القوى المدنية في السودان تلجأ إلى الاتحاد الأفريقي مع استعصاء الحل نتيجة الاستقطاب الدولي

السودان يتحول إلى ساحة تجاذب بين الولايات المتحدة وروسيا.
السبت 2024/11/23
زيارة بريللو إلى بورتسودان لم تفضِ إلى أي اختراق

عكس الفيتو الروسي على مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في السودان، تحول هذا البلد إلى ساحة للتجاذب بين القوى الكبرى المتنافسة.

بورتسودان (السودان)- بدأت بعض القوى المدنية في السودان تحركات على الساحة الأفريقية ترمي للحصول على تأييد لتفعيل الاتحاد الأفريقي المادة الرابعة من دستوره، التي تسمح بالتدخل في أي دولة عضو، حال ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو القيام بإبادة جماعية، من دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي، لتجاوز توظيف روسيا حق النقض، وتخطي عقبة التجاذبات التي يمكن أن تنجم عن ذلك.

ويحظى الاتحاد الأفريقي بدعم غربي لحل الأزمة السودانية، وثمة اتجاه يتزايد لمنحه فرصة للاشتباك مع الأزمة لتخطي المناوشات بين بعض القوى الكبرى التي لها مصالح في السودان، ويمكن أن تقف مع أو ضد أحد الطرفين المتصارعين، قوات الجيش والدعم السريع، وأخذت تحركات القوى المدنية مسارات مختلفة كي تحقق نجاحا قريبا، خوفا من المصير المجهول الذي دخلته الحرب في السودان.

وأثار استخدام روسيا الفيتو ضد مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن كان يدعو الطرفين المتحاربين إلى وقف الأعمال القتالية على الفور وتوصيل المساعدات الإنسانية، مخاوف قوى مدنية سودانية من الثمن الذي دفعه الجيش مقابل الدعم الروسي.

حاتم إلياس: الحفاظ على الاستثمارات الروسية دافع رئيسي للموقف الأخير
حاتم إلياس: الحفاظ على الاستثمارات الروسية دافع رئيسي للموقف الأخير

وبعث الفيتو بإشارة توحي باستعادة أجواء الحرب الباردة مجدداً مع الولايات المتحدة، مع استخدام أول وسيلة اعتراض على قرارات تتعلق بالحرب في السودان بعد أن اعتادت موسكو الاكتفاء بالامتناع عن عدم التصويت في قرارات سابقة.

وتحدث قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان خلال مؤتمر في بورتسودان لمناقشة تداعيات الحرب على الاقتصاد، الثلاثاء، بشيء من الارتياح لموقف موسكو، وأنه لن يذهب باتجاه وقف إطلاق نار ما لم يصحبه انسحاب قوات الدعم السريع من المدن والقرى، وتجمعها في أماكن معلومة، وأن السودان لم يكن موافقا على مشروع القرار البريطاني، معتبرا أنه “معيب ويخدش السيادة.. ولم يلبِّ مطالب السودان.”

ويمنح تعارض المواقف الدولية من الحرب في السودان طرفي الصراع قدرة على المراوغات للتهرب من وقفها، وخاصة الجيش الذي لا يزال يعول على حسمها عسكريا، ويجبر القوى المدنية على التحرك بصورة أكثر مرونة لإقناع الاتحاد الأفريقي بالتدخل بما يفضي إلى إجبار الطرفين على القبول بوقف إطلاق النار.

ويدرك الجنرال البرهان أنه بإمكانه اللعب على التناقضات الدولية بما يضمن استمرار المعارك، وبات على قناعة أن هناك ظهيرا، ممثلا في روسيا، يمكن أن يدعم موقفه بعد أن ظلت المواقف الدولية المرتبطة بالسودان محل توافق كبير.

ورغم أن روسيا تذرعت بأن القرار الذي اعترضت عليه يحمل “نكهة استعمارية”، إلا أنها وافقت على مقترحات لنشر قوات أممية في إقليم دارفور لحماية المدنيين، ما يشير إلى أن مواقفها ترتبط بصراعها مع الولايات المتحدة بعد أن منح الرئيس جو بايدن الضوء الأخضر لاستخدام صواريخ أميركية بعيدة المدى “أتاكمز” ضد روسيا.

ويستفيد قائد الجيش السوداني من التوتر بين البلدين، لأن الولايات المتحدة قد تكون مطالبة بإدخال تعديلات على طبيعة تعاملها مع الأزمة السودانية مع الإخفاق في الضغط على الجيش لحضور مفاوضات جنيف التي رعتها واشنطن في أغسطس الماضي، وظهر ذلك عبر وصول المبعوث الأميركي الخاص إلى السودان توم بريللو إلى بورتسودان لأول مرة أخيرا ولقائه عددا من المسؤولين السودانيين.

