القضاء السويسري يقلب أوجاع عشرية الحرب الأهلية في الجزائر

تهم ثقيلة تنتظر وزير الدفاع الأسبق خالد نزار.
الخميس 2022/02/10
الجزائريون ينبشون في الماضي

الجزائر - يتجه المدعي العام في القضاء السويسري إلى إحالة وزير الدفاع الجزائري الأسبق الجنرال خالد نزار إلى المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال السنوات الأولى من حقبة تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي سيعيد ملف الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر بين 1990 و2000 إلى الواجهة، ويسلط الضوء على زوايا مظلمة مازالت محل جدل، لاسيما في ما يتعلق بضلوع المؤسسة العسكرية في ارتكاب جرائم في حق المدنيين بدعوى الحرب على الإرهاب.

وكان القضاء السويسري قد استمع طيلة ثلاثة أيام متتالية مطلع شهر فبراير الجاري إلى نزار، بعدما تم توقيفه هناك إثر شكوى تقدمت بها المنظمة الدولية لمحاربة اللاعقاب “تريال”، ليعود بذلك مسلسل رموز حقبة تسعينات القرن الماضي إلى الواجهة، ويعيد تقليب أوجاع قديمة لم تندمل لحد الآن، في ظل إصرار أطراف تصف نفسها بـ”ضحية ممارسات قيادات عسكرية”، وتمسك آخرين بمعرفة مصير نحو 18 ألفا من ضحايا الاختفاء القسري.

وتذكر مصادر على صلة بالقضية، أن النزاع يعود إلى العام 2011 عندما رفع مواطنون من أصول جزائرية شكاوى لدى القضاء السويسري ضد نزار بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، غير أن المسار كان معقدا، خاصة بعدما أقرت هيئة قضائية سويسرية بأن “الجزائر لم تكن تعيش حربا أهلية في مطلع التسعينات”، وهو الحكم الذي تم استئنافه من طرف المعنيين لتعود القضية من جديد وتأخذ أبعادا غير مسبوقة، كون المسألة تتعلق بمسؤول سام في الدولة، كان منسق الهيئة القيادية التي أدارت شؤون البلاد بعد استقالة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، ووزير دفاع يحمل رتبة جنرال، ولا يستبعد أن تمتد إلى ضباط آخرين بعضهم يشغلون مناصب رسمية في الدولة حاليا.

النزاع يعود إلى العام 2011 عندما رفع مواطنون من أصول جزائرية شكاوي لدى القضاء السويسري ضد نزار

وذكر تقرير سويسري أنه “في أوائل شهر فبراير الجاري عقد الادعاء العام الفدرالي جلسة الاستماع النهائية لنزار الجنرال الجزائري السابق، ووزير الدفاع والعضو بالمجلس الأعلى للدولة في الجزائر من 1992 إلى 1994، المتهم بممارسة التعذيب والاعتقالات التعسفية”.

وأفاد موقع “سويس أنفو” بأن “الادعاء العام الفدرالي أكد في تصريح صحافي على اختتام جلسات الاستماع، لكنه أحجم عن ذكر المزيد بخصوص الإجراءات القانونية الجارية، وقد نُشرت هذه المعلومة من قبل منظمة (ترايل إنترناشيونال) غير الحكومية التي تتخذ من جنيف مقرا لها، والمعنية بمكافحة الإفلات من العقاب بالنسبة إلى المتهمين بارتكاب جرائم حرب”.

وذكرت المنظمة المذكورة، في بيان لها اطلعت عليه “العرب”، بأنه “بعد أكثر من عشر سنوات من التحقيق والعديد من التقلبات والمنعطفات القانونية، فإن نهاية الإجراءات تفتح الطريق أمام إحالة نزار التالية للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الفدرالية، بسبب وقائع خطيرة للغاية تشكل تواطؤا في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وخاصة عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وممارسات تعذيب وعمليات اختفاء قسري”.

