القطط في أرقى أحوالها

كانت القطط مقدسة لدى قدماء المصريين. لا أعرف لماذا كانت كذلك. وحين أطلقوا لقب القطط السمان على الأثرياء المشكوك بمصادر ثرائهم فقد خرجوا على ذلك المعنى.
لقد انتقلوا من القداسة إلى الفساد. صارت القطط رمزا للفساد. صار على المرء أن يحذر من حب القطط لئلا يُتهم بالفساد.
وعلى العموم فإن المصريين لا يحبون تربية القطط في بيوتهم ولكنهم لا يستاؤون من وجودها في الأماكن العامة كالمطاعم والمقاهي والنوادي. غالبا ما تشعر أنك محاط بالقطط.
في إتيليه القاهرة عشت أجواء حوار عاطفي بين قطة وهر. نوع من الهذيان الممتع هو أجمل بكثير من صخب أبواق السيارات الذي تعج به الشوارع.
في نادي الجزيرة الذي كان موقعا للمغامرات العاطفية في الأفلام المصرية القديمة رأيت عددا من القطط لم أره في حياتي.
ربما كان عدد القطط أكثر بكثير من عدد الجالسين من البشر في مطاعم ومقاهي ذلك النادي العريق.
لم يكن هناك أي نوع من الاعتراض ولم أسمع صرخة استياء واحدة تُطلق في وجوه القطط.
كان كل شيء عاديا كما لو أن القطط هي الأخرى نالت عضوية النادي. ما أدهشني أن أحدهم طلب طعاما لقطة صارت جليسته.
يمكنك أن تكتشف الغرباء حين ترى أحدهم يقوم بطرد قطة وقد تُقابل تلك الحركة بنوع من عدم الرضا.
وبالرغم من أن تلك القطط لا تحمل أسماء كالقطط البيتية غير أنها تتصرف كما لو أن المكان مكانها وهي لا تشعر بالخوف ولا تستجيب لرغبة الغرباء في طردها أو محاولة إبعادها.
إنها تتفهم أن هناك نوعا من سوء الفهم وتتسامح مع الخطأ الذي تعتبره غير مقصود. كائنات أليفة. مَن قال إن الكائنات الأليفة لا تزعج؟
الأمر بالنسبة إلى علاقة المصريين بالقطط مختلف. لا أحد يشعر بالانزعاج. القطط تعرف ذلك. لذلك لا يربي المصريون كما أتوقع القطط في بيوتهم فهي كائنات حرة تفعل ما تريد وترتاد الأماكن التي تتمتع فيها بحريتها. الأهم في الأمر كله أن القطط موجودة في الأماكن العامة ليس بعيدا عن إرادة البشر.
هناك نوع من التواطؤ بين الطرفين. حياة مشتركة يشعر فيها الطرفان بالأمان. فإذا كان المصريون القدماء قد أضفوا على القطط نوعا من القداسة، فإن مصريي اليوم يهبونها سلاما لا تتمتع به الحيوانات إلا في المجتمعات الراقية التي تهتم بالرفق بالحيوان ورعايته.
ذلك ما يؤكد أن التقاليد العريقة تبقى راسخة ليتشكل منها جوهر العلاقات بين البشر ومحيطهم.