"القنبلة القذرة" معركة نفسية استباقية من روسيا لإرباك الغرب

رغم ما يبدو من تكاتف أوروبي حازم في مواجهة روسيا، إلا أن هناك خلافات بينية كبيرة بين شرق أوروبا وغربها، وبين دول مؤثرة مثل فرنسا وألمانيا، وفرنسا وإيطاليا، فضلا عن الحسابات الخاصة لبريطانيا. في المقابل تتقن روسيا المناورة وتسعى لإدارة الصراع لفائدتها، ولعل أبرز عنصر في ذلك هو خوض معركة نفسية استباقية تربك الجميع.
موسكو - أعلنت روسيا الاثنين أنّ أوكرانيا دخلت “المرحلة الأخيرة” من صنع “قنبلتها القذرة”، وهو ما تشير إليه موسكو منذ الأحد ورفضته كييف وحلفاؤها الغربيون بشدة، في الوقت الذي يقول فيه مراقبون إن روسيا تضغط بهذه الورقة بشكل استباقي لإرباك الغرب ومنعه من استعمال أسلحة متطورة يمكن أن يكون لها أثر نوعي في مسار الحرب، وأن المناورة الروسية تجد مبررا لها في الخلافات البينية الغربية، خاصة بين الأوروبيين، حول الأزمة في أوكرانيا وطريقة معالجتها.
وقال المسؤول عن المواد المشعّة والمنتجات الكيميائية والبيولوجية داخل الجيش الروسي اللفتنانت جنرال إيغور كيريلوف، في بيان “وفقا للمعلومات المتوفرة لدينا، هناك منظّمتان أوكرانيّتان لديهما تعليمات محدّدة لصنع ما يسمى بالقنبلة القذرة. دخل عملهما المرحلة النهائية”.
وقال إنّ “الهدف من هذا الاستفزاز اتهام روسيا باستخدام أسلحة دمار شامل في أوكرانيا وبالتالي إطلاق حملة ضخمة معادية لروسيا في العالم”، معتبرا أنّ كييف تريد على وجه الخصوص “تخويف السكان المحليين وزيادة تدفّق اللاجئين عبر أوروبا”.
وحذر من أن “تفجير عبوة ناسفة مشعّة يؤدّي حتما إلى تلوّث المنطقة على مساحة تصل إلى عدّة آلاف من الأمتار المربعة”.
كذلك، اتهم كيريلوف المملكة المتحدة بالحفاظ على “اتصالات” مع كييف “بشأن مسألة إمكانية حصول أوكرانيا على التقنيات (الضرورية) لإنتاج الأسلحة النووية”.
في المقابل، وصفت باريس ولندن وواشنطن في بيان مشترك الاثنين اتهامات موسكو لكييف بأنها ترغب في استخدام “قنبلة قذرة” بالـ”كاذبة”.
وقال وزير الخارجية الأوكراني ديميتري كوليبا إنه تحدث مع رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي بهذا الشأن، وإنه “دعا الوكالة الدولية للطاقة الذرية رسمياً لإرسال خبراء على وجه السرعة إلى المرافق السلمية في أوكرانيا”، أي المنشآت التي “تدّعي روسيا بشكل مضلل” بأنّ أوكرانيا تطوّر “قنبلة ذرية” فيها، على حدّ تعبيره.
وأضاف أنّ غروسي “قَبِل. على عكس روسيا، لطالما كانت أوكرانيا وتبقى شفّافة. ليس لدينا ما نخفيه”.
وطلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مساء الأحد ردّا “بأقسى ما يمكن” من حلفائه الغربيين.
وكان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو قد أبلغ الأحد نظراءه الأميركي والفرنسي والبريطاني والتركي، بشأن “مخاوفه المرتبطة باستفزازات محتملة من قبل أوكرانيا عبر استخدام ‘قنبلة قذرة'”.
غير أنّ الأوكرانيين والغربيين يرون في الأمر تهديدا بالاستعداد لهجوم زائف، حيث يشتبهون في أن تكون روسيا مستعدّة لتفجير “قنبلة قذرة” لتبرير تصعيد عسكري، عبر استخدام سلاح نووي تكتيكي ردا على ذلك على سبيل المثال.
وتتكوّن القنبلة الإشعاعية أو “القنبلة القذرة” من متفجّرات تقليدية محاطة بمواد مشعّة معدّة لنشرها في الغبار وقت الانفجار.
ويقول مراقبون إن هناك حقائق على الأرض في أوكرانيا قد تجلب تداعيات عميقة على الاتحاد الأوروبي، في وقت يُظهر الثنائي الفرنسي – الألماني الذي يُعتبر أساسيا في التكتل، علامات ضعف.
