القضاء الليبي في مواجهة مفتوحة مع الفساد

النيابة العامة أقامت الدعوى العمومية ضد وزير التعليم العالي في حكومة الدبيبة بعد تأكيدها وجود تجاوزات في التعاقد على توريد الكتب مستندة إلى تحقيقات أثبتت وقوع مخالفات تتعلق بالوساطة والمحسوبية.
الجمعة 2025/03/21
حكومة الدبيبة تواجه العديد من ملفات الفساد

طرابلس - يشهد الشارع الليبي سجالا حادا بعد الاعلان رسميا عن ادانة وزير التربية والتعليم الحالي بحكومة الوحدة الوطنية موسى المقريف بتهمة الفساد، واصدار حكم في حقه من قبل محكمة الاستئناف في طرابلس، بالسجن لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها ألف دينار، وحرمانه من حقوقه المدنية خلال مدة العقوبة وسنة إضافية بعد تنفيذها.
وتعود أطوار القضية إلى عام 2021، عندما أوقف الوزير مؤقتا عن العمل وتم حبسه احتياطيا بسبب الاشتباه في تورطه في فساد مالي متعلق بعقود طباعة الكتب المدرسية. وبعد أسابيع من احتجازه، أطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة الجنائية، ما سمح له باستئناف مهامه الوزارية. 
وبحسب بيان من مكتب النائب العام، فإن النيابة العامة أقامت الدعوى العمومية ضد المقريف بعد تأكيدها وجود تجاوزات في التعاقد على توريد الكتب، مستندة إلى تحقيقات أثبتت وقوع مخالفات تتعلق بالوساطة والمحسوبية. لكن محكمة استئناف طرابلس رفضت النظر في القضية بسبب عدم الحصول على إذن قانوني مسبق لملاحقة الوزير. هذا القرار دفع النيابة العامة إلى الطعن فيه أمام المحكمة العليا، التي قبلت الطعن شكلا وموضوعا، وأمرت بإعادة القضية للنظر فيها من قبل هيئة قضائية جديدة.
وبعد إعادة المحاكمة، خلصت محكمة الاستئناف إلى إدانة الوزير السابق، معتبرة أن الأدلة المتوفرة كافية لإثبات التهم الموجهة إليه. وجاء الحكم ليؤكد أن المخالفات المرتكبة أضرّت بمبدأ الشفافية والمساواة في إدارة العقود الحكومية، مما أدى إلى فرض العقوبات المذكورة بحقه.
وبحسب مراقبين، فإن قضية الوزير المقريف، أعادت ملف الفساد الى واجهة الجدل الاعلامي والاجتماعي، لاسيما وأن القضاء الليبي دفع خلال الفترة الماضية بعشرات من الديبلوماسيين والمسؤولين المحليين في مختلف القطاعات الى سجون الاحتياط بعد ثبوت تورطهم في جرائم تتعلق بالاستيلاء على المال العام .
يأتي ذلك، فيما تمركزت ليبيا ضمن الدول العشر الأكثر فسادا في العالم بما يشير الى تفاقم ظاهرة العبث بمقدرات البلد الثري بالنفط والغاز في شمال افريقيا بعد احتلالها المرتبة الـ173 من أصل 180 دولة في الترتيب العالمي لمؤشر الفساد للعام 2024 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية ، وبذلك ارتفع ترتيبها ثلاثة مراكز في المؤشر مقارنة بالعام 2023، الذي حلّت فيه بالمركز 170.
وفي ديسمبر الماضي ، نظمت هيئة الرقابة الإدارية في ليبيا ندوة عن واقع الفساد بالبلاد تم خلالها التوقيع بروتوكول توقيع الاستراتيجية الوطنية للرقابة على الأداء ومكافحة الفساد والوقاية منه (2023-2025)،وقال رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي إن مكافحة الفساد ليست مجرد ضرورة أخلاقية فحسب بل تمثل شرطا أساسيا لتحقيق التنمية الشاملة، وحماية مقدرات الشعوب، مشددا على أن الفساد بصوره المعقدة وتأثيراته العميقة يهدر الموارد المالية والبشرية ويعوق التقدم في المجالات كافة.
