القطاع الخاص يُقوي متانة اقتصاد السعودية أمام التقلبات

تعطي تقييمات المحللين بشأن قدرة الاقتصاد السعودي على مواجهة الرياح العالمية المعاكسة هذا العام والمقبل المزيد من الشحن المعنوي للبلد بغية المضي قدما في سياساته الإصلاحية مدعوما بنشاط القطاع الخاص، الذي أظهر قوته في دفع عجلة النمو بثبات.
الرياض - غلبت التقديرات الإيجابية على تقرير حديث أصدرته وكالة موديز للتصنيف الائتماني بشأن الاقتصاد السعودي حينما أشار إلى قدرة هذا الاقتصاد على مواجهة التحديات بفضل أداء القطاع الخاص غير النفطي.
ولطالما أكد المحللون خلال السنوات الأخيرة أن زيادة قوة القطاع غير النفطي ستساعد السعودية في تعزيز متانة مركزها المالي رغم استمرار الرياض في الاعتماد بشكل كبير على صادرات الطاقة لرفد خزينة الدولة.
ورفع خبراء موديز توقعاتهم لمعدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لأكبر منتج للنفط في العالم خلال 2023 و2024 بدعم من نشاط القطاع الخاص غير النفطي.
ووفق تقرير “رؤية الاقتصاد العالمي” الصادر الأربعاء، تتوقع الوكالة نمو الاقتصاد السعودي بواقع 2.5 في المئة خلال العام الجاري مقابل توقعات سابقة بنمو 1.7 في المئة، وكذلك رفعت توقعات النمو إلى 3.1 في المئة خلال العام المقبل مقابل 2.6 في المئة سابقاً.
وقالت موديز إن “زخم النمو في النصف الثاني من العام الماضي يدعم استمرار نمو اقتصاد السعودية في العام الجاري”.
ونما أكبر اقتصاد في المنطقة العربية بنسبة 5.4 في المئة خلال الربع الرابع من العام الماضي، بدعم الأنشطة غير النفطية ليرفع معدل النمو السنوي إلى 8.7 في المئة، وهو الأعلى منذ عام 2011.
وتتماشى رؤية موديز مع بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادر الشهر الماضي والتي تقيس أداء القطاع الخاص غير النفطي، حيث ارتفع مستوى الثقة بين شركات القطاع الخاص غير المنتج للنفط في السعودية خلال يناير إلى أعلى معدلاته في عامين.
وارتفع المؤشر الرئيسي لمديري المشتريات إلى 58.2 نقطة في يناير مقابل 56.9 نقطة في شهر ديسمبر، وهو ثاني أعلى مستوى مسجل منذ شهر سبتمبر 2021، بعد مستوى شهر نوفمبر المرتفع والذي كان الأعلى في سبع سنوات.
وقدمت الشركات السعودية توقعات قوية للعام المقبل مدعومة بالتدفقات القوية للطلبات الجديدة، والسعة الإنتاجية العالية، وزيادة النشاط وزيادة التوظيف في ظل تراجع ضغوط الكلفة.
وفي الوقت الذي واجهت فيه معظم الدول الصناعية تراجعا في نسب النمو مع أزمة الطاقة التي ضربت العالم العام الماضي بسبب حرب أوكرانيا، حققت السعودية أكبر نسبة نمو بين دول مجموعة العشرين بنحو 8.7 في المئة، وهي النسبة الأعلى منذ 2011.
واستفاد البلد من ارتفاع أسعار النفط فوق مئة دولار للبرميل كمعدل سنوي في 2022، محققا عائدات ضخمة من صادرات النفط بلغت 326 مليار دولار، بنسبة نمو بلغت 61.4 في المئة.
لكن زيادة إنتاج السعودية للنفط بمستوى غير مسبوق كانت أحد أسباب ارتفاع عائداتها، حيث بلغ متوسط إنتاجها 10.53 مليون برميل يوميا، ارتفاعا من 9.114 مليون برميل يوميا في 2021، بحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك).