ويقول رئيس مؤسسة روبرت شومان جان دومينيك جولياني لوكالة فرانس برس إن الوضع الحالي مواتٍ “لاختلالات جديدة”.
وفوجئت دول أوروبا الغربية، وهي في قلب المشروع الأوروبي تاريخيا، بالغزو الروسي لأوكرانيا، ما يعرّضها اليوم لانتقادات لاذعة من جانب دول أوروبا الشرقية، وخصوصا بولندا ودول البلطيق التي تُعدّ من أكبر داعمي أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.
ويضيف جولياني “اكتسبت دول شرق أوروبا أهمية معيّنة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، بعدما حذّرت شركاءها مدى سنوات من الخطر الذي تمثّله روسيا. إلا أن هذه المخاوف لطالما كان يُساء فهمها من جانب دول أوروبا الغربية ولاسيما الألمان والفرنسيين”.
وتأتي تصريحات للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد اعتبر فيها أن “السلطات الروسية تغذّت من الاستياء والإذلال الناجمين عن تفكك الإمبراطورية السوفييتية”، لتنمّي أكثر نظرة دول أوروبا الشرقية إلى أوروبا الغربية لجهة أنها تجاهلت الخطر الروسي.
ويفيد مصدر دبلوماسي فرنسي لم يرغب بالكشف عن اسمه، أن “هناك غطرسة لدى البولنديين ودول البلطيق المقتنعين بأنّهم كانوا على حقّ بخلاف الجميع. لكن القول إن هناك سلطة معنوية لهذه الدول في هذه الفترة، غير صحيح، إذ أن السلطة المعنوية هي الزعامة وليست أن يكون طرف ما على حقّ”.
غير أن الثنائي الفرنسي – الألماني الذي يُفترض أن يجسّد هذه الزعامة في أوروبا، يبدو متعثّرا: فعلى صعيد السياسة المتّبعة في مجال الطاقة ومشاريع التسلّح المشتركة، تبدو الخلافات عميقة إلى درجة أن باريس وبرلين اضطرتا إلى إرجاء اجتماع للوزراء الفرنسيين والألمان كان مرتقبا الأربعاء، حتى يناير.
كما أُلغي اجتماع برلماني بين فرنسا وألمانيا وبولندا كان مقرّرا السبت.
ألمانيا وفرنسا الثنائي الذي يُفترض أن يجسّد الزعامة في أوروبا، يبدو متعثّرا وسط خلافات عميقة
وتوضح السفيرة الفرنسية السابقة لدى الصين وبريطانيا روسيا سيلفي بيرمان أن الثنائي الفرنسي – الألماني لطالما شهد “أوقاتا عصيبة. يحاول البلدان عموما إيجاد حل توافقي، تحديدا لأنهما لا يتّفقان في البداية. لكننا نشهد بوضوح فترة أزمة والعلاقة الفرنسية – الألمانية تبدو أكثر توترا من أي وقت مضى”.
ولا تبدو المحرّكات البديلة المحتملة تعمل بشكل أفضل، خصوصا منذ استقالة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي المؤيد للاتحاد الأوروبي، الذي ترك الساحة لجورجيا ميلوني بعد انتصار تاريخي لحزبها اليميني المتطرف ذي الخلفية الفاشية في الانتخابات التشريعية الأخيرة.
ويعتبر جولياني أن “ما يُشهد لفرنسا في كلّ مكان، هو رؤية أوروبية، لمعرفة التكيّف بسرعة مع الظروف. إذا بقي ماكرون في موقع متقدم مع اقتراح تدابير فعّالة، قد تُنشئ فرنسا تحالفات ظرفية بناء على المواضيع” المطروحة.
لكن وزيرةً في إحدى دول الاتحاد الأوروبي لم تكشف اسمها، تؤكد أن “الاتحاد الأوروبي يفتقر (عموما) إلى مركز جاذبية واضح، خصوصا بسبب فشل المحور الفرنسي – الإيطالي”. وتضيف “لدينا اليوم حكومة يمين متطرّف في إيطاليا لا تريد على الأرجح التنسيق مع فرنسا من أجل صالح الاتحاد الأوروبي”.
أما في ما يخصّ ألمانيا، فتقول الوزيرة إنها تواجه “صعوبة كبيرة، ما يرغمها على التركيز على مشاكلها الداخليّة”، مشيرة إلى أن المستشار الألماني “أولاف شولتس ليس ضعيفا إلى الدرجة التي يقولها البعض. إنه أفضل من ذلك، لكنّه لم يُظهر هذا الأمر بعد”.
وترى أن مهما حصل فإن وارسو “حتى لو اكتسبت أهمية”، فإنها “لن تحلّ محل برلين أو باريس أو روما”.