القيود على إيران ترتد على سوق الوقود الأميركي

يراقب المحللون الارتدادات العكسية التي يمكن أن يفرزها تشديد العقوبات المفروضة أصلا على النفط الإيراني على سوق الوقود الأميركي، وخاصة البنزين، الذي ارتفعت أسعاره بشكل جنوني، حيث تبدو إستراتيجية حكومة الولايات المتحدة بعيدة عن الهدف.
واشنطن- انقلب التساهل الأميركي حيال العقوبات المفروضة على النفط الإيراني ليشكل خطرا على توازن سوق الوقود في الولايات المتحدة بعدما كان هذا الأمر عاملا مساعدا لكبح الأسعار خاصة مع الحظر على الوقود الأحفوري في روسيا وفنزويلا.
وتنتج إيران العضو في منظمة أوبك نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا، أي ما يوازي 3 في المئة من الإمدادات العالمي. ورغم أن نفطها قد لا يجد سبيلا إلى خزانات وقود السيارات في الولايات المتحدة، فإن وجوده عموما يساعد على الحد من مكاسب الأسعار.
وتزداد الحسابات تعقيدا للرئيس جو بايدن قبيل الانتخابات التي تكون فيها المعيشة عنصرا حاسما. ويثبت التاريخ أن ثمّة صلة وثيقة بين حظوظ الرؤساء الأميركيين وأسعار البنزين، رغم أن قدرتهم على التحكم في سوق النفط على المدى القصير محدودة. ويتحكم التوتر في الشرق الأوسط في الوضع أيضا، فقد ارتفعت أسعار البنزين في السوق الأميركية بنحو 18 في المئة هذا العام رغم أن موسم السفر البري الصيفي لم يبدأ بعد.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية مؤخرا أن مخزونات البنزين تراجعت بأقل من المتوقع، بينما ارتفعت مخزونات نواتج التقطير على عكس التوقعات بانخفاضها في الأسبوع المنتهي في الـ19 من أبريل الماضي، مما يشير إلى تباطؤ الطلب.
ونسبت وكالة بلومبيرغ إلى جيمس لوسير العضو المنتدب في كابيتال ألفا بارتنرز إن “إدارة بايدن حساسة بشدة تجاه أي شيء من شأنه أن يرفع أسعار النفط، وهي قد عبّرت عن ذلك مرارا”، لكنه أوضح أنه ليس بمقدوره أن يفعل الكثير ليبلغ هذه الغاية.
وتراجعت أسعار الخام خلال الفترة الماضية، مع تزايد التوقعات باقتراب التوصل إلى اتفاق لتوقف الحرب في غزة، وفي ظل تزايد المخاوف من تراجع الطلب على الوقود في الولايات المتحدة بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي في الربع الأول من 2024.
وانخفضت العقود الآجلة لخام برنت تسليم يوليو 95 سنتا إلى 85.38 دولارا للبرميل، كما تراجعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي تسليم يونيو 1.16 دولار إلى 80.77 دولارا للبرميل.
وتباطأ نمو أكبر اقتصاد في العالم بأكثر من المتوقع بين يناير ومارس 2024، لكن تسارع التضخم أشار إلى أن الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) لن يخفض معدلات الفائدة قبل سبتمبر.
وأشار فرناندو فيريرا مدير رابيدان أنيرجي غروب للخدمات الاستشارية، إلى أن “الخيارات الجيدة” أمام البيت الأبيض قد نفدت، إذ أوشكت الإستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها في نهاية مطافها.
ومثلا هنالك نهج في التعامل مع نفط إيران وروسيا وفنزويلا. ورغم فرض العقوبات الأميركية عليها لأكثر من عقد، ارتفع إنتاج إيران من النفط في مارس الماضي، إلى أعلى مستوياته خلال ستة أعوام عند 3.3 مليون برميل يوميا.
ويمثل ذلك ارتفاعا بنسبة 75 في المئة عن مستويات أواخر 2020 خلال عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي شدد العقوبات على كل من ينتهك الحظر القائم. وبحسب تقرير مستقل أصدره الكونغرس، يتم شحن 80 في المئة من صادرات إيران حاليا البالغة 1.5 مليون برميل يوميا إلى الصين، حيث تُكرر في مصافٍ مستقلة.
3
في المئة من الإمدادات العالمية تنتجها إيران بمعدل ثلاثة ملايين برميل يوميا
وفرضت مجموعة السبع سقفا لسعر الخام الروسي عند 60 دولارا للبرميل في سبتمبر 2022. وكان هدف ذلك الحد من العائدات التي تستخدمها حكومة روسيا لتمويل حربها في أوكرانيا دون خنق أحد المصادر الحيوية للإمدادات.
