القمة الثقافية - أبوظبي تستكشف أدوار الثقافة في بناء مفهوم الزمن

أبوظبي - تتواصل أعمال الدورة السادسة من القمة الثقافية – أبوظبي 2024 بمنارة السعديات إلى غاية اليوم الثلاثاء، حيث انطلقت الأحد ببرنامج استثنائي من الكلمات الرئيسية والحوارات الإبداعية والجلسات الحوارية والعروض الثقافية بمشاركة نخبة من قادة الفكر العالمي من أكثر من 90 دولة تحت شعار “مسألة وقت” وتستمر 3 أيام.
استكشفت القمة في يومها الأول دور الثقافة في خلق الذكريات الجماعية مع النظر في بدائل للمفهوم الخطي للوقت.
ورحب محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي في كلمته الافتتاحية بالحضور في أبوظبي، وقال “تنعقد القمة الثقافية – أبوظبي لهذا العام تحت شعار ‘مسألة وقت’، ليكون بمثابة دعوة لنا جميعاً للتوقف والتأمل في أن القمة الثقافية ليست مجرد كلمات نلقيها، بل ستتم من خلالها مناقشة قضايا حيوية سعيا لإيجاد حلول ملموسة تلبي احتياجات المجتمعات العالمية وستتيح لنا الثقافة فهم واحترام وقبول ثقافة الآخر والحفاظ عليها، ولا شك أنه عندما نصل إلى هذا المستوى من الانسجام والتناغم فإننا سوف نخلق عالماً فريداً من الحوار والتفاهم يستوعب فيه كل منا الآخر”.
وقدم المبارك الشاعر والفيلسوف العالمي أدونيس الذي ألقى الكلمة الرئيسية الأولى في القمة وركز فيها على شعار القمة ‘مسألة وقت’ ووضع إطاراً لعلاقة الإنسان بالأزمنة، وقدرته على الإبداع، وإمكانات الآلة في تحقيق حلم الإنسان، وهيمنة الآلة على الزمن الراهن، مؤكداً أن قوة الإنسان تكمن في قدرته على طرح الأسئلة، أكثر مما تكمن في قدرته على تقديم الإجابات.
وقال أدونيس “ليس الزمن آلة.. بل الإنسان هو الذي يبتكره، ثانية بثانية”، وتساءل “كيف أمكن أن يصبح الإنسان، مبدع الآلة وسيدها، تابعاً لها، ولماذا؟”، موضحا أن “العلة ليست في الآلة نفسها، أو في زمنها، وإنما العلة في العقل الذي يستخدمها، العلة في الإنسان نفسه”.
وربط أدونيس بين الزمن والحرية، مشيراً إلى أنه “لا زمن لمن يعيش ويفكر ويعمل تابعاً لزمن الآخرين”، مختتماً كلمته بقوله “قل لي ما زمنك، وسوف أقول لك ما مكانك ومن أنت”.
كما عقدت القمة جلسة حاورت فيها الإعلامية منى الشاذلي الفنان الإماراتي والسفير فوق العادة للنوايا الحسنة حسين الجسمي ضمن برنامج “حوارات إبداعية”.
تطرق الحوار إلى عدد من المحاور شملت أهمية عامل الوقت في صناعة الفنان، وأهمية رعاية المبدعين ودور الإمارات بصفتها حاضنة للإبداع والتناغم الثقافي، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الحركة الفنية والإبداعية.
وأشار الجسمي إلى أن دولة الإمارات تولي المبدعين رعاية خاصة لاسيما في مراحل مبكرة من بداية تشكل الموهبة وصقلها. وسرد تجربته الشخصية في مشواره الفني الذي حصل خلاله على دعم كبير من بيئته المحيطة ودولته.
وفي سياق أهمية دعم الإبداع، قال الجسمي إنه حالياً يعمل مع الجهات المختصة من مؤسسات وجهات مختلفة على تنفيذ مشروع فني طموح لاكتشاف ورعاية المواهب بالتعاون مع المدارس، يشمل الموسيقى والغناء والتذوق الفني الذي يؤمن بأنها عوامل تسهم في خلق أجيال أكثر قدرة على الإبداع، من خلال منصات متخصصة قادرة على دعم المواهب الواعدة والاستثمار فيها، بما يمنح احتراف الفن تقديراً مجتمعياً أكبر.
