القطاع الخاص السوداني يحاول الخروج من الخراب الاقتصادي

القطاع الخاص السوداني يطالب بوضع حد لمسألة تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة حتى تستعيد عافيتها مرة أخرى.
الجمعة 2019/05/31
الإسراع في الإصلاح مطلب شعبي

تزايدت ضغوط القطاع الخاص على المجلس العسكري السوداني الانتقالي للإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة تنتشل الشركات من أزماتها المزمنة، ووضع حد جذري لكل المشكلات التي عطلت نشاطها طيلة العقدين الأخيرين.

 الخرطوم - يواجه القطاع الخاص في السودان صعوبات كبيرة من أجل العودة إلى النشاط مجددا رغم التغير السياسي الذي تعيشه الدولة.

ووجدت معظم الشركات نفسها في موقع محرج بعدما عجزت عن الحصول على الدولار من البنوك الممنوعة بموجب الحظر الأميركي من تلقي تحويلات من الخارج وهو ما اضطرها للجوء للسوق السوداء حيث الأسعار أعلى.

ويطالب القطاع بوضع حد لمسألة تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة حتى تستعيد عافيتها مرة أخرى.

وتصدر موظفو القطاع الإضراب العام خلال يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في العاصمة الخرطوم للتنديد بما يعتبرونه الإفلاس الاقتصادي للنظام السابق.

وكان الاحتجاج الشعبي الذي يهز السودان منذ أكثر من خمسة أشهر، اندلع إثر قرار بمضاعفة سعر الخبز ثلاث مرات وسط ركود اقتصادي وذلك قبل أن يتحول سريعا إلى احتجاج سياسي ضد نظام عمر حسن البشير، الذي أطاح به الجيش في أبريل الماضي بعد ثلاثين عاما من حكم البلاد.

واستجاب هذا الأسبوع الأطباء والمحامون وموظفو النقل العمومي والطيران المدني، لدعوة قادة الانتفاضة الشعبية بغرض الضغط على المجلس العسكري الذي مازال يرفض ترك السلطة للمدنيين.

وخلال يومين كان هؤلاء الموظفون في صدارة المحتجين والأكثر إثارة للجلبة في شوارع الخرطوم.

وفي منطقة المقرن حي الأعمال في غرب العاصمة، تجمع موظفون من عدة شركات أمام مقر بنك السودان المركزي، الذي قال موظفون فيه إنهم تعرضوا “لاعتداء” من الجيش الثلاثاء.

ويدير المجلس العسكري مقربون من الرئيس المخلوع الذي يندد المحتجون بحصيلته الاقتصادية.

وقال يوسف عبدالرحيم الموظف في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي لوكالة الصحافة الفرنسية إن “الأزمة الاقتصادية في السودان هي انهيار اقتصادي كامل”.

وأوضح أن الدولة لم تستطع أن توفر الوقود ولا النقود وهذه كانت الأسباب الأولى التي جعلت الشارع يتحرك في بداية “الثورة المجيدة”.

وتابع عبدالرحيم يقول في حين كان محتجون خلفه يهتفون وسط تشجيع أصوات منبهات السيارات العابرة، إن هذه الأزمة الاقتصادية أظهرت “عدم قدرة النظام السابق في مجال الاقتصاد وسياسة الترقيع التي ينتهجها. والمواطن فقد الثقة في الدولة تماما”.

وبدا عبدالرزاق أمان الله وهو صيرفي أكثر غضبا. وقال لقد “دمروا البلد بالفساد وسرقوا ثروات البلد من بترول وغاز وذهب، كل شيء”.

وأضاف “لا توجد سيولة في البنوك، الفلوس راحت في جيوب الكيزان”، في إشارة إلى الاسم الذي يطلقه الشارع السوداني على الإخوان المسلمين حلفاء الرئيس المخلوع. ويقول كثير من السودانيين إنهم استولوا على ثروات البلاد.

وفي 2011 وإثر حرب أهلية استمرت عدة سنوات، حرم انفصال جنوب السودان، البلد من ثلاثة أرباع احتياطيه من النفط والقسم الأساسي من عائداته. وبات منذ ذلك التاريخ يعاني نقصا في العملات الأجنبية والسيولة.

وقال علي إبراهيم (49 عاما) وهو جيولوجي يعمل في شركة بترول “في فترة الحكم السابق عائدات البترول ما كانت ظاهرة في الاقتصاد السوداني”.

وتساءل وهو يرفع لافتة دون كلل رغم تصبب جبينه عرقا، “أين ذهبت؟ هذا هو السؤال الكبير؟ ويُسأل للمسؤولين والحكومة. نحن (مجرد) موظفين دورنا الاستكشاف والإنتاج لا غير”.

وترى سلوى محمد (56 عاما) وهي موظفة في وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، أن حكم العسكر غذى الحروب القبلية، وذهبت الأموال في هذه الحروب، حرب الجنوب وحرب دارفور.. الأموال لم تستخدم للتنمية والتعليم والصحة.

في طريق استعادة الاقتصاد المتعثر عافيته
في طريق استعادة الاقتصاد المتعثر عافيته

وأضافت وهي تعدل نظارتها “ظل اقتصادنا يعاني 30 سنة، ولم نتقدم البتة قيد خطوة. عمر البشير كان عسكريا، وحاليا الحكام عساكر”.

وشددت “ما عدنا نريد عساكر مجددا. نريد مدنيين أكفاء يمسكون البلد”، مقسمة بلهجة حازمة على عدم خدمة مصالح أي حكم عسكري.

وتكافح البنوك السودانية لاستعادة علاقات المراسلة مع المصارف الأجنبية، في ظل استمرار الحظر الأميركي رغم شطب جزء كبير منه في أكتوبر 2017.

وتعتقد الأوساط الاقتصادية المحلية أن إرجاء البت في رفع العقوبات عن بلادها يفقد الشركات الأميركية العديد من الفرص الاستثمارية الاستراتيجية.

وقال بكري يوسف الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل السوداني في وقت سابق إن “قرار التأجيل أصاب القطاع الخاص بإحباط كبير باعتبار أن السودان أوفى بما عليه من التزامات في مختلف المحاور والمسارات”.

ولا يُتوقع من تعهدات المساعدات الخليجية إلا أن تقدم إغاثة قصيرة الأجل في طريق استعادة الاقتصاد المتعثر عافيته، رغم تفاؤل البعض بإمكانية وضع ذلك الدعم الدولة على سكة الخروج من الأزمة تدريجيا.

ويشمل الدعم السعودي والإماراتي وديعة بقيمة نصف مليار دولار في بنك السودان المركزي، بينما يتجه الباقي لفاتورة الوقود والقمح والدواء.

وقال الخبير محمد هارون الشهر الماضي إن “موسم الزراعة الرئيسي في السودان للمحاصيل المحلية ومحاصيل التصدير سيبدأ خلال أسابيع، وستكون هناك حاجة للإمدادات”.

وأضاف “هذه مشكلة يجب أن تتعامل معها الحكومة الجديدة سريعا”.

11