القمح الأوكراني يستعجل إزاحة القمح الروسي من مستوردات الغذاء السورية

انقطاع الإمدادات الروسية يثير مخاطر الجوع بين السوريين وسط غموض بشأن إدارة الواردات بعد الإطاحة بنظام الأسد.
السبت 2024/12/14
خزنوا مؤونتكم للأيام السوداء!

في تحول دراماتيكي جديد، سارعت أوكرانيا إلى إبداء استعدادها لتزويد سوريا بالقمح الفترة المقبلة، بعدما أوقفت روسيا الشحنات حتى إشعار آخر، وهو أمر لا يزال من المبكر تحديد نتائجه، إلا أن استمرار الإمدادات من أي مصدر كان سيساعد سكان البلد المنهار اقتصاده بفعل الحرب والجفاف من الإفلات من أزمة جوع محتملة.

كييف/موسكو/دمشق - أكد وزير الزراعة الأوكراني فيتالي كوفال الجمعة أن بلاده، وهي منتج ومصدر عالمي للحبوب والبذور الزيتية، مستعدة لإمداد سوريا بالغذاء بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.

وجاء هذا بعدما ذكرت مصادر روسية وسورية في وقت سابق أن إمدادات القمح الروسية إلى سوريا توقفت بسبب حالة الضبابية في ما يتعلق بالحكومة الجديدة ومشكلات بشأن تأخر الدفع.

واعتادت سوريا على استيراد الغذاء من روسيا في ظل إدارة الأسد، ولم يتضح بعد شكل العلاقات بين دمشق وموسكو في حكم الإدارة السورية الجديدة.

وقال كوفال لوكالة رويترز “حيثما كانت الأمور صعبة، يتعين علينا أن نكون هناك بغذائنا. نحن منفتحون على توريد غذائنا وإذا احتاجت سوريا إليه، فسوف نلبي الطلب.”

وتأثرت صادرات أوكرانيا بالغزو الروسي في فبراير 2022، إذ حد بشدة من الشحنات المرسلة عبر البحر الأسود. وكسرت أوكرانيا منذ ذلك الحين ما كان حصارا بحريا بحكم الأمر الواقع، وأعادت إرسال الصادرات من موانئ أوديسا جنوب البلاد.

فيتالي كوفال: حيثما كانت الأمور صعبة، يتعين أن نكون هناك بغذائنا
فيتالي كوفال: حيثما كانت الأمور صعبة، يتعين أن نكون هناك بغذائنا

وتصدّر أوكرانيا القمح والذرة عادة إلى دول في الشرق الأوسط، لكنها لا تصدرهما إلى سوريا.

ويقول متعاملون إن نحو ستة آلاف طن فقط من الذرة الأوكرانية وصلت إلى السوق السورية في موسم 2023 – 2024 من حجم صادرات الذرة الإجمالي الذي سجل 29.4 مليون طن.

لكنّ محللين قالوا إن كميات صغيرة من الحبوب أوكرانية المنشأ ربما تكون وصلت إلى سوريا من دول مجاورة، ولم تشملها هذه الإحصاءات.

ومنذ سقوط الأسد، الحليف المقرب من روسيا، الأحد الماضي تعبر كييف عن رغبتها في إعادة العلاقات مع سوريا. وقال وزير الخارجية أندريه سيبيها إن كييف مستعدة “لتمهيد الطريق لإعادة العلاقات في المستقبل وتأكيد دعمنا للشعب السوري.”

وتختلف الواردات السورية من عام إلى آخر حسب محصولها. وقبل الحرب كان البلد ينتج ما يصل إلى 4 ملايين طن من القمح في المواسم الجيدة، وهو ما يكفي للاحتياجات المحلية ويسمح ببعض الصادرات.

ومع ذلك أدت الحرب والجفاف المتكرر إلى تراجع حجم محصول البلاد، مما دفعها إلى الاعتماد على الواردات من البحر الأسود للحفاظ على دعم الخبز الضروري لسكانها.

وجاءت الحرب الروسية في أوكرانيا لتزيد الصورة قتامة، إذ ارتفعت الأسعار في الأسواق العالمية بشكل غير مسبوق، وأثار ذلك مخاوف بشأن الأمن الغذائي في بلد تقول الأمم المتحدة إن الاحتياجات فيه وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

ولم تصل سفينتان محملتان بالقمح الروسي كانتا متجهتين إلى سوريا إلى وجهتهما. وكانت روسيا، وهي أكبر مصدر للقمح في العالم، داعمة بشدة لبشار الأسد وزوّدت سوريا بالقمح من خلال ترتيبات مالية ولوجستية معقدة، والتفّت حول العقوبات الغربية المفروضة على البلدين.

