القوى المدنية تتجاوز لاءات حل الأزمة السودانية

يؤشر توقيع قوى سودانية على وثيقة توافقية لإدارة المرحلة الانتقالية بالشراكة مع المكون العسكري بداية انحسار للأزمة السياسية في السودان، والمستمرة منذ انقلاب الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي. ويرى مراقبون أن المكون المدني بات على قناعة بعد مكابرة بأنه لا يمكن استكمال المرحلة الانتقالية دون مشاركة المكون العسكري.
الخرطوم - وقّعت أحزاب سودانية وثيقة توافقية لإدارة الفترة الانتقالية تهدف إلى تجاوز الأزمة السياسية الراهنة في البلاد والوصول إلى الحكم المدني الديمقراطي، في خطوة تمهد لحدوث تحولات والانتقال من مربع المشاورات والمبادرات إلى طرح مشاريع للحل، رغم معارضة بعض القوى.
وقال مدير المركز الأفريقي لدراسات الحوكمة والسلام والتحول الديمقراطي (صاحب المبادرة) محمود زين العابدين محمود إن الوثيقة عبارة عن مبادرة سودانية وطنية توافقية موحدة.
وتحدد الوثيقة مهام الفترة الانتقالية والشراكة في إدارتها بين المكون المدني والمكون العسكري وأطراف العملية السلمية. وتؤكد الالتزام بما ورد في اتفاق سلام جوبا لعام 2020 بشأن نظام الحكم (الحكم الفيدرالي).
وتقترح الوثيقة تشكيل حكومة من 20 وزيرا يمثلون ولايات البلاد (18 ولاية)، مع تسمية رئيس وزراء من الكفاءات (بلا انتماء حزبي)، بالتشاور الواسع مع القوى السياسية.

أسامة عبدالماجد: التصعيد الجماهيري لم يحقق أيا من المطالب المرجوة
ويشهد السودان منذ الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، احتجاجات تطالب بحكم مدني وترفض إجراءات استثنائية أعلنها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، أبرزها حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين.
ونفى البرهان صحة اتهامات له بتنفيذ انقلاب عسكري، وقال إنه اتخذ هذه الإجراءات لـ”تصحيح مسار المرحلة الانتقالية”، متعهدا بتسليم السلطة عبر انتخابات أو توافق وطني.
وبالتزامن مع تصريحات البرهان، دعا نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، القوى السياسية في البلاد إلى الوحدة قبل الذهاب إلى عملية الانتخابات.
وقال حميدتي في تصريح صحافي “نحن من أنصار تحقيق الوفاق، البلاد لا تتقدم إلا بالانتخابات، ولا نريد أن ندخل الانتخابات وبيننا خلاف، بل نريد الذهاب إليها ونحن متفقون، لا نرفض الوفاق، والدليل أننا لم نأت برئيس وزراء للحكومة”.
وسبق ذلك، تأكيد من قوى الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم سابقا) الخميس، في بيان، أنها لن تمضي في أي عملية سياسية دون إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ.
والسبت اعتبر رئيس حزب المؤتمر السوداني (ضمن أحزاب الائتلاف الحاكم السابق) عمر الدقير أن “الحديث عن قرب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لا يتسق مع حملة الاعتقالات المسعورة”.
وأشار في تصريح صحافي إلى ضرورة “التوافق على ترتيبات دستورية تنشأ بموجبها سلطة مدنية كاملة لتنفيذ مهام متفق عليها، خلال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، انتهاء بانتخابات عامة حرة ونزيهة”.
ويرى المحلل السياسي السوداني علم الدين عمر أن “الساحة الآن مهيأة أكثر من أي وقت مضى لإجراء مصالحة سياسية محدودة وقابلة للتطور”.
وأضاف أن “انسداد الأفق السياسي بهذه الطريقة سيقود إلى طريق وحيد لا أعتقد أن هنالك قوى في السودان أو المحيط تسعى له، وهو طريق الفوضى الشاملة، ولذلك ربما يكون ائتلاف الحرية والتغيير الذي خرج من السلطة عقب إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي قد وعى الدرس الآن”.

