الحوار مع الكاتبة العمانية إشراق النهدي نلقي إطلالة على عوالم القصة والكتابة في سلطنة عمان.

خميس الصلتي

مسقط- الراصد لأعمال الكاتبة العمانية إشراق النهدي يجد ذلك الانسجام مع محيط المكان وحيثياته، فهي تنقل القارئ من خلال حكاياتها إلى الحياة البسيطة للإنسان، في تجربة تشبه السفر، حيث الواقع المعيش يصبح عالما مثيرا برؤاه وأفكاره المتقاطعة.

ورسخت الكاتبة أسلوبها من خلال عدة مجموعات قصصية من بينها “الأحمر” و”خرفجت” و”روزيشيا” و”أمواج ريسوت”، بالإضافة إلى الحديثة منها وهي “أيام من مكونو وكورونا”، حيث نجدها دائما تقول حكاياتها وفق طابع سردي مغاير.

كتابة القصص

تقول إشراق النهدي عن المختلف في مجموعتها “أيام من مكونو وكورونا” عمّا سبقها من إصدارات في سياق السرد لديها، والكيفية التي اتخذتها لمعالجة أفكارها، إن “هذه المجموعة هي السادسة بالنسبة إليّ، وكان لا بد من تعميق التجربة بحيث تتناسب مع التطور الطبيعي لأيّ كاتب يستمر في محاولات الكتابة والتجريب، وخلال فترة كتابتها تعايشنا جائحة كورونا التي أثّرت بشكل حتمي على البشرية جمعاء بما بثته من مخاوف ورهبة وتغيير لنمط الحياة والتفكير لدى الأغلبية.

◙ إيجاد المتعة والتشويق هو الدور الأساسي الذي تقوم من أجله الكتابة
إيجاد المتعة والتشويق هو الدور الأساسي الذي تقوم من أجله الكتابة

وتضيف في هذا السياق “قبلها كنت قد صممت الكتابة عن إعصار مكونو، وما رافقه من حالة أدت إلى معايشة ظروف قاهرة، وبالتحديد نحن في ظفار تأثرنا كثيرا بالمنخفضات والأعاصير، التي تمر علينا بشكل دوري ومتكرر، كنا ننام على الأسِرّة، ونستفيق صباحا على المياه التي غمرت بيوتنا، ولا نعرف كيف تسللت إلينا رغم مراعاة الاحتياط والحذر، تلك الأيام أثرت فيّ بشكل بالغ خاصة فيما تركته من أحاسيس ومشاعر مهيبة”.

وتتابع “كنت ساعتها أتخذ قرارات مصيرية للتغيير تحت ضغط القرب من الهلاك عندما تمر عليك قوى طبيعية قد تودي بحياتك وحياة من تحبهم، وخلال وقت مكونو كنت أحتفظ وأجمع كل الأخبار والمشاهد والمقاطع المتداولة في الميديا لأكتب عنها لاحقا. ومع كورونا وجدت نفسي أمام حادثتين مرّتا على ظفار. وأتذكر أحدهم سألني عندما رآني أكتب قائلا: أتكتبين عن الكوارث فقط؟”.

من الأحداث الواقعية تولّد لدى الكاتبة وعي بأهمية الكتابة عن الأحداث المهمة المصيرية الجماعية، خاصة حينما ينتج عنها تغيير ملموس وتأثير يترك أثرا من الفقد والخسارة من جراء الوفيات والغرقى والمفقودين، وأحداث مأساوية تستحق الأجيال القادمة قراءتها. لذا كتبت هذه المجموعة في قالب قصصي متخيّل، ولكن ظلت العواطف والمشاعر بذاكرة طازجة، وكأن الأحداث مرّت بالأمس، وبدا خيالها غارقا في التفكير بالتفاصيل.

