القلق يسيطر على المصريين من التعويم الخفي للجنيه

صعود قيمة العقود الآجلة للعملة الأميركية يهدد بعودة انتعاش السوق الموازية.
الثلاثاء 2024/12/10
إلى أين وصل السعر اليوم؟

حملت تصريحات رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي بشأن تحريك سعر العملة مخاوف جديدة من استمرار تراجع الجنيه، مع الارتفاع الذي شهده الدولار في البنوك المحلية خلال الأيام القليلة الماضية، كما أن القاهرة تريد برهنة تطبيق مرونة حقيقية للعملة أمام صندوق النقد الدولي لتحصل على التمويل بشكل منتظم.

القاهرة - يراقب الكثير من المصريين تحركات سعر الجنيه خلال المرحلة القليلة المقبلة، وسط هواجس من حدوث تعويم جديد بصورة خفية هذه المرة، حيث يعتمد البنك المركزي زيادات طفيفة من وقت لآخر، متخليا عن الزيادة المباشرة، كما حدث في مرات سابقة.

وعلى الرغم من نفي السلطات ذلك، إلا أن شريحة كبيرة من المواطنين أظهرت قلقا من انخفاض جديد قد يعصف بقيمة الجنيه، خاصة أن الارتفاع الطفيف يمكن أن تعقبه زيادات في معدلات التضخم.

وأعلنت السلطات منذ مارس الماضي أنها تنتهج سياسة سعر الصرف المرن بعد تعويم الجنيه ليتحدد وفقاً لآليات السوق، وهذا يعني أن سعر العملة يشهد دورات متغيرة من الصعود والاستقرار والهبوط، حسب التوقيت أو الموسم.

ولذلك فإن الوقت الراهن وتحديدا شهر ديسمبر يزداد فيه طلب الشركات الأجنبية على الدولار لتحويل الأرباح قبل نهاية 2024، ما يدفع العملة الأميركية للارتفاع، كما أن قرب شهر رمضان يزيد الطلب على الدولار للوفاء بقيمة استيراد سلع مختلفة لزوم احتياجات وعادات الشهر الكريم.

مجدي شرارة: ارتفاع قيمة الدولار دليل على مرونة سعر الصرف
مجدي شرارة: ارتفاع قيمة الدولار دليل على مرونة سعر الصرف

وأدت خطوة المركزي بتوجيه البنوك العاملة في السوق المحلية بتحديد الاعتمادات المستندية للسلع غير الأساسية التي يستوجب استيرادها موافقة مسبقة منه، لزيادة الطلب على الدولار، حيث رفعت القيود على استيراد هذه السلع.

وتخلى المركزي عن إلزامه البنوك في مارس 2022 بعدم تمويل أي سلعة من قائمة تضم 13 سلعة غير أساسية، إلا بعد مخاطبته وتلقي موافقته أولا.

وتضم القائمة المسموح لها بالاستيراد وباتت تمثل ضغطا جديدا على الدولار، السيارات كاملة الصنع، والجوالات وكمالياتها، والنباتات والبذور الغذائية، والفواكه الطازجة، والكاكاو، والمجوهرات، والأجهزة الكهربائية، والملابس الجاهزة، ولعب الأطفال، والإطارات، والمفروشات والأثاث، والمعدات الثقيلة.

وشهدت الأيام الماضية ارتفاعًا في سعر الدولار بالسوق المحلية مع ارتفاع الطلب، وسجل مستويات تاريخية، ما دفع البعض إلى زيادة قناعتهم بوجود تعويم جديد للجنيه، مع مقارنته بالعقود الآجلة للدولار التي يلامس فيها مستوى 59 جنيها.

وتبرر القاهرة الارتفاعات بأن ما يحدث يأتي في إطار سوق حرة وعرض وطلب ومع التزام السلطات بسعر صرف مرن فإن هذا الوضع طبيعي، كما أن توفير الدولار للمستوردين والمستثمرين بانتظام يقوي شوكة السلطات مع تقبلها هذا الوضع بعيدًا عن الالتفات للمواطنين.

وقال الخبير الاقتصادي مجدي شرارة إن الارتفاعات الراهنة للعملة ” تؤكد تفعيل آلية سعر الصرف المرن الذي وعدت به الحكومة صندوق النقد” متوقعا استقرار سعر الدولار في مصر عند مستويات 50 إلى 52 جنيها الفترة المقبلة.

