القوى المدنية العراقية تحقّق انتصارا جزئيا بمنعها اقتحام فقهاء الشريعة لمجال عمل القضاة

إقرار تعديل قانوني يحصر عضوية المحكمة الاتحادية في رجال القضاء.
السبت 2021/03/20
مكانة القضاة وضعت على المحك

فَشَلُ تمرير تعديل لقانون المحكمة الاتّحادية العليا في العراق ينص على إقحام فقهاء الشريعة الإسلامية في تركيبة المحكمة مثّل عثرة للأحزاب الدينية القائدة للعملية السياسية، بقدر ما أظهر وجود نبض مدني تمكّن من الصمود طيلة السنوات التي سيطرت فيها القوى الدينية على دواليب الدولة وأثّرت بعمق في توجيه سياساتها وصياغة قراراتها.

بغداد - فشلت الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية في العراق في إقحام فقهاء الشريعة الإسلامية في تركيبة المحكمة الاتّحادية التي تمثّل أعلى سلطة قضائية في البلاد، وذلك بعد اعتراض شديد من قبل قوى مدنية ورجال قضاء وتهديد ممثلين للحراك الاحتجاجي بالنزول إلى الشارع مجدّدا، في حال تمّ تمرير تعديل على قانون المحكمة في البرلمان ينص على مشاركة رجال دين في عضوية المحكمة لمراقبة مدى مطابقة أحكامها للشريعة وفق الهدف المعلن من قبل مقترحي التعديل والمدافعين عنه.

وأفضت الاعتراضات والضغوط من قبل رافضي التعديل إلى اكتفاء مجلس النواب بتمرير تعديل يقضي باختيار أعضاء المحكمة من القضاة حصرا.

والمحكمة الاتّحادية العليا هي أعلى سلطة قضائية في العراق، وتتألف من رئيس ونائبه وسبعة أعضاء ومهمتها الفصل في النزاعات بين السلطات التنفيذية وتفسير النصوص الدستورية والمصادقة على نتائج الانتخابات.

وتعاني هيئة المحكمة من نقص بعد بلوغ أحد أعضائها سن التقاعد عام 2019، وتعذّر انتخاب خلف له لغياب آلية لذلك ضمن قانون تأسيسها الصادر في عهد الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر عام 2005.

وقالت الدائرة الإعلامية لمجلس النواب في بيان إنّ نواب البرلمان صوتوا على أول تعديل لقانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005.

وينص التعديل على اختيار أعضاء المحكمة من القضاة حصرا، بعد اختيارهم من قبل الهيئة المنتهية ولايتها للمحكمة ومجلس القضاء الأعلى ومجلس قضاء الأقاليم.

ويتم بعد ذلك رفع أسماء المرشحين إلى رئاسة الجمهورية لإصدار مرسوم بتعيينهم، حيث يتوجب ألا تقل مدة خدمتهم في القضاء عن 15 سنة.

الجدل حول تعديل قانون المحكمة الاتحادية كشف أن القوى المدنية العراقية لا تزال قادرة على التأثير وإن بشكل محدود

ولم يحدد التعديل مدة زمنية معينة لفترة عمل هيئة المحكمة بعد انتخابها، غير أنه حدد سن تقاعد أعضائها بـ72 عاما.

وحاز التعديل الجديد على موافقة أغلبية النواب الحاضرين وعددهم 204 نواب من أصل 329.

وتعثّر إقرار التعديل وسط خلافات بين القوى السياسية على مدى أسابيع، إذ طالبت قوى سياسية معظمها شيعية بمنح مقاعد في هيئة المحكمة لفقهاء الشريعة الإسلامية، وهو ما اعتبرته قوى مدنية محاولة جديدة لقتل طموحات الدولة المدنية التي ينادي بها العراقيون.

ومن المهم انتخاب أعضاء المحكمة الاتحادية في ظل الاستعداد لإجراء انتخابات برلمانية مبكّرة في العاشر من أكتوبر المقبل، حيث لا تكون نتائج الانتخابات قطعية ونهائية ما لم تصادق عليها المحكمة بكامل هيئتها.

