القصف الهستيري على درعا لا يترك للمعارضة مهربا من التسوية الروسية

روسيا تصر على حسم ملف الجنوب السوري قبيل القمة المنتظرة بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وهو ما يفسر الضغط الرهيب الذي تشنه على فصائل المعارضة للاستسلام سلما أو حربا.
الجمعة 2018/07/06
تصعيد غير مسبوق

دمشق – دفع القصف الهستيري لمناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة درعا جنوب غربي البلاد، الفصائل إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، لتجنيب المنطقة حماما من الدماء.

ولعب الأردن دورا رئيسيا في الدفع نحو استئناف المفاوضات، حيث أن دبلوماسيته لم تهدأ قط منذ فشل الجولة الماضية، خاصة مع تزايد الضغوط عليه لفتح حدوده أمام الآلاف من الفارين نحو أراضيه جراء المعارك.

وأعلنت الفصائل المعارضة مساء الخميس، بحسب ما أكد متحدث باسمها بعد نحو 24 ساعة من التصعيد العسكري غير المسبوق على مواقعها، موافقتها على العودة إلى التفاوض مع الجانب الروسي حول اقتراح له لوقف المعارك في درعا.

وأوردت الفصائل على حسابها على تويتر “نوافق على وقف الأعمال القتالية من الطرفين بصورة فورية لاستكمال جولة جديدة من المفاوضات”، مجددة المطالبة “بضمانات حقيقية وبرعاية أممية لمفاوضات الجنوب”.

واستهدفت القوات الحكومية السورية وحليفتها روسيا منذ ليل الأربعاء الخميس بالمئات من الضربات الجوية مناطق سيطرة فصائل المعارضة في محافظة درعا، بعد فشل مفاوضات الأربعاء لوقف المعارك.

جمانة غنيمات: فتح الحدود لتوفير مأوى للنازحين السوريين يصطدم بمصالح الأردن
جمانة غنيمات: فتح الحدود لتوفير مأوى للنازحين السوريين يصطدم بمصالح الأردن

وقال حسين أبازيد مدير المكتب الإعلامي في “غرفة العمليات المركزية في الجنوب” التابعة للفصائل “سيتم استئناف المفاوضات مساء”، في وقت أفاد فيه مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن بتوقف الغارات الروسية والسورية بشكل كامل بعد القصف الهستيري.

ويقول مراقبون إن التصعيد النظامي الروسي نجح على ما يبدو في إخضاع المعارضة، التي كانت تعارض شروط التسوية الروسية التي هي عمليا إقرار بالاستسلام، حيث تريد روسيا من الفصائل تسليم كامل أسلحتها وعتادها دفعة واحدة والسماح للجيش السوري باستعادة المناطق التي تحت سيطرتها، بمعنى العودة إلى ما قبل اندلاع الأزمة في العام 2011، دون أن تترك للمقاتلين خيار الرحيل من المنطقة نحو الشمال أسوة باتفاقيات سابقة.

ويخشى مقاتلو المعارضة أن يتعرضوا لعمليات انتقام وتنكيل من قبل القوات الحكومية، في ظل غياب الضمانات.

وتشن القوات الحكومية بدعم روسي منذ 19 يونيو عملية عسكرية واسعة النطاق في محافظة درعا الحدودية مع الأردن، مكنتها من توسيع نطاق سيطرتها من ثلاثين إلى أكثر من ستين في المئة.

وتعتبر هذه المحافظة إحدى آخر قلاع سيطرة المعارضة السورية، وفي حال سقوطها نهائيا فإن ذلك سيعني أن النظام وحليفته روسيا نجحا في حسم الصراع لصالحهما.

وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان في وقت سابق الخميس تنفيذ “الطائرات السورية والروسية أكثر من 600 ضربة جوية بين غارات وقصف بالبراميل المتفجرة منذ ليل الأربعاء واستهدفت بشكل خاص بلدات الطيبة والنعيمة وصيدا وأم المياذن واليادودة الواقعة في محيط مدينة درعا قرب الحدود الأردنية”. كما طالت بعض الضربات مدينة درعا.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن إن التصعيد الأخير “غير مسبوق” منذ بدء الحملة العسكرية على درعا. وأضاف “الطيران السوري والروسي حول هذه المناطق إلى جحيم”، متحدثا عن “قصف هستيري على ريف درعا في محاولة لإخضاع الفصائل بعد رفضها الاقتراح الروسي لوقف المعارك خلال جولة التفاوض الأخيرة عصر الأربعاء”.