59

جنيها قيمة الدولار حاليا في العقود الآجلة المقومة بالعملة الأميركية، وفق المؤشرات

وأوضح لـ”العرب” أن الصعود الحالي للدولار لا يعني أن البنك المركزي يترك الجنيه ليتحرك بشكل مرن تماما، لكنه يتدخل في أوقات يراها مناسبة لضبط إيقاع السوق، وكي لا يحدث انفلات لسعر الدولار، وهو إجراء متعارف عليه لدى صناع السياسة النقدية عالميًا.

ويصف محللون تصريحات مدبولي بأن سعر صرف الجنيه قد يشهد ارتفاعا أو انخفاضًا في حدود 5 في المئة الفترة المقبلة، بأنه غير موفق، إذ تم أخذه على محمل واحد لدى بعض التجار والمستثمرين وهو أن سعر الدولار سيرتفع وينبغي التحوط من ارتفاع التكاليف المستقبلية عبر زيادة أسعار السلع.

وحذر خبراء من أن تطفو السوق الموازية أو السوداء على السطح مجددا بالتزامن مع التركيز على العقود الآجلة، إذ ترهق هذه السوق معنويات المتداولين في اللحظة الحالية، واستعدادهم للمضاربة على العملة.

أما سوق العقود الآجلة تعبر أكثر عن الرؤية المستقبلية، وغالبا ما تخطئ هذه السوق في تقدير السعر الفعلي للعملة، لكنها أكثر سيولة وشفافية من السوق الموازية.

وصعد سعر الدولار مقابل الجنيه المصري حسب عقود الجنيه الآجلة غير القابلة للتسليم أجل 12 شهرا لمستوى قياسي عند 58.85، وفق آخر تعاملات تم رصدها.

سعيد يونس: صعود العملة الأجنبية مؤقت وأتوقع ثبات التضخم
سعيد يونس: صعود العملة الأجنبية مؤقت وأتوقع ثبات التضخم

وبدأ الصعود الحالي لأعلى مستويات 56 جنيها للدولار في منتصف شهر سبتمبر الماضي، وتسارعت وتيرة الصعود حتى لامست عقود الدولار أجل 12 شهرا قمتها مقابل الجنيه في الثلاث أشهر الماضية، حسب شاشة أسعار العقود الآجلة للجنيه.

كما ترسم العقود الآجلة صورة متوقعة لسعر العملة، وربما تكون غير دقيقة مع طول فترة المقارنة ومساعي السلطات المصرية لفتح أكثر من نافذة لتدفق العملة الصعبة بخلاف الشريحة الجديدة المرتقب الحصول عليها من صندوق النقد الدولي.

وتتأثر السوق الموازية للعملة بتقديرات المتعاملين الأفراد أكثر من عمليات كبيرة قد تجريها الشركات لتدبير احتياجاتها لتغطية خطابات الاعتماد المستندي والتحويلات.

وأكد خبراء أن تحركات الدولار في مصر وارتفاعاته الأخيرة لا تعني حدوث تعويم جديد، معلن أو خفي، حال مقارنتها بتصريحات رئيس الحكومة، لأن التعويم يكون بخفض سعر الجنيه بنحو 15 و20 في المئة وليس بتحركات في نطاق 5 في المئة، كما هو متوقع للجنيه.

وذكر عضو جمعية مستثمري السويس سعيد يونس أن التحركات الحالية في سعر الجنيه وهبوطه أمام الدولار، من الأوضاع الطبيعية كي تبرهن مصر لصندوق النقد أنها توفر سعر صرف مرنا، فضلاً عن الطلب الحالي على الدولار من قبل الأجانب من أجل تحويل الأرباح.

ونفى في تصريح لـ”العرب” حدوث ارتفاعات في التضخم، لأن الأسعار وصلت قمتها، والصعود الحالي للدولار مؤقت وقد يستمر سعر العملة في مصر عند المستويات الحالية أو بالقرب منها صعودًا.

واعتبر مدبولي الأحداث الإقليمية والتقلبات الدولية جزءا من تحركات الجنيه، لأن مع ما حدث في أنحاء العالم، ترتبت عليه زيادة قوة الدولار مقارنة بجميع العملات الأخرى، كما أنه جزء من منظومة عالمية موجودة، وبطبيعة الحال يتعرض للتراجع أمام الدولار.

ولطمأنة المواطنين دعا رئيس الحكومة إلى عدم القلق من اقتراب سعر صرف الدولار من 50 جنيهًا، قائلا إنه “حال وجود زيادات في سعر صرف الدولار بالبلاد، فإن ذلك سيتبعه هبوط لاحقا” أيضا.

10