60

في المئة من السوريين يعانون أساسا من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب والجفاف

وتعني العقوبات والصراع السوري الذي استمر لأكثر من 13 عاما أن نظام الأسد كان يفتقر أيضا إلى السيولة المالية الكافية، مما جعل روسيا مصدرا جاذبا نسبيا لشحنات القمح الأرخص.

وأوضح مصدر روسي مقرب من الحكومة لرويترز أن الإمدادات إلى سوريا جرى تعليقها لقلق المصدرين حيال الغموض بشأن من سيدير واردات القمح على الجانب السوري بعد تغيير السلطة في دمشق.

وذكر المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف، “أعتقد أنه لا أحد يجرؤ على توريد القمح إلى سوريا في ظل الظروف الحالية.”

وتظهر بيانات الشحن أن السفينة ميخائيل نيناشيف راسية قبالة الساحل السوري، بينما تتجه السفينة ألفا هيرميس نحو ميناء الإسكندرية المصري بعد أن بقيت قبالة الساحل السوري لعدة أيام.

وكانت المؤسسة العامة لتجارة وتخزين الحبوب (السورية للحبوب) تجري مناقصات لشراء القمح، لكنها اعتمدت بشكل متزايد على شبكة من الوسطاء الدوليين للحصول على الإمدادات الروسية رغم العقوبات.

وتؤكد المعارضة التي أطاحت بالأسد عبر حملة خاطفة في دمشق الأسبوع الماضي سلطتها على الدولة السورية من خلال نشر شرطة وتشكيل إدارة مؤقتة.

300

ألف طن صادرات القمح إلى سوريا بلغت منذ بداية الموسم الحالي

ومع ذلك، لم تنشئ بعد إدارة جديدة في المؤسسة أو هيئة أخرى لاستيراد السلع، وفقا لمصادر سورية طالبة عدم الكشف عن هوياتها.

وقال مصدر سوري لرويترز إن “الشحنات تأجلت بسبب عدم اليقين إزاء المدفوعات وإن روسيا والحكومة المؤقتة على اتصال بشأن تلك المسألة.” وذكر مصدر بالقطاع في روسيا أن المُصدرين الروس على اتصال بالجانب السوري.

وأكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الجمعة إن بلاده أجرت اتصالا مباشرا مع هيئة تحرير الشام بهدف الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا. ولم يعلّق على تجارة القمح.

وذكر مصدر بالقطاع في روسيا أن 60 ألف طن من القمح مُحملة على السفينتين قد تُباع لمشتر آخر نظرا لعدم سداد الجانب السوري لمدفوعات مقابل قمح جرى تسليمه.

ويمكن للسفينتين تحميل 33 ألف طن من القمح في المجمل. ومع ذلك، تجري تجارة الحبوب الروسية مع سوريا باستخدام سفن سورية خاضعة للعقوبات، والتي لا يمكن رؤيتها على أنظمة التتبع.

وأوضح إدوارد زيرنين رئيس اتحاد منتجي ومصدري الحبوب في روسيا لرويترز هذا الأسبوع أن مصدري الحبوب الروس لا يعتزمون وقف توريد القمح إلى سوريا من جانب واحد.

وقدر زيرنين واردات سوريا من القمح بنحو مليوني طن سنويا. وقال إنها “ليست مستهلكا رئيسيا”. ومع ذلك فإن أي خلل في إمدادات القمح الروسي قد يتسبب في مجاعة في البلاد التي يفوق عدد سكانها الـ23 مليون نسمة.

ويهدد تقلص الواردات وانخفاض الإنتاج 60 في المئة من السوريين الذين يعانون أساسا من انعدام الأمن الغذائي، في بلد غالبية سكانه يعيشون تحت خط الفقر.

وأشار دميتري ريلكو من شركة إيكار للاستشارات إلى أن صادرات القمح إلى سوريا بلغت 300 ألف طن منذ بداية الموسم الحالي، إذ جاءت في المرتبة 24 بين المشترين من روسيا.

11