القمة تناقش قضايا حيوية سعيا لإيجاد حلول ملموسة تلبي احتياجات المجتمعات العالمية وتكريس ثقافة التسامح والانفتاح
وعن أهمية التنوع الثقافي في عمل المبدعين والمثقفين أوضح الجسمي أن التبادل الثقافي يأتي يداً بيد مع قدرة الحضارات والمبدعين، على حد السواء، على التعايش وخلق التناغم والانسجام ليقدموا حركة إبداعية فنية متكاملة الأركان، وأشار إلى أن الإمارات هي خير مثال على ذلك التناغم، من خلال احتضان سكان من أكثر من 200 جنسية على أرضها، ما يعني أكثر من 200 ثقافة يتم تداولها على مختلف الأصعدة، وهو ما يعد كنزاً ثقافيا ويسهم حتماً في إثراء المخزون الثقافي للمبدع، مع بقاء التحدي الحقيقي في الحفاظ على الهوية حاضرة في كل مراحل التطور.
ولدى سؤاله عن أهمية الذكاء الاصطناعي في الصناعات الثقافية والإبداعية، قال الجسمي إن الحد الفصل في هذا هو التشريعات والقوانين الناظمة التي تضمن حقوق المبدعين، مؤكداً أن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لا يشكل خطرا على المبدعين، لكن لا بد أن تواكب التشريعات احتياجات القطاع.
وأشاد في ختام حديثه بجهود دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي وحرصها على حماية حقوق الملكية الفكرية وتشجيع المبدعين على تسجيل حقوقهم الفكرية، داعيا المبدعين من مختلف مناطق العالم إلى المجيء إلى دولة الإمارات لتسجيل حقوقهم الفكرية وحمايتها، حيث تضمن المنظومة التشريعية حماية حقوقهم.
وشارك وول سوينكا، الحائز على جائزة نوبل للآداب والكاتب المسرحي وأستاذ المسرح في جامعة نيويورك أبوظبي، في ندوة حوارية إبداعية مع مانثيا دياوارا، الأستاذة في قسم دراسات السينما في كلية تيش للفنون بجامعة نيويورك، لمناقشة تعقيدات الثقافة الأفريقية والقضايا المتعلقة بالهوية وكذلك الاختلافات في الأيديولوجيات في جميع أنحاء القارة ونهب الأعمال الفنية والتحف. واستكشفت إحدى الجلسات الحوارية بعنوان “معارف السكان الأصليين حول العيش المستدام” منظوراً بديلاً لمفهوم الوقت.
وأظهرت أعمال أربعة فنانين من مجتمعات السكان الأصليين استضافتهم الجلسة، وهم إيرينا بيكر- أرابيري وسارة هدسون من ماتاهو للفنون ودانيال بويد من دانييل بويد للفنون ونيكولاس جالانين، أنه يمكن النظر إلى الوقت على أنه سلسلة متصلة، حيث ترتبط المعرفة الحية من خلال الذكريات والإمكانيات الجماعية.
وتنظم دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، القمة الثقافية التي تستمر حتى الخامس من مارس الجاري بالتعاون مع عدد من الشركاء العالميين من مختلف الخبرات والمجالات، من الثقافة والفنون إلى الإعلام والتكنولوجيا، من أبرزهم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، وإيكونومست إمباكت، ومتحف التصميم في لندن، وشركة غوغل، ومتحف ومؤسسة سولومون آر جوجنهايم، والأكاديمية الوطنية لتسجيل الفنون والعلوم، وعدد من الشركاء الإضافيين، منهم أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، ومعهد العالم العربي، وبيركلي أبوظبي، ونادي مدريد، والمجمع الثقافي، والاتحاد الدولي لمجالس الفنون ووكالات الثقافة، وإيمج نيشن أبوظبي، واللوفر أبوظبي، وجامعة نيويورك أبوظبي، ومنتدى ثقافة المدن العالمية، وغيرهم.