القضاء التونسي يكشف محاولة تزييف سياسي لإرباك المسار الانتخابي

تواجه الانتخابات التونسية محاولات للتشكيك بنزاهتها والتأثير على مسارها من عدة أطراف، لكن أخطرها ما كشفت النيابة العامة عنه عبر محاولة استهدافها عبر إثارة البلبلة بين السكان والتحريض بتصريحات وتزييف أدلة.
تونس - قررت النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب في تونس الاحتفاظ بشخص مخبر قدم معلومات مؤيدة بإثباتات تتعلق بشبهة تزويد أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية (منذر الزنايدي) بأموال طائلة لأعضاء حملته الانتخابية بهدف إدخال البلبلة على مسار الانتخابات، ليتبين لاحقا أن هذه المعلومات مزيفة وأن تصريحات المخبر كاذبة قام بتلفيقها بالتعاون مع نائب بالبرلمان السابق، في محاولة لضرب نزاهة العملية الانتخابية التي تتعرض للتشكيك من قبل أصوات معارضة.
والزنايدي (73 عاما)، هو وزير سابق عمل لفترة طويلة مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي أطاحت به احتجاجات شعبية حاشدة في العام 2011، ويقيم حاليا في باريس. ويقول إنه “يريد إعادة بناء تونس وتوحيد كل التونسيين”.
وأفادت الناطقة باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب حنان قداس، في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، بأنه “تبعا لما تم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي حول صدور حكم بعدم سماع الدعوى في ملف تعلقت وقائعه بشبهة توفير أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية أموالا طائلة لأعضاء حملته الانتخابية قصد إدخال البلبلة على مسار الانتخابات وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض والقيام بعمليات إرهابية، يهم النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب أن توضح أنها تعهدت بالملف بناء على وشاية تقدم بها شخص مخبر وكانت مرفوقة بمؤيدات”.
وأوضحت قداس أن المؤيدات التي توصل إليها القضاء هي عبارة عن وثائق تتمثل في صور ضوئية لمراسلات عبر تطبيق واتساب بين أطراف مختلفة، مؤكدة أن النيابة أذنت إثرها بمباشرة الأبحاث لدى الوحدة الوطنية للبحث في جرائم الإرهاب وسماع المخبر والتحري في ما قدمه من وثائق.
وأوضحت أن مع تقدم الأبحاث ثبت أن المؤيدات المدلى بها مفتعلة وأن تصريحات المخبر كاذبة، ووقع إعداد تلك الوثائق من قبل المخبر وأحد السياسيين (عضو برلمان سابق) بهدف إدخال البلبلة بين السكان وإرباك المسار الانتخابي.
ولفتت قداس إلى أن النيابة العمومية لدى القطب القضائي لمكافحة الإرهاب أذنت بتغيير المركز القانوني للمخبر إلى مظنون فيه والاحتفاظ به برفقة الأطراف التي ساهمت في افتعال تلك الوثائق ونشر الأخبار الزائفة. وبعد استكمال الأبحاث لديها وانتهاء فترة الاحتفاظ طبق قانون مكافحة الإرهاب تخلت عن القضية لوكيل الجمهورية بتونس للتعهد وأحالت عليه جميع أطراف القضية بحالة تقديم لانتفاء الصبغة الإرهابية وتعلق الوقائع بجرائم حق عام تخرج عن نطاق اختصاصها.
وقالت إن وكيل الجمهورية بتونس أذن بفتح بحث تحقيقي ضد كل من ثبت تورطه في افتعال الوثائق والمعلومات المكذوبة بغاية إثارة البلبلة وإرباك المسار الانتخابي وأن الأبحاث لا تزال جارية. وتعتبر هذه الحادثة أكبر خرق انتخابي يجري تسجيله وتشير إلى محاولات استهداف الانتخابات التي تحتدم المنافسة فيها مع قرار المحكمة الإدارية قبول طعن ثلاثة مرشحين وعودتهم إلى السباق الرئاسي.
