القمة العربية.. نقائص وإيجابيات تونسية

هناك إجماع رسمي على نجاح تونس في تنظيم الدورة الثلاثين للقمة العربية، لكن هذا لا ينفي وجود نقائص يبدو أنه كان من الصعب تلافيها، في ظل الواقع المعيش بالبلد الذي دشّن ما سمي بثورات الربيع العربي، ولا يزال عالقا في دوامة الانتقال السياسي والاقتصادي
قد يكون لافتا أن تونس الدولة التي تفخر بأن لها بنية سياحية متقدمة، والتي تعتمد في جانب كبير من اقتصادها على الجانب السياحي، ويطمح وزير السياحة فيها إلى استقطاب عشرة ملايين سائح خلال الموسم الحالي، واجهت مشكلة في إقامات الوفود الرسمية خلال القمة، خصوصا بعد أن تم حجز أهم فنادق ضاحية قمرت للوفد السعودي بمناسبة زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز التي سبقت اللقاء العربي الكبير، حيث تبين أن أغلب الوحدات الفندقية غير مهيّأة لسياحة المؤتمرات ولاستقبال كبار الزوار، وإنما هي موجهة للسياحة الرخيصة، أو لسياحة العبور، بما في ذلك تركيبة الأسرّة وطبيعة الخدمات.
وقد كان طريفا أن يلتجئ الوفدان الإعلاميان السعودي والقطري إلى الإقامة في فندق واحد يقع بالقرب من قصر المؤتمرات ومن مدينة الثقافة التي احتضنت المركز الإعلامي للقمة، بما مثله ذلك من حرج للعديد من أعضاء الوفدين، كما كان مثيرا أن أحد الرؤساء العرب ألغى مأدبة عشاء على شرف بعض الضيوف عندما اكتشف أن الفندق الموجود في ضاحية البحيرة، وهو من فنادق “الحلال” غير قادر على توفير مستلزمات تلك المأدبة.
ربما لم يتمّ الحديث عن تلك النقائص، باعتبار أن أغلب القادة والزعماء لم يقضوا أكثر من ليلة واحدة في تونس، ومنهم من وصل إلى مطار تونس قرطاج وغادره في اليوم ذاته، ولكن المؤكد أن الجهات المكلفة بالتنظيم لا تتحمّل المسؤولية في ذلك. فالقضية تتعلق بوضعية السياحة التونسية ككل، وهي وضعية تحول دون استقطاب السائح الثري، أو سياحة المؤتمرات الكبرى، وتبقي على تونس كواحدة من وجهات السياحة الرخيصة للسائح الأجنبي، في حين تبقى سياحة مكلفة للسائح المحلي.
هناك نقطة أخرى لا بد من الوقوف عليها، فالقمة العربية استقطبت أكثر من ألف صحافي وإعلامي، 600 منهم، على الأقل، هم أجانب جاؤوا من أغلب دول العالم، ويمثل الجانب الأكبر منهم مؤسسات إعلامية كبرى وذات تأثير بالغ في صناعة الرأي العام، ولكن هل استغلت الجهات المسؤولة هذا الحدث في الاستفادة من هذا الحضور الكبير؟
الجواب ببساطة لا، حيث لم تعمل، سواء الجهات المتخصصة في السياحة أو الاستثمار أو التصدير، أو في الترويج لصورة تونس الحالية، على إعداد خطة لتمكين الصحافيين العرب والأجانب من ملفات صحافية كان يمكن أن تتضمن معلومات ووثائق وأفلاما وصورا وكتبا ومطويات وغيرها عن تاريخ البلاد وحضارتها وثقافتها وطبيعتها ومنتجاتها الزراعية والصناعية، وعن تاريخ الإصلاح الاجتماعي الذي عرفته عبر تاريخها.
فالصحافي الزائر كان يمكن أن يستفيد في تلك المعطيات عندما يعود إلى بلاده، وقبل ذلك كان لا بد من إشعاره بأنه زائر محلّ ترحاب، فالدولة المضيفة ما كانت لتخسر الكثير لو كانت وفرت بوفيهات مفتوحة، ومشروبات ساخنة وباردة، وحلويات محلية، يشرف على إعدادها وتوزيعها فريق فندقي محترف، أو من شركة الخطوط التونسية، التي كانت ستستفيد دون شك من الدعاية الإيجابية التي كانت ستتحقق بذلك.