وفيما يتعلق باهتمام الكاتب بذائقة معينة، أو يضع اعتبارا معينا عندما يبدأ في صياغة مشروعه الأدبي، تشير النهدي “ينبغي على الكاتب أو القاصّ أن يكتب ما يشاء بطريقة مناسبة، ومن ثم قد ينشره أو لا ينشره وهذه حرية خاصة بالكاتب، وغالبا ما تحوي كتاباته على أفكاره الخاصة، ونظرته إلى الأمور وربما البعض من مواقفه في الحياة، أو تحوي أحداثا شاهدها، ولامست قلبه أو خاطبت عقله، فيقوم بتدوين تجاربه أو تجارب الآخرين. والكتابة تصنع الجمال في الحياة”.

وتؤكد “يعد إيجاد المتعة والتشويق هو الدور الأساسي الذي تقوم من أجله الكتابة، ولو تم من خلاله تمرير رسائل للمجتمع سيكون أمرا مذهلا؛ بحيث يؤثر في المجتمع، ويساعد على إصلاحه بطريقة أو بأخرى، فالأفكار غالبا ما تهاجم الكاتب، وأحيانا تستوقفنا الأحداث العابرة والصغيرة، فيومياتنا لا تشابه يوميات شخص عادي، وللكاتب من وجهة نظري مقدرة على التقاط التفاصيل بصور أكبر وأعمق، ربما لهذا نكتب، ولأننا نستشعر ونلتقط كل ما هو غائب عن الآخرين”.

وتنتقل النهدي للحديث عن التقنية التي تنتهجها في كتابة أعمالها السردية، وتوضح “أحاول أن أصقل أدوات وتقنيات الكتابة لديّ، وأرغب دائما أن أضيف إلى مسيرتي مع الكتابة مهارة وخبرة أوسع، وأن أصل إلى مرحلة الرضى عن نفسي ككاتبة ملمّة، مع ذلك تهمّني ردود أفعال القرّاء كثيرا، وأهتم بها جميعها، وأحب تفاعلهم ورأيهم فيما أكتبه، وأرغب فعلا أن يتصيّدوا أخطائي، ويشيروا إلى مواطن الضعف لديّ، لأنهم بذلك يطوّرونني ويحسِّنون من أدائي ككاتبة”.

◙ الكاتبة رسخت أسلوبها من خلال عدة مجموعات قصصية من بينها "الأحمر" و"خرفجت" و"روزيشيا" و"أمواج ريسوت"

وتبيّن “هناك عدة تقنيات ربما تظهر واضحة في كتاباتي منها الحوار، وهي تقنية لكسر أحادية صوت السرد، وتجسيد مشهد أو مقطع حواري بين الشخصيات في القصة، وأغلب القصص ضمت هذه التقنية، بالإضافة إلى تقنية الخيال وإيجاد شخصيات قد تكون وهمية أو لها جمالية بعيدة عن الواقع قليلا في عدة قصص منها: التباعد في حيّز ضيق، البرق (متتاليات سردية)، نورا في العتمة، إعادة تغريد”.

وتواصل قولها “أستخدم أيضا تقنية الحلم والتداخل بين الواقع والخيال في القصة، وأيضا تقنية الوصف، وهي عبارة عن أسلوب يوقف الزمن السردي، ويستخدم لنقل تفاصيل معينة للشخصية أو للمكان. وهي تقنية تمهيدية لتهيئة القارئ لاستقبال الحدث القادم في القصة، أما تقنية الاسترجاع فهي مهمة بالنسبة إليّ؛ لأنها تتيح العودة بالزمن إلى الخلف، وإعادة السرد بمفهوم جديد ورؤية جديدة، وهي تشكل الاندماج الزمني بين الماضي والحاضر والمستقبل، واسترجاع الأحداث وإعادة رؤيتها من منظور متعدد، كقصص: عروق، تزهر الحياة، البحث عن قطرة ماء”.