كما يؤكد ذلك أن سير العملية الانتخابية يخضع للتدقيق والفحص من قبل السلطات المعنية لاسيما مع محاولات التشكيك بنزاهتها من قبل الكثير من الأصوات المعارضة. غير أن هذه المحاولات أثبتت فشلها مع استمرار صدور قرارات المحكمة الإدارية بإعادة قبول طعن مرشحين بارزين وإعادتهم إلى سباق الانتخابات.
وأعلنت المحكمة الإدارية بتونس الجمعة، قبول الطعن في قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلق برفض ملف ترشح عماد الدائمي للانتخابات الرئاسية المقررة في السادس من أكتوبر ما يعني عودته إلى السباق الانتخابي. وقالت في بيان إن “الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية استكملت بتاريخ اليوم (الجمعة) التصريح بالأحكام والمآلات بخصوص الأحكام المتعلقة بنزاعات الترشح للانتخابات الرئاسية لسنة 2024 في طورها الثاني من التقاضي”.
◙ سير العملية الانتخابية يخضع للتدقيق من قبل السلطات المعنية لاسيما مع محاولات التشكيك بنزاهتها من قبل المعارضة
وأوضحت أنها “قضت فيها بقبول الطعن شكلا وأصلا في ثلاثة ملفات ترشح (عبداللطيف المكي، منذر الزنايدي، عماد الدائمي) ونقض الحكم الابتدائي المطعون فيه والقضاء من جديد بإلغاء قرار الهيئة (العليا للانتخابات) المنتقد، وقبول مطلب الطاعنين في الترشح للانتخابات الرئاسية ليوم 6 أكتوبر 2024”. وأكد البيان أن “القرارات الصادرة عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية هي باتّة وغير قابلة لأيّ وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب طبقا لمقتضيات القانون الانتخابي”.
من جهته، قال الحساب الرسمي للمرشح الرئاسي الدائمي على فيسبوك، إن “الجلسة العامة للمحكمة الإدارية قبلت الطعن المقدم شكلا وأصلا في ملف ترشح عماد الدائمي، ونقضت الحكم الابتدائي وألغت قرار هيئة الانتخابات (برفض ملف ترشحه)”. وأضاف في تدوينة مقتضبة “هذا يعني عودة المرشح الرئاسي عماد الدائمي إلى السباق الانتخابي”.
والثلاثاء، قبلت المحكمة الإدارية طعن مرشح حزب “العمل والإنجاز” أمينه العام عبداللطيف المكي، ضد قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات برفض ترشحه وإعادته بذلك إلى السباق الانتخابي. والخميس، قررت المحكمة الإدارية قبول ترشح المنذر الزنايدي لانتخابات الرئاسة.
ومن بين 17 ملف ترشح، أعلنت هيئة الانتخابات قبول ملفات 3 مرشحين هم الرئيس الحالي قيس سعيد، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، ورئيس حركة “عازمون” العياشي زمال، قبل إعادة الزنايدي والمكي والدائمي إلى السباق، ليصبح بذلك عدد المتنافسين في السباق 6. ويعتبر قبول ترشح كل من الزنايدي والمكي والدائمي رسالة واضحة بأن الرئيس سعيّد لا يتدخل في عمل الجهاز القضائي ولا يخشى منافسيه ولا يزج بهم في السجون من أجل إقصائهم مستغلا القضاء في ذلك، إذ إن جميع القضايا التي يواجهها السياسيون تخضع لتحقيقات وبحث مكثف.
وفي أبريل الماضي، أعلنت جبهة الخلاص الوطني، أكبر ائتلاف للمعارضة، أنها لن تشارك في الانتخابات بدعوى “غياب شروط التنافس”. وهو مبرر أثبت عدم مصداقيته اليوم، كما تؤكد السلطات أن الانتخابات تتوفر لها شروط النزاهة والشفافية والتنافس العادل.
وقاطعت المعارضة كل الاستحقاقات التي تضمنتها إجراءات استثنائية بدأها سعيد في الخامس والعشرين من يوليو 2021، وشملت حلّ مجلسي القضاء والنواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء شعبي، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة. وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات "انقلابا على دستور (2014) الثورة وتكريسا لحكم فردي مطلق"، بينما تراها قوى أخرى مؤيدة لسعيد "تصحيحا لمسار ثورة 2011"، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).