لكن بيريللو قال في ختام زيارته إلى بوتسودان، الخميس، إنه لا يرى ما يكفي من “الرغبة السياسية” من الأطراف المتحاربة للتوصل إلى حل للصراع.

وأكد الباحث السوداني في العلاقات الدولية محمد تورشين لـ”العرب” أن استخدام روسيا الفيتو يعكس حجم الاستقطاب الدولي، ولو لم يكن هذا التنافس شديدا لما استخدمت موسكو حق النقض، كما أدركت أن مصالحها في السودان مهمة.

وأضاف أن السودان في خطابه الرسمي تعامل مع المشروع البريطاني كمؤامرة تهدف لإضعافه، ويتسق ذلك مع التوجهات الدولية حيال الحكومة السودانية الحالية التي تتجه نحو المزيد من التقارب مع روسيا، وتدرك أن هناك تنافسا لتعزيز العلاقات معها نتيجة للأهمية الحيوية للسودان وموقعه الجيوستراتيجي وتأثيره على الأوضاع في شرق ووسط أفريقيا، وعلى البحر الأحمر.

محمد تورشين: استخدام روسيا الفيتو يعكس حجم الاستقطاب الدولي
محمد تورشين: استخدام روسيا الفيتو يعكس حجم الاستقطاب الدولي

وتخشى بعض القوى المدنية من أن يعيد الفيتو الروسي أجواء تشبه ما حدث أثناء الحرب الباردة، وتنظر موسكو للولايات المتحدة على أنها استفردت بالساحة الدولية، والآن ترى أن الفرصة سانحة لاستعادة التوازن في النظام العالمي، ويتسق ذلك مع الخطابات التي تتبناها حول رؤيتها للنظام الدولي ومحاولة استعادة إخفاق تدخلات الغرب في بعض القضايا الأفريقية، وهو ما يقلق السودانيين على بلادهم، ما يجعلها محل تجاذبات بين واشنطن وموسكو، وتستمر الحرب بلا توقف.

وأشار تورشين في حديثه لـ”العرب” إلى أنه القضية السودانية أخذت مسارا سوف يزيد من وتيرة التنافس، وأن موسكو لن تتراجع عن مواقفها بشأن السودان، وستقف مع السودان حال شعرت أن مصالحها تتعرض للتهديد، لدعم فكرة وجودها في البحر الأحمر وتعزيز نفوذها في أفريقيا.

وذكر المحلل السياسي السوداني حاتم إلياس أن الفيتو يرجع إلى أن موسكو شعرت بأن مصالحها ومشروعاتها المستقبلية في البحر الأحمر مهددة بالخطر، وأن السودان تتواجد به عدد من الشركات الروسية التي تنقب عن مناجم الذهب، وقبل سقوط نظام الرئيس عمر حسن البشير، حيث كانت إحدى الشركات متورطة في قتل اثنين من السودانيين في الولاية الشمالية، غير أن نظام البشير عمد للتغطية عليها وتسويتها في ذلك الحين.

وأوضح إلياس في تصريح لـ”العرب” أن الحفاظ على الاستثمارات الروسية دافع رئيسي للموقف الأخير في مجلس الأمن، وأن موسكو تعاملت مع السودان بمبدأ التاجر الذي بعث بإشارات للمجتمع الدولي حول الضمانات التي يمكن أن يقدمها الغرب لحماية الاستثمارات الروسية، بالتنسيق مع حكومة بورتسودان، مشيراً إلى المبادئ الحاكمة للتحركات الروسية تتماشى مع تنظيم الإخوان المتواجد في السلطة والذي يطغى عليه الطابع التجاري ويهدف لمخاطبة المصالح دون اكتراث بأجندات وطنية أو إنسانية.

وتتخذ موسكو مواقف مناهضة لأي تحول مدني في السودان، لأن ذلك يعني الشفافية، وأن استثمارات روسيا والصين في أفريقيا تعتمد على بيئة فاسدة في رأس السلطة تمكنها من تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ما يجعل القوى المدنية تنزعج من تنامي دور موسكو في السودان، وتوطيد علاقتها مع الجيش.

وشدد إلياس في حديثه لـ”العرب” على أن الفيتو الروسي يذكر الولايات المتحدة بصراعات الحرب الباردة وانعكاساتها على المؤسسات الدولية، ما يضع على عاتق الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب عبئا ثقيلا للتعامل مع الأطماع الروسية.

2