ولم يقتصر النمو على قطاع النفط، بل حققت الصادرات خارج الوقود أكثر من سبعين مليار دولار من العائدات وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
وبعد أن سجلت الميزانية عجزا منذ 2014، حققت أول فائض لها العام الماضي، ولم يكن ذلك نتيجة ارتفاع أسعار النفط فقط، بل ساهم خفض البلاد من حجم انخراطها في الحرب اليمنية في تراجع إنفاقها العسكري.
واضطرت الحكومة إلى تغطية العجز عبر السحب من احتياطات النقد الأجنبي التي تراجعت من نحو 733 مليار دولار قبل تسع سنوات إلى نحو 440 مليار دولار في مايو 2021.
ومع تحقيق الميزان التجاري فائضا بأكثر من 222 مليار دولار بنهاية العام الماضي، من المرتقب أن ينتعش احتياطي النقد الأجنبي ويحقق أرقاما أعلى.
وبمقارنة سنوية سجل فائض الميزان التجاري قفزة العام الماضي، الذي تم فيه تسجيل 123.3 مليار دولار فائضا، أي بزيادة تقدر بأكثر من ثمانين في المئة.
ولعب ارتفاع الصادرات الدور الأبرز في تحقيق هذا الفائض التجاري، بعدما بلغت أكثر من 410 مليارات دولار، بارتفاع نسبته 48.6 في المئة على أساس سنوي.
كما سجلت قيمة الواردات ارتفاعا هي الأخرى، ولكن بنسبة أقل من الصادرات بلغت 23.2 في المئة أو ما يعادل 188.3 مليار دولار.
ورغم أن السعودية معروفة كبلد نفطي، إلا أن حجم صادراتها غير النفطية بلغ رقما مذهلا، يعادل أكثر من ضعف عائدات ليبيا من النفط، والتي تملك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، وثالث أكبر مُصدر للنفط في القارة، بقيمة 22 مليار دولار.
رؤية الوكالة تتماشى مع تأكيد مؤشر مديري المشتريات ارتفاع الثقة بين الشركات في يناير 2023 إلى ذروة عامين
وبلغت الصادرات السعودية غير النفطية 70.8 مليار دولار، أي بزيادة تسعة مليارات دولار خلال عام واحد فقط، وهو ما يعادل نسبة نمو 14.8 في المئة على أساس سنوي.
ويقول محللون إن هذا يعني أن السعودية متجهة بخطوات متسارعة نحو تنويع اقتصادها وفق رؤية 2030 للتخلص من التبعية النفطية وتقلبات أسعار الخام.
ورغم هذه الزيادة فإن حصة الصادرات النفطية من إجمالي الصادرات ارتفعت من 71.9 في المئة في ديسمبر 2021 إلى 79 في المئة في ديسمبر الماضي.
في المقابل تراجعت الصادرات غير النفطية من نحو 28.1 في المئة في ديسمبر 2021 إلى 21 في المئة في ديسمبر الماضي، أي أنها خسرت أكثر من سبع نقاط مئوية.
ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة الصادرات النفطية بواقع 61.4 في المئة أكثر من نسبة نمو الصادرات غير النفطية والبالغة 14.8 في المئة. لكن طفرة أسعار النفط التي تحققت بين مارس وأكتوبر الماضيين، عادت لتستقر ما بين 80 و90 دولارا للبرميل.
وتحتاج السعودية إلى سعر يبلغ نحو ثمانين دولارا للبرميل لموازنة ميزانيتها، وفق خبراء، وهذا ما يفسر مقاومتها للضغوط الأميركية ورفضها زيادة إنتاج النفط، وتمسكها باتفاق أوبك+ الذي تقوده مع روسيا.
وتشير تقديرات رسمية إلى أن الناتج الإجمالي الخام للبلاد سيتجاوز 820 مليار دولار، بل إن الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو أمين الناصر، كان أكثر تفاؤلا عندما توقع أن يتخطى الناتج الإجمالي الخام حاجز تريليون دولار لأول مرة “قريبا”.