القضاء الجزائري يطوي ملف أحداث منطقة القبائل

الجزائر - أصدر القضاء الجزائري أحكاما مشددة في حق قادة وأعضاء في حركة “ماك” الانفصالية تراوحت بين الإعدام والمؤبد، في خطوة تستهدف طي صفحة أحداث منطقة القبائل خلال صيف العام الماضي، وتحميل الحرائق الضخمة والجريمة المروعة للتنظيم المذكور، فيما تبرّأ هو من المسؤولية وأدرجها في خانة تصفية الحسابات السياسية.
وأدانت محكمة ضاحية الدار البيضاء بالعاصمة أعضاء من خلية حركة استقلال القبائل المتهمة بأحداث منطقة القبائل خلال صائفة العام الماضي بأحكام مشددة تراوحت بين الإعدام والمؤبد والسجن النافذ، مع استفادة عدد قليل من البراءة، لتكون بذلك أضخم محاكمة في تاريخ القضاء الجزائري.
وكان من أبرز الأحكام الصادرة المؤبد الصادر في حق فرحات مهني مؤسس وزعيم حركة “ماك” الانفصالية، المصنفة منذ العام الماضي ضمن الكيانات الإرهابية، إلى جانب ثلاثة عناصر قيادية أخرى تقيم فرنسا، وهو الذي كان منذ أيام فقط في جلسة العرض السنوي لملف حقوق الإنسان لدى مجلس الأمم المتحدة بجنيف كشاهد.
المحققون استعانوا بمختلف الصور والتسجيلات التي بثت آنذاك على شبكات التواصل الاجتماعي حول تفاصيل وملابسات الجريمة والحرائق التي شهدتها المنطقة
وجاءت الأحكام المشددة لتؤكد تحميل السلطة المسؤولية للتنظيم المذكور بالوقوف وراء الحرائق الضخمة التي شهدتها منطقة القبائل في صائفة العام الماضي، والتي خلفت نحو 200 ضحية، إلى جانب الجريمة المروعة التي راح ضحيتها الناشط الاجتماعي جمال بن إسماعيل في بلدة الأربعاء ناث إيراثن بمحافظة تيزي وزو، أين تم قتله وحرق جثته والتنكيل بها في ساحة عمومية.
وتتشكل المجموعة من 102 متهمين، تم توقيفهم بعد الأحداث وفُتح معهم تحقيق معمق أفضى إلى ضلوع عناصرها في تدبير الأحداث في إطار مخطط انفصالي يهدف إلى استقلال المنطقة عن الوطن الأم، وهو ما نفته قيادات الحركة المقيمة في فرنسا، وقدمت شكاوى للمنظمات والهيئات الدولية ضد ما تسميه في أدبياتها بـ”الاستعمار الجزائري”.
وقضت المحكمة بإعدام 49 شخصا لإدانتهم بتهمة إحراق مواطن والتنكيل بجثته، وهي الأحكام التي يتوقع تخفيضها إلى السجن مدى الحياة في ظل وقف العمل بالإعدام في الجزائر منذ العام 1993.
كما صدرت أحكام بالسجن النافذ بين عامين و10 أعوام في حق 28 عنصرا، بينما استفاد 17 آخرون من البراءة، إلى جانب غرامات مالية تراوحت كذلك بين 800 و1600 دولار أميركي، فضلا عن الأحكام الغيابية في حق العناصر الفارة أو المقيمة في الخارج.
ويسعى التنظيم الذي أعلن عن نفسه مطلع الألفية لإضفاء تصفية الحسابات السياسية على المحاكمة التي جرت ضد عناصره، ولا يتوانى في توجيه الاتهام للسلطة بافتعال الأحداث المذكورة من أجل تعليق شماعتها على الحركة وتسويقها في صورة عنيفة وهمجية أمام الرأي العام المحلي والخارجي.
وأصدرت السلطات الجزائرية قرارا خلال صيف العام الماضي يقضي بإدراج حركتي “ماك” و”رشاد” ضمن الكيانات الإرهابية، وكشفت عن لائحة بأسماء من تصفهم بـ”الإرهابيين” في جريدتها الرسمية، وأحالت في أكثر من ملف قادة الحركة على القضاء أين صدرت في حقهم أحكاما غيابية مشددة.
من أبرز الأحكام الصادرة المؤبد الصادر في حق فرحات مهني مؤسس وزعيم حركة “ماك” الانفصالية، المصنفة منذ العام الماضي ضمن الكيانات الإرهابية
وكان التلفزيون الحكومي قد بث خلال الأشهر الماضية اعترافات لبعض عناصر المجموعة بـ”انخراطهم في حركة استقلال القبائل وتلقيهم أموالا من الخارج من أجل تنفيذ أعمال تخريبية، بما فيها الحرائق الضخمة التي شهدتها المنطقة، وتنفيذ جريمة اغتيال المناضل والناشط جمال بن إسماعيل”.
ووجهت لعناصر المجموعة تهمة ارتكاب “أعمال إرهابية وتخريبية تستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية، والمشاركة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، والتعدي بالعنف على رجال القوة العمومية، ونشر خطاب الكراهية، والتحريض على تحطيم ملك الغير والتجمهر المسلح”.
وأثارت الجريمة سخطا كبيرا لدى الشارع الجزائري، ووضعته حينها على حافة حرب أهلية بين المكونات العرقية في البلاد، لولا الرصانة التي تحلى بها أهل الضحية، وتوجههم بنداءات لعدم الانجرار وراء النزعة الهمجية والانتقامية، وشدد والده على أن مقتل ابنه لا يجب أن يكون سببا لصراعات عرقية في الجزائر.
وكان المحققون قد استعانوا بمختلف الصور والتسجيلات التي بثت آنذاك على شبكات التواصل الاجتماعي حول تفاصيل وملابسات الجريمة والحرائق التي شهدتها المنطقة، كما بثت المحكمة تسجيلات تظهر العناصر المتهمة في ذروة الأحداث.
وتزامنت الوقائع مع احتجاجات الحراك الشعبي الذي كانت منطقة القبائل تعتبر وعاءه الأساسي، الأمر الذي أضفى لبسا سياسيا عليها، كونها ساهمت في تراجع وتيرتها وهو ما استفادت منه السلطة التي كانت تبذل مختلف المساعي لأجل احتوائها.