الكاتبان جان باتيست أندريا ونيج سينو أبرز المتنافسين على جوائز غونكور

بين قصص واقعية تكشف الانتهاكات ضد الأطفال، وأخرى تعود لتسرد روايات مستوحاة من التاريخ والسير الذاتية، تتنوع الأعمال المرشحة للجوائز الأدبية الفرنسية التي من المنتظر الإعلان عنها هذا الأسبوع وينتظرها محبو الأدب الفرنسي بشغف.
باريس - يترقب المهتمون هذا الأسبوع إعلان الفائزين بالجوائز الأدبية الفرنسية المرموقة، وأبرزها غونكور التي سيعلن عن نتائجها، الثلاثاء، وستختار لجان التحكيم الفائزين من بين الروايات الصادرة سنة 2023 والمتأهلة إلى المراحل النهائية.
ويصوّت أعضاء أكاديمية غونكور لاختيار الفائز ظهر الثلاثاء في مطعم “دروان” الباريسي الذي درجوا على الاجتماع فيه لهذا الغرض منذ أكثر من قرن.
وجريا على العادة، تُمنَح جائزة رونودو في المكان نفسه مباشرة بعد إعلان الفائز بجائزة غونكور، بعد أن يكون سبقهما الاثنين إعلان الفائز بجائزة فيمينا، في حين يُكشف الخميس عمن سينال جائزة ميديسيس.
ويُعوَّل عادة على هذه المكافآت الخريفية لتنشيط مبيعات الكتب خلال الشهرين الأخيرين من العام، وهما الأهم بالنسبة إلى أصحاب المكتبات.
وتشير التقديرات إلى أن متوسط مبيعات الرواية الحائزة على غونكور يبلغ نحو 400 ألف نسخة، لكنّه مجرّد معدّل، إذ إن مبيعات رواية “لانومالي” لإيرفيه لو تيلييه الفائزة بجائزة غونكور 2020 تجاوزت مليون نسخة، في حين لم تتعدّ مبيعات “فيفر فيت” لبريجيت جيرو الفائزة العام الفائت 300 ألف.
رينارت الأوفر حظا
جائزة غونكور هي جائزة مَعنية بالأدب المكتوب باللغة الفرنسية تَمنحُها أكاديمية غونكور سنويا “للعمل النثري، عادة ما يكون رواية، الأفضل والأخصب خيالا في العام”. ويرجع اسم هذه الجائزة إلى اثنين من الكُتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر هما أدمون غونكور (1822 – 1896)، وشقيقه جول دي هوت غونكور (1830 – 1870)، اللذان كتبا الكثير من أعمالهما معا.
ثمة أهمية لترتيب إعلان هذه الجوائز، وهو يتغير كل عام، إذ إن اللجنة التي تعود إليها أسبقية الاختيار تتمتع بحرية أكبر، إذ يستحيل منح جائزة ثانية للكتاب نفسه في اليوم نفسه أو بفارق يوم أو أكثر.
وتُعد الكاتبة نيج سينّو الأوفر حظا لنيل جائزة فيمينا الاثنين عن روايتها “تريست تيغر” (النمر الحزين) عن دار “بول”.
أحدثت قصتها التي تحكيها في الرواية عن سفاح القربى الذي تعرّضت له في طفولتها، وتناولها العنف الجنسي، دويا قويا.
تحكي الرواية كيف تتعرض نيج بين عمر 7 و14 عاما، والتي تعيش مع أسرتها في جبال الألب للاغتصاب المتكرِّر من قِبَل زوج والدتها. في عام 2000، تتقدّم نيج بشكوى قضائية، فيصدر حُكم على الرجل بالسجن لمُدّة طويلة. بعد سنوات من هذه المعاناة، تُقرِّر نيج سنّو أن تُقدّم رواية مُفجعة عما حدث لها وحطّم حياتها إلى الأبد. من دون محاولة إثارة تعاطف القراء وشفقتهم، تلجأ سنّو لتفكيك ما تُسمِّيه قنبلتها الصغيرة، متعمقة في إحساسها ومراحل تطوره وتغيره، بلمحات شعرية قويّة.
وتتنافس سينّو في فيمينا مع ثلاثة رجال وامرأة أخرى. ويتمتع جان باتيست أندريا من بينهم بفرص جيدة للفوز عن روايته “فييه سور إيل”، التي تحكي قصة حب رومانسي زمن الفاشية التي ظهرت في أوروبا في العقد الثاني في القرن العشرين وتجمع بين ميمو الفتى الفقير والموهوب بفن النحت وإحدى بنات العوائل الأرستقراطية.