ورغم أن واشنطن أعادت فرض عقوبات النفط على فنزويلا، فهي تسمح لشركة شيفرون بأن تواصل نشاطها في البلاد. ويضغط المشرعون على إدارة بايدن لتتخذ نهجا أشد صرامة تجاه طهران في أعقاب هجومها على إسرائيل في أبريل الماضي.
ويسعى الكونغرس للضغط على الرئيس عبر اشتراطات على حزمة المساعدات الجديدة لأوكرانيا، تقضي بفرض عقوبات تشمل الموانئ والسفن والمصافي الأجنبية التي تقبل الخام الإيراني عن دراية بمصدره.
وقال كيفين بوك، العضو المنتدب في كليرفيو أنيرجي بارتنرز إن الرئيس الأميركي حاول “خفض أسعار البنزين عبر تخفيف العقوبات، وسيتمكن الجمهوريون من لومه في المسرح السياسي المتمثل في دورة الانتخابات”.
وربما تكون المخاطر حادة بشكل خاص وذلك لأن بايدن قد سعى بقوة ليعلن أن خفض أسعار البنزين أولوية، حيث اتهم شركات النفط “بالتربح من الحرب”، كما لجأ إلى إجراءات طارئة لزيادة إمدادات النفط باعتبارها وسيلة لخفض الأسعار.
وسمحت واشنطن بإفراج تاريخي عن أكثر من 200 مليون برميل من الاحتياطي الإستراتيجي منذ 2022، ما خفضه إلى أدنى مستوياته خلال أربعة عقود. كما أصدر إعفاءات تتيح مبيعات واسعة خلال الصيف من بنزين إي 15 ذي النسبة الأعلى من الإيثانول، الذي يقل سعره عادة عن نظيره التقليدي إي 10.
وكانت هنالك بعض الجهود خلف الكواليس لخفض الأسعار، فقد طلبت نائبة الرئيس كامالا هاريس من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي في فبراير الماضي أن يمتنع عن مهاجمة مصافي النفط الروسية، وفقا لما قالته مصادر مطلعة لبلومبيرغ.
كما أعلم جيك ساليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، مسؤولين خلال زيارة إلى السعودية في الخريف الماضي أن الولايات المتحدة تأمل أن تبدأ أوبك بتخفيف خفضها للإنتاج. أما داخل الولايات المتحدة، فيستطيع بايدن أن يستغل الاحتياطي النفطي الإستراتيجي مجددا، رغم أن حجمه بلغ نصف مستواه العادي.
وكتب تشارلز لوتفاك، المتحدث باسم حملة بايدن، في رسالة أرسلها بالبريد الإلكتروني “جو بايدن سيواصل بذل الجهود من أجل خفض الأسعار التي تضغط على ميزانيات الأسر مثل أسعار البنزين”.
لكن بمرور الوقت، قد تأتي أي خطوات لتأمين الإمدادات محليا بنتائج عكسية من خلال وفرة في المعروض، ما سيؤدي لخفض الأسعار ومعه تقليص المصافي الأميركية لإنتاجها. وعلى نحو مشابه، قد ترد شركات النفط على القيود المفروضة على التصدير من خلال خفض الإنتاج.
وقال دان يرغين، نائب رئيس مجلس إدارة أس آند بي غلوبال ومؤلف كتاب “الجائزة: البحث الملحمي عن النفط والمال”، الذي فاز بجائزة بوليتزر “ثمة حدود لما يمكن للرؤساء أن يفعلوه”. وأضاف لبلومبيرغ “لا يتلقى الرؤساء أبدا عرفانا حين تكون أسعار البنزين منخفضة، لكنهم يُلامون دوما حين تكون أسعاره مرتفعة”.
وظل منحنى التضخم في السوق الأميركية على ارتفاع، فقد زاد مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الذي يستبعد الطاقة والغذاء 3.7 في المئة في الربع الأول من هذا العام بعد ارتفاعه بنسبة اثنين في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي. ويعد مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي أحد مقاييس التضخم التي يتّبعها المركزي الأميركي لتحقيق هدفه البالغ اثنين في المئة.
وأبقى البنك المركزي سعر الفائدة في نطاق 5.25 و5.50 في المئة منذ يوليو الماضي، وقد رفع سعر الفائدة القياسي لليلة واحدة بمقدار 525 نقطة أساس منذ مارس 2022.
ونما الإنفاق الاستهلاكي بمعدل لا يزال قويا بنسبة 2.5 في المئة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2024، متباطئا من معدل النمو البالغ 3.3 في المئة مقارنة بالربع السابق.