وذهب بعض المعترضين على إقحام الفقهاء في تركيبة المحكمة الاتّحادية وإعطائهم دورا يوازي دور القضاة إلى أنّ المسعى لا ينفصل عن غايات سياسية لمن دافعوا عن المقترح بهدف اختراق المحكمة وتوجيه قراراتها بما يخدم مصالحهم، خصوصا وأنّ الاستحقاق الانتخابي المنتظر لا يلوح مطمئنا للقوى والأحزاب التي حكمت العراق منذ 2003، بسبب تزايد النقمة الشعبية عليها وتراجع شعبيتها بما في ذلك داخل معاقلها التقليدية كما هي حال الأحزاب الشيعية في مناطق وسط وجنوب العراق، التي انتفضت بقوّة منذ خريف سنة 2019 ضدّ حكم تلك الأحزاب وطريقتها في إدارة الدولة، وما خلّفته تجربتها في الحكم من تراجعات شديدة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

ورحّبت عدّة قوى بسقوط التعديل القانوني المذكور. واعتبرت الجبهة العراقية للحوار الوطني بقيادة صالح المطلك فشل مساعي إقحام فقهاء الدين في المحكمة الاتحادية “انتصارا للعمق الحضاري للعراق، وخطوة باتجاه ترسيخ الدولة المدنية التي تحتضن جميع أبنائها وتحترم جميع الأديان والطوائف”.

وقالت الجبهة في بيان إن “انتصار المدنية جاء بفضل توافق وضغط الرأي العام وجميع الفعاليات الاجتماعية التي تمسكت بضرورة فصل الدين عن الدولة، ويجب أن تكون هذه الخطوة دافعا للتقدم إلى الأمام على مسار التصويت على القوانين التي تعيد للعراق مدنيته وتصطف مع إرادة أغلبية أبناء الشعب العراقي”.

كما ورد في البيان أنّ “على الجميع أن يعلموا بأن العراقيين شعب حي، ولن تمرّ عليه محاولات فرض الأمر الواقع”.

ورأى متابعون للشأن العراقي أنّ لفشل الأحزاب الدينية في تمرير تعديلها على قانون المحكمة الاتّحادية أهمية خاصّة في العراق الذي تسيطر عليه تلك الأحزاب وخصوصا الشيعية منها.

وبحسب هؤلاء، فإن المدى الذي بلغه الجدل حول التعديل وحجم الاعتراضات عليه كشفا عن وجود “نبض مدني” في البلد وأن القوى المدنية لا تزال رغم كل الظروف قادرة على وضع بصمتها وإنْ بشكل محدود.

Thumbnail

ورفضت قوى مدنية ورجال قانون وممثلون عن الأقليات إسناد دور لرجال الدين المسلمين في عمل المحكمة الاتحادية وقراراتها، على اعتبار تلك الخطوة تزيد في ترسيخ السمة الدينية للدولة العراقية وتبعدها عن المدنية وتفتح بابا آخر للتشدّد والطائفية، فضلا عن تكريس هيمنة مكوّن بعينه على باقي المكوّنات.

ويعني ترشيح رجال دين لعضوية الهيئة القضائية للمحكمة منح سلطة فعلية لهؤلاء في عملية صياغة القوانين ومطابقتها مع الشريعة الإسلامية، وفق قراءاتهم التي لا يمكن إلاّ أن تكون متأثرة بمشاربهم وانتماءاتهم بما في ذلك الطائفية منها.

وذهب المعترضون على القانون المقترح إلى ربطه بمحاولة استنساخ للنظام الإيراني، عبر توطيد سلطة رجال الدين على حساب رجال القانون والسياسة المدنيين.

وقالت نينا شيا من معهد هدسون إنّ من شأن القانون الذي أريد تمريره البرلمان العراقي “أن يربط العراق بالحكم الثيوقراطي لجارته إيران ويقوّض ديمقراطيته الهشة ويعرّض الحرية الدينية وغيرها من الحقوق الأساسية للخطر”، مضيفة أن القضاة الإسلاميين سيحصلون بمقتضى ذلك القانون على سلطات معززة لاستخدام حق النقض ضد القوانين التي يرون أنها تتعارض مع الإسلام، أي القوانين التي أقرها البرلمان المنتخب.

وشارك أكراد العراق أبناء المكون المسيحي والإيزيدي وغيرهما اعتراضهم على مشروع تعديل قانون المحمكة الاتّحادية. ووجّه رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم لويس ساكو رسالة إلى رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، داعيا إياه إلى إيقاف مناقشة مشروع قانون المحكمة الاتّحادية.

ولا تفصل الدوائر المدافعة عن مدنية الدولة العراقية عملية إقحام الفقهاء في تشريع القوانين وتطبيقها عن مساعي الأحزاب الدينية لتوطيد سلطتها في البلاد، وذلك بعد أن سقطت هيبتها في عين المواطن العراقي الذي خبر فشلها وعدم جدارتها بقيادة الدولة بفعل النتائج الكارثية لتجربتها في الحكم.

ويقول الخبير القانوني العراقي محمد الشريف “أصبح واضحا أنّ الهدف من وضع خبراء الشريعة الإسلامية في المحكمة الاتحادية العليا وإعطائهم الأولوية في القرار على حساب القضاة، هو الهيمنة على أعلى الهيئات القضائية العراقية وجعلها بيد الأحزاب”.

3