وحول ما إذا كان الأقرب إليها في فكرة الكتابة بين القصة والرواية تقول النهدي “الكتابة بالنسبة إليّ ولادة وكيان؛ لا أنفصل عنه سواء أنشرت أم لم أنشر، ولا أتذكر زمنا لم أكتب فيه، وكانت من حولي قصاصات ورق مكتوبة مهمة وغير مهمة، ومذكرات خاصة قيّمة وأخرى عكس ذلك، وصفحات في دفاتر تحوي أفكارا وخواطر، وأحيانا قوائم معينة، فالكتابة مرتبطة بي كارتباطي بالوجود، وبكتابة القصة القصيرة، فأنا أحلم وأعيش عوالمي الخاصة بمعزل عن قسوة الحياة، أعيش ببساطة وفرح في جمال الكلمات والعوالم السحرية التي تصنعها هذه اللغة، وتمثلت القصة القصيرة ككيان ينقلني من الواقع إلى الحلم، وفي عموم القول إن الكتابة بالنسبة إليّ حلم، وأنا كإنسانة بسيطة أعتقد أن الكتابة غيّرت لي حياتي كاملة”.

◙ تأثير المكان والجغرافيا حاضر بقوة في لغة الكتابة القصصية لدى الكاتبة النهدي
تأثير المكان والجغرافيا حاضر بقوة في لغة الكتابة القصصية لدى الكاتبة النهدي

وتضيف “فن القصة القصيرة فن صعب، وأحببت الخوض في غماره، خاصة أن كتّابها قلة، والسبب الأول ربما لأنني محبة لقراءة القصص القصيرة، إذ تفصلني عن الواقع كلما قرأت كتابا جميلا، ولست في خصام مع الرواية، ولكنّني أتودد إلى القصة القصيرة في ألفة ومودة، خاصة أنني أحاول صقل مهاراتي الكتابية على نحو مرض بالنسبة إليّ وبوتيرة مناسبة، ولكن مع ذلك فأنا أعتقد بأنني قد أكتب الرواية مستقبلا، وحاليا أحب أن أتعلم وأعمّق التجربة في القصة”.

لهذا يجب أن يكون التعامل مع “القصة القصيرة جدا” بحذر شديد، وهنا تعلق الكاتبة النهدي، خاصة أنها إلى اليوم لم تذهب لكتابتها “لم أكتب ‘القصة القصيرة جدا‘ كونها لا تخضع لأركان القصة المعروفة من حيث العقدة والزمان والمكان والحوار والشخصيات، لكنها مكثفة ومركزة تخلو من الزوائد والحشو، وتعمد إلى إصابة الهدف مباشرة في كلمات قليلة بشكل جمالي، وبلغة رشيقة تحتكم إلى الكلمة لا الجملة، وتشمل امتدادا نوعيا للمعنى المراد توصيله باختصار”.

وتضيف “أظن أن كتابة القصة الومضة تحتاج إلى ذكاء ومرونة لغوية وقدرة إيحائية مركزة ومكثفة، تحتاج إلى فكرة مدهشة براقة، مبهرة وخاطفة، بحيث يكون لها وقع على القارئ، والومضة فن أدبي مبتكر مستقل يواكب العصر السريع، ويسهل انتشاره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنني كشخصية مراعية ومهتمة بالبحث والتوثيق أجد صعوبة في أن أخرج من إطار سرد التفاصيل والحيثيات البسيطة والوصف لإيصال الشعور والخيال إلى القارئ”.

الأدب العماني

بسؤالها إلى أيّ مدى عالج السرد في سلطنة عمان قضاياها المعيشة، تجيبنا النهدي “السرد فن أدبي قوي في سلطنة عمان، وله كتّاب كثر أثبتوا أنفسهم في ساحات المسابقات العربية، والحراك الثقافي في السلطنة يعد أكبر دعم للكاتب العماني، والتظاهرات الأدبية خير دليل على ذلك، وهذا شيء رائع ومحفز جدا للانخراط في جو الكتابة، مرورا بالدعم المتبادل بين الكتّاب ومساندتهم لبعضهم بعضا، واحتفائهم بكل ما هو جديد من نتاجات متعددة، وهذا صنع مشهدا ثقافيّا واعيا تمّ تنظيمه بعقلية ذكية”.