حميدتي دعا القوى السياسية في البلاد إلى الوحدة قبل الذهاب إلى عملية الانتخابات
وأوضح أن “عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى شكل الحكم قبل ذلك، وربما تكون الإجراءات القضائية التي اتخذت وتم بموجبها إطلاق سراح قيادات الإسلاميين رفعا للحرج القانوني، هي المقدمة الأبرز لطريق المصالحة”.
وتابع “أعتقد أن الإسلاميين أنفسهم سيكون لديهم ما يقدمونه من تنازلات لصالح هذه الإجراءات، بما يفضي إلى وضع ما تبقى من الفترة الانتقالية في مسار معقول يخرج البلاد من عنق الزجاجة بالحد الأدنى من التوافق”.
وخلال الآونة الأخيرة نشطت الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة من خلال طرح مبادرات للحل، إلا أنها لم تثمر شيئا حتى الآن، وتزامنت هذه المبادرات مع مقترحات داخلية للحلول من أطراف السودانية، ونالها نفس النصيب من عدم التوفيق.
ولعل أبرز هذه المحاولات هي مبادرة بعثة الأمم المتحدة “يونيتامس”، ومبادرة الاتحاد الأفريقي، ومبادرة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا “إيغاد”، التي توحدت في “الآلية الثلاثية” لحل الأزمة السياسية.
وفي الثاني عشر من أبريل الجاري، طرحت الآلية الثلاثية للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و”إيغاد”، أربعة محاور أساسية لحل الأزمة السياسية بالسودان.
والمحاور الأربعة هي “ترتيبات دستورية، وتحديد معايير لاختيار رئيس الحكومة والوزراء، وبلورة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات العاجلة للمواطنين، وصياغة خطة محكمة ودقيقة زمنيا لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة”.
وشدد فريق العمل المشترك للآلية الثلاثية على “وجوب توفير الإجراءات الضرورية لتهيئة المناخ للحوار، بما في ذلك إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين ورفع حالة الطوارئ وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات وضمان عدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان”.
وجرت لقاءات مكثفة خلال الأسبوع الماضي بين مسؤولين دوليين وإقليميين مع مسؤولين حكوميين سودانيين وقوى مدنية، في إطار حل الأزمة المتفاقمة.
ومحليا، برزت مبادرات، من بينها خارطة طريق من حزب الأمة القومي، وكذلك مبادرة الجبهة الثورية (تضم حركات مسلحة)، التي تقوم على إجراء حوار بين الفرقاء السياسيين حول نظام الحكم والدستور والانتخابات، وأيضا مبادرة مديري جامعات سودانية.
ورغم ذلك، أصدر الحزب الشيوعي السوداني بيانا السبت يرفض ما وصفه بـ”التسوية الهادفة إلى تصفية الثورة”.
وقال “لا تزال قوى الهبوط الناعم وحلفاؤها من اللجنة الأمنية وبعض القوى الإقليمية والدولية، تواصل مخططاتها التي تهدف إلى قطع الطريق أمام الثورة وتصفيتها في نهاية المطاف”.

ورفض الحزب الشيوعي مشاركة جهات وأحزاب في أي حوار قادم، ومن ضمنها الأحزاب التي شاركت في حكم نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وعلى خطى الحزب، أعلنت تنسيقية لجان مقاومة الخرطوم (مكونة من نشطاء)، السبت أيضا، رفضها مبادرة الجبهة الثورية لحل الأزمة باعتبارها لا تعبّر عن تطلعات الشعب السوداني. كما أصدرت جدولا للتصعيد الثوري للمطالبة بالحكم المدني خلال الأيام القادمة.
لكن حزب الأمة القومي وبالتزامن مع موقف الحزب الشيوعي وتنسيقيات المقاومة، كان له موقف مغاير، إذ أعلن ترحيبه مبدئيا بالاتجاه نحو إسراع خطى العملية السياسية التي تقودها الآلية الثلاثية من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و”إيغاد”، ودعوتها إلى ملتقى تحضيري، وفق بيان للحزب، اطلعت عليه الأناضول.
وحول هذا التباين في المواقف، قال المحلل السياسي والكاتب الصحافي أسامة عبدالماجد، “لم يحقق التصعيد الجماهيري أيا من المطالب المرجوة التي تقدمت بها لجان المقاومة، ولذلك لا بد من طريق ثالث لحل الأزمة”.
وتابع “الأفضل مبادرة الجبهة الثورية في الحل، لأنها تتحدث عن إجراء تعديلات على الوثيقة الدستورية والتمسك بها، وأن المكون العسكري شريك أساسي في السلطة”.
وأضاف “يمكن الجلوس للتفاوض بين كافة الأطراف ليصل الجميع إلى نقطة تلاق، والتمكن من إجراء الانتخابات في البلاد من دون إقصاء لأي جهة”.
وأشار إلى أن هنالك بعض المكونات السياسية التي سترفض هذا الطريق الثالث، ومن أبرزها الحزب الشيوعي السوداني.