وتم إحصاء مقتل ستة مدنيين على الأقل بينهم امرأة وأربعة أطفال جراء القصف على بلدة صيدا، التي تتعرض لغارات مستمرة منذ الأربعاء وتحاول القوات الحكومية اقتحامها، لترتفع بذلك، وفق المرصد، حصيلة القتلى منذ بدء الهجوم إلى 149 مدنيا على الأقل بينهم ثلاثون طفلا.

ويأتي استئناف الغارات على درعا، بعدما كانت قد توقفت منذ ليل السبت إفساحا للمجال أمام مفاوضات تولتها روسيا مع الفصائل المعارضة بهدف وقف المعارك.

وقال سامر الحمصي (47 عاما) النازح من مدينة درعا إلى حقول الزيتون المجاورة مع زوجته وأولاده الأربعة الخميس “منذ إعلان فشل التفاوض لم يتوقف القصف للحظة واحدة. يعيش الناس هنا تحت الأشجار أو في خيم مكتظة، لا شيء يحمينا من القصف”.

وتابع “نعيش بين أشجار الزيتون في حالة خوف من كل شيء، من القصف والحشرات، بلا مياه للشرب أو نقطة طبية قريبة منا”.

ونزح سامر الأسبوع الماضي مع زوجته وأولاده خشية من القصف على مدينة درعا. وقال “كنا نأمل أن يتوصل إخوتنا في لجنة التفاوض إلى حل يحقن دماء الناس ويوقف القتال في درعا، لكن للأسف الشديد الطرف الثاني، النظام وروسيا، رفض أي اتفاق إلا الاستسلام”.

وعقد الطرفان اجتماعا عصر الأربعاء أعلنت فصائل الجنوب على إثره “فشل المفاوضات” بسبب “الإصرار الروسي على تسليم الفصائل سلاحها الثقيل دفعة واحدة”، فيما اشترطت الأخيرة تسليمه على دفعات.

وكانت روسيا أنذرت الفصائل قبل اجتماع الأربعاء، وفق ما قال مصدر معارض مطلع على مسار التفاوض، بأنها تنتظر ردها النهائي على اقتراح وقف إطلاق النار، مخيرة إياها بين الموافقة على اتفاق “مصالحة” يعني عمليا استسلامها أو استئناف الحملة العسكرية.

وأبرمت روسيا في الأيام الأخيرة اتفاقات “مصالحة” منفصلة مع الفصائل المعارضة في أكثر من ثلاثين قرية وبلدة. وتنص هذه الاتفاقات بشكل رئيسي على استسلام الفصائل وتسليم سلاحها مقابل وقف القتال.

ويبدو من إصرار الروس على حسم الملف سريعا أن موسكو تسابق الزمن وتتعجل إنهاء ملف الجنوب قبل لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في هلسينكي في 16 من الشهر الجاري، والذي لن يغيب عنه الملف السوري حتما.

وسرت في الأوساط السياسية تكهنات عن تفاهم بين ترمب وبوتين سهل الحملة الأخيرة على الجنوب مقابل ثمن لم يعلن عنه بعد، ما يمكن اعتباره تفسيرا لتخلي واشنطن المفاجئ عن دعم الجبهة الجنوبية

وامتناع الساسة الأميركيين عن الإدلاء بأي تصريحات جدية تنتقد فضاعة ما يحدث.

وتسببت العمليات القتالية في درعا، وفق الأمم المتحدة، في نزوح ما بين 270 ألفا و330 ألف سوري، توجه عدد كبير منهم إلى الحدود مع الأردن أو إلى مخيمات مؤقتة في محافظة القنيطرة قرب هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل.

وناشدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الأردن الخميس أن يفتح حدوده ويوفر مأوى مؤقتا للسوريين الفارين من الضربات.

وقال المفوض السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي إن 60 ألفا من المدنيين موجودين عند معبر حدودي مع الأردن. وأوضح جراندي في بيان “الأعمال القتالية في المنطقة الحدودية تعرض حياة الناس للخطر وتترك الكثيرين دون خيار سوى السعي للعيش في أمان بالأردن المجاور”. وتابع “نظرا للأخطار المحدقة، أدعو إلى توفير مأوى مؤقت في الأردن لمن يحتاجون الأمان”.

ويصر الأردن على رفض فتح حدوده بالنظر لاحتضانه ما يزيد عن طاقة استيعابه من اللاجئين، حيث يقول إنه يحتضن منذ بدء الأزمة أكثر من مليون نازح، فضلا عن أن هناك مخاطر أمنية تحول دون إقدامه على هذه الخطوة.

وجدّدت عمان رفضها لفتح الحدود، وقالت المتحدثة باسم الحكومة جمانة غنيمات “الأردن اتخذ قرار إغلاق الحدود لحماية أمنه ولتجنب أي مخاطر قد تهدد أمنه ولا تحقق مصالحه”.

2