وتوضح “السرد فنّ محكم، وعدد الكتّاب كبير، وقد تطور بطرق مختلفة سواء من خلال الأسماء التي تمارس الكتابة، أو من خلال تجاربهم الخاصة واطلاعهم على الأدب العربي، وأيضا مستواهم الأدبي الذي تطور بشكل لافت عبر الأجيال القارئة، وكلها ركائز ساعدت على تطور السرد بشكل عام والأدب بشكل خاص، ودون ذكر أسماء معينة فكلهم كتبوا في قضايا، وتناولوا أفكارا مهمة وحساسة، وساعدوا في نشر الوعي من خلال المعالجة الفنية الواعية لها من خلال التوثيق والتثقيف ولفت النظر وضمها في عين الاعتبار والاهتمام”.

إنّ تأثير المكان والجغرافيا حاضر بقوة في لغة الكتابة القصصية لدى الكاتبة النهدي، وهنا تعلق قائلة “كوني من محافظة ظفار؛ المعروفة بطبيعتها الخلابة، المبللة بالمطر وفصل الخريف، فإنني أحس بأنّ قلبي مزهر وأخضر كهذه القطعة الساحرة السحرية من الزمردة الخضراء، والبحر هنا يتفجّر حبرا لكل من يكتب، فملأت قلمي منه، وكتبت بأسطر من الخيال، والجبال بدت شاهقة تشبه الطموحات والهمة العالية، والسماء صافية كذهن متوقد بالحكايا. فكان لا بد لي أن أتأثر بكل هذا النقاء من حولي، مندمجة بكل حواسي وعواطفي لأصنع قالبا أدبيّا قادرا على احتواء كل هذا الجمال العجيب، والطبيعة هنا والمكان مليء بالذكريات ، فأصبحت كل القصص والحكايات وكل الأمكنة لها خصوصية تعبق بالأحداث والوقائع التي شهدتها”.

الكاتبة تحب تفاعل القراء وآراءهم وتدعوهم إلى أن يشيروا إلى مواطن الضعف لديها، لأنهم بذلك يطورون تجربتها

وفي ختام حديثها، تقترب النهدي من عالمية النص العماني، وما إذا تحققت ماهيته في هكذا مسار وهنا تقرّبنا من المشهد قائلة إن “العلم والقراءة هما المنطلق في الحركة الثقافية، فإقبال القرّاء على النهل من الكتب يفتح للإنسان آفاق الوعي والنضج، وإنّ البيئة العمانية خصبة للسرد بكل أحداثها ووقائعها، ووجود نخبة قديرة وأقلام متمكنة ومهتمة بجد وإخلاص استطاعت نقل صور من الواقع بشكل سردي جميل تمكن من تحقيق نجاح وتفوق في هذا المضمار، كما أنه ساعد في تطور الحركة الثقافية والأدبية العمانية والعربية”.

وتتابع “فن السرد في عمان معروف وقويّ، وله خصوصية يجذب القراء من خلال دوره في نشر المفاهيم الاجتماعية، ونقل صورة عمان إلى القارئ خارجيّا، وإن السرد نشط بسبب الكتّاب أنفسهم ممن كان لديهم الشغف، فكانت عقولهم واعية فقرأوا وكتبوا، إذ كانت عوامل القراءة والفضول على الأدب الغربي والعربي لها دور كبير، وبشكل عام، الكاتب العماني قويّ يصقل مهاراته، وأيضا يقوم بالبحث والتعلم والدراسة ودائما ما يحاول أن يطور من نفسه. فنجد الأدب العماني بشكل عام يحقق المراكز الأولى في أغلب المسابقات، ويصل إلى القوائم الطويلة والقصيرة، ويظهر بشكل مشرف وراق جدا في شتى المجالات، وهذا مدعاة للفخر والاعتزاز”.

12