وكشف تقرير ديوان المحاسبة الليبي لعام 2023، عن وجود مخالفات مالية وإدارية، وإهدار للأموال، وضعف للأداء، ووجود فساد طال أغلب القطاعات، وهو ما أثار موجة من الاستياء بين المواطنين، الذين اعتبروا أن هذه التقارير أصبحت مجرد توثيق للأوضاع دون أن تترجم إلى خطوات ملموسة لمكافحة الفساد.
وقبل أسبوعين، أعلنت النيابة العامة توقيف رئيس لجنة إدارة شركة الواحة للنفط، بعد تحقيقات كشفت عن مخالفات جسيمة في إدارة الشأن المالي للشركة، مما أدى إلى تعريض المصالح العامة للخطر. وقال مكتب النائب العام، أن التحقيقات الأولية أظهرت أن رئيس لجنة إدارة الشركة، فتحي بن زاهية، لم يلتزم بمقتضيات المصلحة العامة، حيث تعمد إبرام عقد بنحو 770 مليون دينار (نحو 157 مليون دولار) لإنشاء حواجز مخففة لحركة أمواج البحر قبالة ميناء السدرة النفطي، رغم أن أحد العروض المقدمة لتنفيذ المشروع لم يتجاوز 339,84 مليون دينار.
واعتبر النائب العام، المستشار الصديق الصور، أن استشراء الفساد تسبب في هوة سحيقة في توزيع الدخل بين أبناء الشعب الليبي، داعيا الجهات المختصة إلى العمل على ضرورة تطوير أنظمة العدالة ووضع سياسة جنائية لمواجهة الفساد المستشري في القطاعات العامة.
ورأى الصور إن عدم المساواة في توزيع الدخل «يفضي لاستفادة فئات محددة على أغلبية أبناء الشعب.. ويسبب هوة سحيقة بين من يملك كل شي ومن لا يملك شيئًا»، لافتا إلى أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية صاحبها ارتكاب العديد من جرائم الفساد، واستحداث أنماط أخرى منها وهو «نتيجة لفشل المجتمع في التنبؤ بهذا النوع من الإجرام».
وأوضح النائب العام أن بإمكان ليبيا مواجهة هذه الجرائم من خلال عدة وسائل من أهمها «وضع السياسة الجنائية لمواجهة جرائم الفساد في إطار استراتيجية التنمية الشاملة»، مشيرا الى ضرورة أن تكون جزءا من استراتيجية التخطيط الشامل للدولة، فالعلاقة بين التنمية والجريمة علاقة عكسية، فكلاهما يؤثر في الآخر والجريمة تحول دون استفادة المجتمع من مقدراته وتؤدي إلى زيادة الإنفاق لمواجهتها، وفق تقديره .
وبحسب الصور ، فإن «التنمية تؤدي إلى انخفاض نسبة الجريمة ولكن أحيانًا ازدياد معدلات النمو الناتج عن التنمية الذي لا يقترن بالمساواة في توزيع الدخل قد يؤدي إلى استفادة فئات محددة ومعينة من المجتمع أو استغلال طبقات طفيلية لذلك فتثرى على حساب أغلبية أبناء الشعب، فتصبح هناك هوة سحيقة بين قطاعات المجتمع هناك من يملك كل شيء وهناك من لا يملك أي شيء».
ورأى عضو مجلس الدولة  سعد بن شرادة، أن نهب أموال الدولة الليبية يتم أمام الجميع بينما يقف الليبيون عاجزين عن إيقافه، وتابع أن الشعب الليبي يعاني ويئن وأقصى طموحه اليوم أن يقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي منشور عن وصول الرواتب، مؤكدا أن ما يحدث اليوم في ليبيا هو عملية نهب ممنهجة لا يمكن السكوت عنها، مردفا أن هذه المرحلة من النهب لم يسبق لها مثيل في تاريخ ليبيا الحديثة منذ استقلالها وهي كارثة حقيقية.