القنوات التونسية تغرق البرامج بـ"الكرونيكورات" لتفقد ثقة الجمهور

تجاوز التأثير السلبي لظاهرة "الكرونيكورات" في القنوات التونسية استياء الصحافيين وبعض المتابعين ليضعف ثقة الجمهور بالإعلام الذي يعاني أصلا من العديد من الأزمات التي أثرت على مهنيته وأدائه، وعلى رأسها ضعف التمويل.
تونس – كشفت دراسة حديثة لمجلس الصحافة التونسي أن المعلقين على الأحداث في القنوات التلفزيونية الذين يعرفون بـ”الكرونيكورات” هم السبب الرئيسي وراء انخفاض مستوى الثقة بالإعلام في البلاد بنسبة 82 في المئة، وهو ما يتوافق مع شكاوى كثيرة من هذه الظاهرة بين الصحافيين والجمهور مع استمرار ظهورهم على الشاشات بشكل مبالغ فيه.
ومنذ سنوات تعتمد أغلب البرامج في القنوات التلفزيونية والإذاعية على صناع ثقافة “البوز” من فنانين وممثلين ونشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.
وكثيرا ما عبر صحافيون عن استيائهم من انتشار ظاهرة “الكرونيكور” في تونس، معتبرين أنها تسببت في تردي المشهد الاعلامي التونسي، إذ أن من يظهرون على الشاشة يفتقدون للخبرة والمعرفة الكافية بالموضوع الذي يتحدثون عنه، في حين أن المفترض أن يشير المصطلح إلى شخص يقدم الإضافة في موضوع معين، لكن القنوات الفضائية تستبدل الخبير بشخصيات من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل إنستغرام وتيك توك، لحصد المشاهدات.
90
في المئة من الجمهور لا يعرفون معنى التعديل الذّاتي ونسبة ضئيلة تعلم بوجود مجلس الصحافة
وشملت الدراسة التي أعدّها مجلس الصحافة حول “ثقة الجمهور في الإعلام”، 1518 مستجوبا، وقال 64 في المئة منهم إنهم “لا يثقون في وسائل الإعلام،” وترتفع هذه النسبة في صفوف الشباب (الفئة العمرية من 18 إلى 24 سنة) إلى 77.8 في المئة.
وقالت اعتدال المجبري رئيسة المكتب السابق لمجلس الصحافة في مداخلتها ضمن فعاليات ندوة نظمتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين الاثنين، في إطار إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، إنّ 90 في المئة من الجمهور لا يعرفون معنى التعديل الذّاتي، وإنّ نسبة ضئيلة جدا من المستجوبين (2.9 في المئة) على علم بوجود هيكل اسمه “مجلس الصحافة”، وقد تم الإعلان عن التركيبة الجديدة للمجلس الاثنين.
وبالنسبة إلى استخدامات التونسيين لوسائل الإعلام التقليدية، بينت الدراسة أنّ التلفزيون يتصدّر وسائل الإعلام التقليدية كمصدر للأخبار بنسبة 77 في المئة، تليه الصحف بنسبة 5.9 في المئة. أما بخصوص الميديا الجديدة، فيحتل موقع فيسبوك المرتبة الأولى بنسبة 96.9 في المئة، مقابل 45.5 في المئة لتيكتوك و40.6 في المئة ليوتيوب.
وصرحت المجبري بأن مجلس الصحافة كان قد أعد استبيانا في شهر أغسطس 2024 حول “الصحافيين والانتخابات الرئاسية 2024″، شمل 133 صحافيّا وصحافيّة من جميع الوسائل السمعية البصرية والرّقمية والمكتوبة ووكالات الأنباء والصحافة الجمعياتية.
وأفادت بأن الاستبيان كشف أن نسبة صعوبة النّفاذ إلى المعلومة في تلك الفترة بلغت 71.5 في المئة، وأنّ المرسوم 54 (لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال) أثّر بنسبة 96 في المئة على عمل الصحافيين في تغطية الانتخابات الرّئاسية 2024، بالإضافة إلى أنّ 63 في المئة من المؤسسات الإعلاميّة لم تضع مخططا إعلاميّا تفصيليّا لتغطية الانتخابات.
