القطاع الخاص يواجه مأزق طرح منازل حكومية في مصر

تواجه شركات التطوير العقاري في مصر مأزقا بسبب تسارع المنافسة من الحكومة عبر الوحدات السكنية المرتقب طرحها في السوق المحلية بعد شهر رمضان، ضمن خطوة تهدف الحكومة منها إلى تقليل الضغط على أسعار المساكن، ورفع مستوى معيشة المواطنين.
القاهرة - تؤكد بعض المؤشرات أن التحديات التي تواجه القطاع الخاص في المجال العقاري ستزداد ضراوة، بعد أن كشف رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن طرح الدولة لنحو 400 ألف وحدة سكنية بعد عيد الفطر المبارك، في واحد من أكبر العروض في البلاد.
وأعلن وزير الإسكان شريف الشربيني البدء في الطرح المجمع للوحدات السكنية بالمشروع الجديد لمحدودي ومتوسطي الدخل، والإسكان فوق المتوسط والفاخر، وأهمية الانتهاء من كافة الإجراءات لطرح الوحدات في أقرب وقت ممكن.
وتستهدف السلطات من وراء الخطوة محدودي ومتوسطي الدخل، في إطار خطتها لتحقيق التنمية العمرانية وتوفير سكن ميسر للمواطنين.
كما يأتي الإجراء المرتقب في وقت تواجه فيه السوق العقارية المصرية تحولات اقتصادية، وضغوطا تضخمية، وتحديات في التمويل العقاري، ما يجعلها ذات أهمية بالغة في قياس تأثيراتها على الاقتصاد والقطاع الخاص.
ويهدف المشروع الحكومي إلى دعم الفئات غير القادرة على شراء وحدات بأسعار السوق الحرة، وبالتالي يحقق عدالة اجتماعية ويقلل من معدلات العشوائيات، فضلا عن تعزيز الطلب على مواد البناء وزيادة فرص العمل في الإنشاءات، ما ينعكس إيجابيا على النمو الاقتصادي.
وتعد الخطوة بمثابة دعم للتوسع في المدن الجديدة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين والمنصورة الجديدة وشرق بورسعيد بما يخفف الضغط عن المدن الكبرى.
وتهدف أيضا إلى زيادة العرض في الوحدات السكنية وبالتالي يمكن أن يحد من الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، مما يجعل السوق أكثر توازنا.
لكن هناك بعض التداعيات المحتملة على السوق العقارية والشركات الخاصة، وأبرزها أنه قد يؤدي وجود وحدات حكومية بأسعار مدعومة إلى انخفاض الطلب على الوحدات الخاصة، ما يضغط على شركات التطوير العقاري لخفض أسعارها أو تقديم تسهيلات أكبر للزبائن.
وعلاوة على ذلك، يركز معظم المطورين على العقارات الفاخرة، لكن مع اتجاه المصريين نحو الوحدات الحكومية، قد تعاني هذه الشركات من تباطؤ في مبيعاتها.
وقال الخبير العقاري المصري آدم زيان إن “الخطوة من شأنها تهدئة الأسعار في مصر، لكن يمكن لشركات القطاع الخاص الدخول في شراكات بشكل أوسع مع الدولة للمشاركة في تنفيذ المشاريع العقارية، ما يوفر فرصا للنمو بدلا من المنافسة.”
وأضاف في تصريح لـ"العرب" إن "زيادة المعروض السكني سيؤدي إلى استقرار الأسعار وربما انخفاض طفيف، مما قد يكون سلبيا للمستثمرين العقاريين لكنه إيجابي للمستهلكين."
وأوضح أن في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية مثل القاهرة الكبرى والإسكندرية، قد لا يكون هناك تأثير كبير، نظرا لاستمرار الطلب القوي.
وأشار إلى أن مع إطلاق هذا العدد الضخم من الوحدات قد ترتفع طلبات التمويل العقاري، ما يدفع البنوك إلى تقديم برامج تمويل ميسرة بفوائد تنافسية، وهي خطوة مشجعة مع احتمالات خفض أسعار الفائدة في مصر خلال الفترة المقبلة.
