القيمة المضافة لوكالات الأنباء لم تعد السرعة بل المصداقية

في وقت تتسابق فيه وسائل الإعلام نحو السرعة في نقل الخبر، على حساب الدقة والمصداقية، تبرز القيمة المضافة لوكالات الأنباء التي تقدم نتاجا صحافيا بعد سنوات من الإعداد والتدريب، يخضع لمعايير أخلاقية، ففي النهاية توجد فقط "صحافة واحدة".
الجمعة 2018/10/19
الهاتف المحمول كرس مفهوم المواطن الصحافي مقابل الوكالات

الرباط - تشكل السرعة في نقل الخبر أولوية بالنسبة لوسائل الإعلام في عصر وجد فيه المواطن الصحافي مكانا له، لكن الموثوقية ما زالت العنصر الأساسي الذي يبحث عنه متلقي الأخبار وتتفوق به وكالات الأنباء أمام الشبكات الاجتماعية.

وأكد المشاركون في حلقة نقاش حول موضوع “الطابع الآني للخبر”، الأربعاء بالرباط، أنه في عصر تشهد فيه تكنولوجيات المعلومات والاتصال تحولا مستمرا، تبقى الصحافة الجادة علامة للمصداقية.

وأوضح نصرالدين العفريت، مدير صحيفة “ميديا 24.كوم” الإلكترونية، في كلمة بمناسبة حلقة النقاش التي نظمت في إطار المنتدى الأول لمديري الإعلام بوكالات الأنباء الأفريقية، أنه “في المجتمعات التي نعيش فيها، والتي يتزايد فيها السعي وراء الاستعجال، لم يعد دور الصحافي يتمثل في نشر الخبر أولا، بل بالأحرى في نشر خبر مؤكد من مصدر موثوق”.

وبعد أن دعا العفريت إلى قبول تحول الصحافة “كمسألة حتمية”، ذكر أنه توجد فقط ”صحافة واحدة” سواء كانت إلكترونية أو تلفزيونية أو صحافة وكالة، تقوم على نفس القواعد، مسجلا أن “الموثوقية لا تقدر بثمن، ولكن لها تكلفة”.

وحذر من أنه في العصر الرقمي “لا يجب إطلاقا أن نضع أنفسنا في منافسة مع الشبكات الاجتماعية”، داعيا الصحافيين بالأحرى إلى التحلي بـ”الدم البارد”.

وفي الإطار ذاته، قال خافيير أوتازو، مدير مكتب وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” بالرباط، إنه في مواجهة ما يسمى “صحافة المواطن”، المفهوم الذي يخول لأي كان نشر خبر أو صورة من خلال هاتفه المحمول، فإن وكالة الأنباء تبقى لديها قيمة مضافة.

وأشار إلى أن “الصحافة هي وسيط بين الخبر الخام والمستهلكين”، محذرا من أن نشر صور بدون معايير وبدون وساطة يعد “أمرا خطيرا جدا”.

نصرالدين العفريت: لا يجب إطلاقا أن نضع أنفسنا في منافسة مع الشبكات الاجتماعية
نصرالدين العفريت: لا يجب إطلاقا أن نضع أنفسنا في منافسة مع الشبكات الاجتماعية

وشدد أوتازو على أنه “مقابل صحافي مواطن، فإننا نقدم كصحافي وكالة مهنة… تتطلب سنوات من التكوين، وقبول مدونات أخلاقية معينة، فضلا عن التحكم التقني في الوسائل”، مضيفا أن التحدي الكبير بالنسبة لكل صحافي هو جعل المستهلك يدرك أن تغريدة منشورة من قبل مواطن كيفما كان لا تحظى بنفس قيمة التغريدة الصادرة عن وسيلة إعلام معترف بها.

واتفقت معه صوفي بونز، مديرة مكتب وكالة الأنباء الفرنسية “أي. أف. بي” بالمغرب، وقالت إنه في نهاية الثمانينات، تاريخ التحاقها بالوكالة، كانت الكلمات الضابطة هي “السرعة والموثوقية”.

ولاحظت أنه “بمرور السنين ومع التطور الذي شهدته المحطات الإذاعية الإخبارية المستمرة، ثم بعد ذلك البث التلفزيوني المباشر وأخيرا شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعية، فإننا نرى جيدا أن الأخبار تنتشر بسرعة أكبر وبأن القيمة المضافة للوكالات لم تعد بعد تتمثل في السرعة بل في مضمار الموثوقية”.

وأشارت بونز إلى أنه اليوم، وفي مواجهة هذه “السرعة الفائقة”، فإن معظم المستهلكين لا يزالون يفضلون مع ذلك تلقي خبر موثوق، مؤكدة “هنا تكمن القيمة المضافة لوكالات الأنباء”.

من جهته، أكد رشيد ماموني مدير الإعلام بوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذا المنتدى، المنظم حول موضوع “تحديات تسيير قاعة التحرير”، يمثل فرصة لمديري وكالات الأنباء الأفريقية لتقاسم ما يعيشونه أثناء ممارسة مهنتهم ضمن “واقع عيش يتجاذبه يوميا تسارع غير مسبوق في تكنولوجيات الإعلام وتحولات عميقة في طريقة أداء هذه المهنة”.

وقال “إن هاجس الفورية ونقل الخبر في أقصر وقت يفصل بين وقوع الحدث وإعلانه للعموم، يشكل أحد محركات الصحافة، سواء كانت مكتوبة أو سمعية بصرية”، مشيرا إلى أنه في هذه المرحلة التي تتسم بـ”الإثارة الإعلامية المفرطة والأخبار الكاذبة، يجب فك الالتباس في هذه المسألة”.

بدوره، تطرق سعد بنمنصور مدير نشر صحيفة “أوجوردوي لوماروك”، إلى مفهوم “الزمن” في الأخبار، مبرزا أن قارئ الصحافة المكتوبة لا ينتظر اكتشاف سبق صحافي عبر تصفح جريدته.

وأوضح أن “القارئ لديه انتظارات من الصحيفة تختلف عن انتظاراته من موقع آخر أو شبكة للتواصل الاجتماعي”، مشيرا إلى وجود فئة من القراء متعطشة لمقالات الرأي والتحاليل التي لا يمكن تعويضها بالشبكات الاجتماعية.

وأضاف بنمنصور أن “الورق لم يختف، والطلب انتقل”، موضحا أن استمرارية الورق رهينة بالتساؤلات التي يطرحها دائما مدير النشر بشأن هوية القراء وحاجياتهم.

ويتمحور هذا اللقاء، المنظم على مدى ثلاثة أيام من طرف الفيدرالية الأطلنتيكية لوكالات الأنباء الإفريقية (فابا)، حول عدد من المواضيع، لا سيما “استعمال شبكات التواصل الاجتماعي”، و”رقمنة الإنتاج”، و”البرمجة التحريرية”، و”التحقق من الأخبار”، و”التحفيز والتقييم”.

وتتم مناقشة جميع هذه المواضيع في إطار عدد من الورشات، وذلك من طرف مجموعة من الصحافيين والمسؤولين، وكذلك مديري الإعلام بعدد من وكالات الأنباء الأفريقية والدولية ووسائل إعلام أخرى (صحف، ومواقع إلكترونية إخبارية، ومجلات وغيرها).

18