الكاتبة نيج سينّو تُعد الأوفر حظا لنيل جائزة فيمينا الاثنين عن روايتها "تريست تيغر" (النمر الحزين) عن دار "بول"
وتأهل كل من أندريا وسينّو إلى المرحلة النهائية لجائزة غونكور التي تُمنح في اليوم التالي، ومعهما أيضا إريك رينارت عن “سارة، سوزان إيه ليكريفان”، (سارة، سوزان والكاتب)، وهي الرواية التاسعة للكاتب الذي يشتهر بدفاعه الدائم عن المرأة، وبقدرته على سرد قصص النساء المعذّبات، مُجسِّدا قوتهن وضعفهن في الوقت عينه. في هذه الرواية، يختار رينارت أن يتناول علاقة زوجية، مُبديا تعاطفه مع المرأة الساذجة، ضحيّة مشاعرها وحبّها العميق لشريكها، في حين يبدو الرجل متلاعبا وأنانيا.
كما تأهل غاسبار كونيغ عن “أوموس” الصادرة عن دار “لوبسرفاتوار”، وهي رواية عن البيئة، يطرح فيها مهندسان زراعيان سؤالا جوهريا “هل سينقذ الدود الأرضي البشريّة؟” هذا ما يحاول المهندسان اللذان يتخرّجان حديثا من جامعة باريس للزراعة التكنولوجية إثباته انطلاقا من نظرية داروين التي تقول إنّ “الدود الأرضي أهم عنصر في عملية التطوّر الطبيعي”، ويتّبع كل منهما طريقا مختلفا لتنفيذ أفكاره التي تهدف إلى إنقاذ الكوكب من قبضة التلوّث المميت.
ومن بين ستة صحافيين أدبيين استطلعت مجلة “ليفر إيبدو” توقعاتهم، حصلت نيج سينّو على رأي واحد يرجّح نيلها جائزة غونكور، بينما راهن اثنان على جان باتيست أندريا، وقال ثلاثة إنهم مقتنعون بأنها سنة إريك رينارت.
ومع أن لهذا الروائي قرّاء مخلصين، كما يتضح من الجمهور الكبير الذي يستقطبه إلى كل نقاش عام يشارك فيه، لا يزال رصيده من الجوائز الأدبية هزيلا رغم بلوغه الثامنة والخمسين، إذ لم يسبق أن نال سوى جائزة رونودو لتلاميذ المدارس الثانوية عام 2014 عن رواية “لامور إيه ليه فوريه”.
مثيرة للتباينات
من العوامل التي تصب في مصلحة باتيست أندريا للفوز بجائزة غونكور انتماؤه إلى دار “غاليمار” للنشر، الأقوى أدبيا في فرنسا، إلا أنّ أعماله وشخصيته “مثيرتان للتباينات”، على ما قال في أغسطس الفائت بيار أسولين، أحد أعضاء لجنة التحكيم في غونكور. ولم يشذّ أسلوب “سارة، سوزان إيه ليكريفان” عن هذا المنحى، إذ إن ردود فعل القراء تفاوتت في شأن الصيغة غير التقليدية للحوار الذي يقوم عليه.
أما جان باتيست أندريا الذي لا يتسبب أسلوبه بانقسام مماثل، فتنشر أعماله دار مستقلة وهي “ليكونوكلاست”. وتمزج روايته “فييه سور إيل” رومانسية الطابع والواقعة في 500 صفحة، بين تاريخ إيطاليا في القرن العشرين والحب المحبط والشغف بالفن.
وسيكون فوز “أوموس” الطموح لغاسبار كونيغ بغونكور، إن حصل، بمثابة مفاجأة، فهذه الرواية التي تطرح أحد مواضيع العصر من خلال تناولها معاناة طلاب الهندسة الزراعية من أجل مستقبل كوكب الأرض، تتمتع بعناصر كثيرة تتيح لها الاستحواذ على إعجاب لجنة تحكيم رونودو.
ومن الأعمال الأخرى التي تحظى بفرص للفوز بهذه الجائزة “لانراجي” لسورج شالاندون والصادرة عن دار “غراسيه” التي سبق أن نالت هذه الجائزة عام 2022.
الكاتب والصحافي الفرنسي سورج شالاندون، سبق أن حاز على جائزة الأكاديمية الفرنسية عن روايته “العودة إلى كيليبيغز” (2011)، وجائزة غونكور لطلاب المدارس الثانوية عام 2013، عن روايته “الحائط الرابع” التي تناولت الحرب اللبنانية. وهو يُقدِّم في روايته “لانراجي” أو (الغاضب) مزاوجة بين التحقيق والخيال والسيرة الذاتية، من خلال حكاية تبدأ أحداثها في اللية الفاصلة بين 27 و28 أغسطس عام 1934، حين تتمرّد مجموعة من القاصرين في إحدى الإصلاحيات في جزيرة “بيل إيل أون مير”، التي كانت مُخصَّصة في الماضي لسجناء كومونة باريس.
أما المتأهلون للمرحلة النهائية من جائزة “ميديسيس” فعددهم ثمانية، من بينهم إريك رينارت ونيج سينّو، إضافة إلى كتّاب شباب كالمغربية سلمى المومني أو الفرنسية – السويسرية إليزا شوا دوسابان.