400
ألف وحدة ستطرحها الدولة بعد شهر رمضان موجهة أغلبها لمحدودي ومتوسطي الدخل
ومن المحتمل أن تعزز الحكومة برنامج "سكن لكل المصريين" وهي مبادرة رئاسية أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي لتوفير وحدات تتراوح مساحتها بين 75 و90 مترا مربعا، من خلال توسيع الدعم المقدم للمشترين، سواء في شكل دعم نقدي مباشر أو قروض ميسرة.
وتجاوز الطلب على العقارات السكنية نحو 800 ألف وحدة سنويا العام الماضي، وبلغ المعروض 600 ألف وحدة فقط، مما أفرز فجوة قدرها 200 ألف وحدة. ومع طرح 400 ألف وحدة خلال العام الجاري قد يتقلص العجز بشكل ملحوظ، ما يخفف الضغط على الأسعار.
وارتفع معدل التضخم في السوق المحلية خلال العام الماضي ليصل إلى حوالي 30 في المئة قبل أن ينخفض إلى 12.5 في المئة، مما أثر على تكاليف البناء وأسعار العقارات.
ومن المتوقع أن يؤدي التوسع في الطرح الحكومي إلى كبح ارتفاع الأسعار، لكن مع زيادة تكاليف مواد البناء، قد تتأثر هوامش ربح المطورين العقاريين.
وقدرت مصادر اقتصادية في تصريحات خاصة لـ”العرب” ما تحتاجه الحكومة من استثمارات ضخمة في هذا المشروع بنحو مليار دولار لتمويل بناء هذه الوحدات، ما يتطلب تنويعا في مصادر التمويل.
لكن المصادر أشارت إلى أن الحكومة تلجأ إلى الشراكة مع البنوك أو القطاع الخاص لتقليل العبء المالي، وهو ما يخفف الأعباء عنها بشكل كبير.
ومن التحديات التي تحاصر المشروع الضخم أن تنفيذ هذا العدد الكبير من الوحدات خلال فترة قصيرة يخلق تحديات في جودة التنفيذ كما هو الحال في الوحدات التي نفذتها الحكومة بالأعوام الماضية التي اشتكى منها المواطنون لاسيما المخصصة لمحدودي الدخل، بالتالي يجب وضع ضوابط رقابية لضمان معايير البناء والسلامة.
ويقول خبراء إن مجرد بناء الوحدات السكنية لن يكون كافيا إذا لم يتم توفير بنية تحتية جيدة تشمل شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والطرق ووسائل النقل والمرافق التعليمية والصحية، ومن البديهي ألا تتغافل الحكومة عن وضع ذلك في الحسبان.
وأكد رئيس لجنة الاستثمار العقاري بجمعية مستثمري العاشر من رمضان (شرق القاهرة) حمدي عتمان أن الخطوة الحالية إيجابية ويعزز من نجاحها ألا تتولى الحكومة المشروع بالكامل، بل يمكن إسناد جزء منه لشركات التطوير العقاري، مما يضمن تنفيذا أسرع بجودة أعلى.
وأوضح في تصريح لـ"العرب" أنه يجب توزيع الوحدات بناءً على الدراسات السكانية لضمان تحقيق أكبر استفادة ممكنة، مثل مدن الدلتا والصعيد التي تعاني من نقص في السكن وأيضا القاهرة الكبرى التي تواجه ارتفاعا كبيرا في الأسعار.
وشدد على ضرورة تقديم حوافز ضريبية وتمويلية لشركات القطاع الخاص التي تتعاون في المشروع خاصة التي تعمل وفق التكنولوجيا الحديثة في البناء، ما يخفض التكاليف وتحسين الجودة.
ويشكل القطاع العقاري حوالي 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لمصر ومع ضخ 400 ألف وحدة جديدة، من المتوقع أن يسهم هذا الطرح في رفع مساهمة القطاع العقاري بنحو 2 – 3 في المئة بالناتج المحلي.
وإذا تم تنفيذ المشروع بكفاءة فقد يؤدي إلى تحفيز النمو الاقتصادي وكبح جماح الأسعار، ويكمن التحدي الكبير في توفير التمويل والبنية التحتية وضمان الجودة، وهو ما سيتطلب رقابة حكومية فعالة وخططا تنفيذية دقيقة.