وقالت المجبري إنّ الصّحافيين المستجوبين صرحوا في خانة “الملاحظات الحرّة” في الاستبيان بأنّهم “تعرّضوا للرّقابة، وعانوا من غياب أرضيّة مهنيّة وأخلاقيّة يمكن اعتمادها كمرجعيّة للتّحكيم.”
ويحيل حديث المجبري إلى الأزمات التي يعاني منها الإعلام في تونس خصوصا الاقتصادية التي أثرت على أدائه، فقد دفعت الضغوط المالية بعض المؤسسات إلى الانحياز لمصالح المعلنين أو رجال الأعمال، وهو ما يؤثر على استقلالية المحتوى الإعلامي.
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح الإعلام التقليدي يُواجه تحديًا في تقديم محتوى جاد وهادف، ما دفع بعض القنوات والمواقع إلى التركيز على الإثارة والترويج لمواضيع سطحية بهدف زيادة نسب المشاهدة، وهو ما أثر سلبًا على ثقة الجمهور.
أزمة الإعلام الأساسية تتمثل في غياب المهنية لحساب المال بسبب قلة احترام بعض الوجوه في قطاع الإعلام
وقالت مصادر مطلعة إن أزمات قطاع الإعلام استفحلت بسبب أخطاء مهنية شارك في ارتكابها عاملون في المؤسسات الإعلامية ومشرفون عليها، منها الانخراط في لعبة المصالح وصراعات اللوبيات. وكان من نتائجها الخلط بين الحريات الصحفية والفلتان الإعلامي والأمني.
ويرى إعلاميون ومثقفون أن أزمة الإعلام الأساسية تتمثل في غياب المهنية لحساب المال بسبب قلة احترام بعض الوجوه في قطاع الإعلام، ومعها تيار من الصحافيين، لأخلاقيات المهنة ومواثيق الشرف المهنية والنقابية، وللقوانين المنظمة لقطاع الإعلام.
وأكد متابعون أن الإعلام التونسي يبقى عنصرًا أساسيًا في بناء الديمقراطية، لكن استعادة ثقة الجمهور تتطلب إصلاحات حقيقية تعزز مصداقيته واستقلاليته. فإذا لم يتم التصدي للأسباب التي أدت إلى فقدان الثقة، فقد يزداد تأثير الأخبار الزائفة والمصادر غير الموثوقة، ما يُهدد الاستقرار المجتمعي والسياسي في البلاد.
وأضاف هؤلاء أن تعزيز المهنية والاستقلالية مسألة أساسية إذ يجب فرض معايير مهنية صارمة وتعزيز أخلاقيات الصحافة لضمان الموضوعية والحياد. كما يجب الاستثمار في صحافة التحقق من المعلومات وتوعية المواطنين بضرورة التحقق من الأخبار قبل تصديقها، بالإضافة إلى تعزيز دور الإعلام العمومي ليكون نموذجًا في الاستقلالية والمصداقية، بعيدًا عن الضغوط السياسية والمالية.
وأكدت المجبري أنّ الرّؤية الاستراتيجيّة لمجلس الصحافة تطمح إلى جعله هيكلا للتّعديل الذّاتي ومرجعا على المستوى الوطني والإقليمي يرسي ثقافة المساءلة الأخلاقيّة، ويحقّق المصالحة بين الجمهور وقطاع الصّحافة والإعلام، ويضمن حقّ الجمهور في مضامين موضوعيّة وموثوقة وذات جودة، في ظل بيئة داعمة لحرّية التعبير والصحافة والنشر وحقوق الإنسان في شموليّتها وكونيّتها.
وتم الاثنين الإعلان عن التركيبة الجديدة لمكتب مجلس الصحافة، وذلك خلال ندوة صحفية عقدت ضمن فعاليات الندوة التي نظمتها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين. وجاء الإعلان تزامناً مع إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة، وقد حملت الندوة هذا العام عنوان “حرية الصحافة على ضوء التطورات الجيوسياسية والتكنولوجية، الذكاء الاصطناعي نموذجا”.
وجاء الإعلان في سياق النقاشات الهامة التي تناولتها الندوة حول التحديات والفرص التي تواجه حرية الصحافة في ظل التطورات المتسارعة على الصعيدين الجيوسياسي والتكنولوجي، مع التركيز بشكل خاص على تأثير الذكاء الاصطناعي في المشهد الإعلامي.