وحسب الموقف السويسري، فإن “منظمة ترايل انترناشونال هي الجهة التي تقف وراء إطلاق هذه الملاحقة القضائية، منذ أن تقدمت بشكوى جنائية ضد نزار في شهر أكتوبر 2011، أثناء إقامته في جنيف، وعلى إثر الانتهاء من جلسة الاستماع الأخيرة أمام الادعاء العام الفدرالي، تقرر ترك وزير الدفاع الجزائري الأسبق نزار بحالة سراح، وهو ما أثار أسف المنظمة غير الحكومية”، لكن مصادر مطلعة أكدت أن نزار قدم التزاما للمدعي العام بالحضور في قادم الجلسات.

وحسب فريق دفاع وزير الدفاع الأسبق، فإن “موكلهم اعترض بشدة على هذه الاتهامات المُستندة أساسا إلى تصريحات المشتكين، وهم مناضلون في الجبهة الإسلامية للإنقاذ (حزب إسلامي معارض فاز في الجولة الأولى من انتخابات ديسمبر 1991 وتم حله في عام 1992)، وعلى مصادر لا يمكن التحقق منها مُتاحة على شبكة الإنترنت، وأن الشاكي الوحيد الذي يتهمه بإساءة معاملته شخصيا، لم يحضر أبدا في أي جلسة استماع، كما أن موكلهم متهم الآن بالمساهمة، كشريك وليس كمرتكب انتهاكات”.

Thumbnail

لكن المدعو الصديق دعيدة المحرك الأساسي للنزاع القضائي في سويسرا أكد في تصريح له بأنه “رغم سياسة العصا والجزرة التي تمارس ضده، فإنه لن يتنازل عن القضية، لأنها ليست مسألة شخصية وإنما مسألة دولة وشعب، وأن عددا من الضحايا يفوق عشرة أشخاص فضلا عن شهود، سينضمون إلى القضية، وأنه سيتم جر ضباط آخرين على صلة بالملف، كقائد أركان الجيش الحالي الجنرال سعيد شنقريحة، واللواء المتقاعد عبدالعزيز مجاهد، الذي يشغل حاليا مدير مركز دراسات تابع لرئاسة الجمهورية”.

والشكوى التي رفعت أمام القضاء السويسري في 2011، استأنفها الجنرال المتقاعد نزار، بحجة أن منصبه كوزير للدفاع في ذلك الوقت كان يحميه من ملاحقات جنائية محتملة، لكن المحكمة الجنائية الفدرالية رفضت حينها الاستئناف، بدعوى أنه لا يجوز التذرع بالحصانة عن جرائم دولية، وقد تقدم خمسة ضحايا بشكوى كما تم الاستماع إلى أكثر من عشرة في سياق إجراءات التتبع.

وفي 2017 قام الادعاء العام الفدرالي بحفظ القضية على أساس أن نزاعا مسلحا لم يكن موجودا في أوائل التسعينات بالجزائر، وهو القرار الذي استأنفه الشاكون، لتقرر المحكمة الجنائية الفدرالية في 2018 إلغاء قرار حفظ الشكوى وعليه تعين استئناف التحقيق، وتم الإقرار بوجود نزاع مسلح في الجزائر خلال الفترة المعنية، وبتورط نزار في ارتكاب العديد من الجرائم.

وكان الجنرال نزار قد اضطر للفرار إلى إسبانيا العام 2019، وحكم عليه بعشرين سنة سجنا نافذا، بتهمة المشاركة في الخيانة والتآمر على الدولة وقيادة الجيش، التي كان يقودها آنذاك الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، في القضية التي اتهم فيها سعيد بوتفليقة ولويزة حنون، وقائد جهاز الاستخبارات (توفيق).

غير أن نزار عاد بعدها إلى بلاده، بعد تغير موازين القوة داخل المؤسسة العسكرية، على متن طائرة رئاسية، وعلى وقع التحية العسكرية، وتحول إلى حاكم فعلي خلف الستار، إلى جانب مدير الاستخبارات السابق (توفيق)، الذي تمت تبرئته هو الآخر.

4