القضاء اللبناني تحت الاختبار بعد توقيف رياض سلامة

الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد عائلته بسبب شبهات فساد.
الثلاثاء 2024/09/10
تهم خطيرة تعصف بسلامة

بيروت - أصدر قاضي التحقيق الأول في بيروت الاثنين مذكّرة توقيف وجاهية في حق حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة بعدما خضع للاستجواب إثر الادعاء عليه في قضية اختلاس أموال بعد أيام على توقيفه خلال فترة عمله، وذلك بعد فشل محاولات سابقة بتوقيفه بسبب سطوة السياسيين على القضاء، إذ يتمتع سلامة بغطاء قوى رئيسية حال دون محاسبته عن أكبر انهيار مالي في تاريخ لبنان.

ويعدّ سلامة البالغ 74 عاما أبرز شخصية مرتبطة بالطبقة السياسية يجري توقيفها منذ بدء الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل حوالي خمس سنوات.

وقال مصدر قضائي مفضّلا عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن “قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، أصدر مذكرة توقيف وجاهية في حق رياض سلامة”، وذلك في نهاية جلسة “استجوابه على مدى ساعتين ونصف ساعة” بحضور محاميه. وأوضح أن القاضي “أرجأ التحقيق ليوم الخميس لاستكمال استجواب رياض سلامة”.

وبعد انتهاء جلسة الاستجواب، نقل سلامة مجددا من قصر العدل إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي حيث تم توقيفه منذ أيّام، وفق المصدر نفسه.

وأوضح المصدر أن القرار الأخير يعني أن سلامة “أصبح موقوفا رسميا بمذكرة توقيف قضائية” تنهي “التوقيف الاحتياطي”. وأضاف أن اتخاذ قاضي التحقيق لهذا القرار يعني أن الشبهات في حق سلامة باتت “معززة”.

سلامة أصبح موقوفا رسميا بمذكرة توقيف قضائية تنهي التوقيف الاحتياطي ما يعني أن الشبهات في حقه معززة

وذكرت مصادر مطلعة أن التوقيف كان مفاجئا حتى إن سلامة ذهب إلى التحقيق بنفسه من غير حضور محاميه، وكان مطمئنا إلى أن الأمر سيكون على شاكلة الأمور الأخرى.

وظل سلامة لفترة طويلة يحظى باحترام كبير باعتباره خبيرا ماليا قديرا في لبنان، لكنه ترك منصبه بعد أن تضررت سمعته بسبب اتهامات فساد في الداخل والخارج والانهيار الكارثي للنظام المالي اللبناني في عام 2019.

وقالت مصادر قضائية لرويترز الأسبوع الماضي إن سلامة متهم بجمع أكثر من 110 ملايين دولار من خلال ارتكاب جرائم مالية تتعلق بشركة أوبتيموم إنفست، وهي شركة لبنانية تقدم خدمات الوساطة في الدخل.

وقالت أوبتيموم إنفست إنها تتعاون بشكل كامل مع السلطات القضائية وقدمت لها دون إبطاء كل المعلومات والمستندات المطلوبة سابقا. وأضافت أن كل تعاملاتها مع مصرف لبنان “تمت وفقا للقوانين والأنظمة المرعية”.

وأوقف سلامة في الثالث من سبتمبر، قبل أن يدّعي عليه النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم في اليوم التالي بجرائم عدة بينها “اختلاس أموال عامة” و”تزوير”.

ووصل سلامة صباح الاثنين إلى قصر العدل حيث استجوبه قاضي التحقيق الأول. وتزامنا مع بدء جلسة الاستجواب، تجمّع العشرات أمام قصر العدل للاحتجاج على سلامة مرددين عبارة “حرامي حرامي رياض سلامة حرامي”.

وقال المتظاهر سيمون البراك “أنا عاطل عن العمل، لقد خسرت أموالي”، مضيفا “نحن هنا دعما لقضاء نظيف لكن لدينا شكوكا كبيرة حول القضاء… ليس فقط رياض سلامة من يجب أن يسجن”.

وكان النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار ختم الأربعاء تحقيقاته الأولية مع سلامة و”أحاله موقوفا على النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم الذي ادعى عليه بجرائم ‘اختلاس أموال عامة وتزوير وإثراء غير مشروع وتبييض أموال'”، وفق مصدر قضائي آخر.

وأودع إبراهيم الملف قاضي التحقيق الأول في بيروت بلال حلاوي، طالبا استجواب سلامة وإصدار مذكرة توقيف وجاهية في حقه، وفق المصدر ذاته.

والاتهامات التي وجهت لسلامة الأسبوع الماضي منفصلة عن اتهامات سابقة بارتكاب جرائم مالية مرتبطة بشركة فوري أسوشيتس، وهي شركة مملوكة لرجا سلامة شقيق المحافظ السابق لمصرف لبنان.

واتهم الأخوان باستغلال شركة “فوري” لاختلاس 330 مليون دولار من الأموال العامة في صورة عمولات. وينفي الأخوان ارتكاب أي مخالفات.

رغم الانتقادات التي طالت أداءه والشبهات التي حامت حوله في لبنان والخارج، بقي سلامة في منصبه حتى العام 2023، مستفيدا من حماية سياسية وفّرتها له قوى رئيسية في البلاد

ومنذ ثلاثة أعوام، يشكّل سلامة محور تحقيقات محلية وأوروبية تشتبه بأنه راكم أصولا عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وأساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان، عدا عن تحويله الأموال إلى حسابات في الخارج و”الإثراء غير المشروع”.

ورغم الانتقادات التي طالت أداءه والشبهات التي حامت حوله في لبنان والخارج، بقي سلامة في منصبه حتى العام 2023، مستفيدا من حماية سياسية وفّرتها له قوى رئيسية في البلاد.

ويشتبه محقّقون أوروبيون بأنه راكم أصولا عقارية ومصرفية بشكل غير قانوني، وبأنه أساء استخدام أموال عامة على نطاق واسع خلال توليه حاكمية مصرف لبنان.

وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونخ العام الماضي مذكّرتي توقيف في حقه جرى تعميمهما عبر الإنتربول. وقرّر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي.

إلا أن النيابة العامة في ميونخ ألغت في يونيو مذكّرة التوقيف، لأنه “لم يعد يشغل منصب حاكم مصرف لبنان المركزي وبالتالي لم يعد هناك أي خطر (…) بإتلاف أدلة”. لكن القرار لا يعني أن التحقيق انتهى.

وفرضت الولايات المتحدة إلى جانب كندا والمملكة المتحدة، عقوبات اقتصادية على سلامة وعلى أفراد عائلته لشبهات فساد، بما في ذلك تجميد أصولهم في البلدان الثلاثة.

2