القمة العربية شهدت محاولات للتشويش عليها من قبل بعض الأطراف التي تعتقد أن الإساءة للضيوف باسم الحريات المتاحة ستخدم البلاد، والواقع أن على التونسيين، إذا كانوا يطمحون إلى خدمة وطنهم، أن يدركوا أن خلافاتهم يجب أن تكون حول سياساتهم الداخلية، وأن يتجنبوا التجاذب على السياسات الخارجية، خصوصا وأن تونس البلد الصغير محدود الإمكانيات يحتاج إلى الدعم الخارجي وخاصة إلى الاستثمارات والمساعدات وإلى التعاون مع الأشقاء، وأن العالم في مرحلته الحالية هو عالم المصالح والتكامل ويدار بالعقل والأرقام، وليس بالشعارات والخطاب الشعبوي الذي يحسب أصحابه أنهم وحدهم من يمتلكون الحقيقة، أو أنهم أوصياء على الشعوب والمجتمعات الأخرى.
ولا شك أن هناك من أدرك أن تونس تتكلم لغة عربية هي اللغة المعتمدة في أكثر من 20 دولة أخرى، وبالتالي فإن كل ما يقال سلبا أو إيجابا سواء في وسائل الإعلام أو في مواقع التواصل الاجتماعي، يصل إلى الجميع، وبالتالي يحدد مواقف الشعوب والدول والحكومات من بعضها، ولذلك فإن الدول كانت لا تأذن بإنهاء أي خلاف في ما بينها، إلا بإنهاء الحملات الإعلامية الموجهة، كان ذلك في زمن سيطرة الدولة على الإعلام، وسيبقى معتمدا حتى في ظل فوضى الإعلام ووسائل الاتصال، ولن آتي بجديد إن قلت إن من أكبر مشاكل تونس الحالية في علاقاتها مع دول عربية عدة، هو تداخل الخاص بالعام، والحكومي بالحزبي، والعمومي بالشعبي فالشعبوي، والعقائدي بالسياسي والاجتماعي، بما يجعل التجاذبات حول العلاقات الخارجية مرآة تعكس الصراعات في الداخل.
ولكن كل هذا لا يغطي على حقيقة مهمة، وهي أن تونس نجحت في تنظيم القمة عندما أثبتت أن الدولة عندما تريد تستطيع، وأن لديها أجهزة قوية لا تزال قادرة على رفع التحديات. فالأمن الرئاسي قدم نموذجا متميزا للقدرة على التخطيط والانضباط وتوزيع إمكانياته على مساحة التحرك بشكل مثير للإعجاب، وكذلك فعلت كل الأجهزة سواء كانت تابعة لوزارة الدفاع أو الداخلية أو أجهزة الحكم المحلي والتلفزيون العمومي وديوان الإرسال وبقية المؤسسات ذات الصلة، واستطاعت الرئاسة التونسية بتوافق مع أجهزة الحكومة على أن تعطي وجها جميلا ومشرقا لبلادها على الأقل في المناطق التي شهدت وصول وإقامات ومرور واجتماعات القادة والوفود.
ولكن نجاح القمة يعني كذلك أن رئاستها الدورية آلت إلى الرئيس الباجي قائد السبسي، وبالتالي إلى تونس التي ستكون من خلال هذا الموقع ناطقة باسم العرب، وبالدفاع عن قضاياهم، وعن مواقفهم، وعن التحديات التي تواجههم والأطماع التي تترصدهم، وبالتي فإن على أصحاب الأجندات المناقضة، أن يحترموا هذه الوضعية، خصوصا ونحن على أعتاب مرحلة قد تنتقل فيها الرئاسة إلى شخصية أخرى، ليس من المؤكد أنها ستمتلك نفس توجهات ورؤية وقناعات ودهاء الرئيس قائد السبسي.