القتال يستعر في السودان ولا بوادر تسوية في الأفق

تصاعدت حدة القتال في السودان الأحد غداة هدنة توسطت فيها السعودية لتلبية حاجيات إنسانية عاجلة. ورغم المساعي الدولية والإقليمية والأممية لوقف الاقتتال، لا تلوح في الأفق أي بوادر للتسوية والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
الخرطوم - شهدت العاصمة السودانية الخرطوم الأحد تصاعدا في حدة القتال والاشتباكات والقصف المدفعي والضربات الجوية مع دخول الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أسبوعه الحادي عشر، وهو ما تسبب في نزوح 2.5 مليون شخص وإحداث أزمة إنسانية.
وأشار شهود عيان إلى زيادة حادة في أعمال العنف في الأيام الأخيرة في نيالا، أكبر مدن إقليم دارفور غرب البلاد. ودقت الأمم المتحدة ناقوس الخطر السبت، في ما يتعلق بالاستهداف العرقي وقتل أفراد من جماعة المساليت في الجنينة بولاية غرب دارفور.
والعاصمة السودانية ومدينة الجنينة الأكثر تضررا من الصراع الذي اندلع في 15 أبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، غير أن التوتر والاشتباكات تصاعدا الأسبوع الماضي في أجزاء أخرى من دارفور وفي كردفان جنوب البلاد.
وزادت الأعمال القتالية منذ أن انتهك طرفا الصراع سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي جرى الاتفاق عليها في جدة بعد محادثات قادتها الولايات المتحدة والسعودية. وتأجلت المحادثات الأسبوع الماضي.
ويستخدم الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان الضربات الجوية والمدفعية الثقيلة في محاولة لطرد قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) من أحياء الخرطوم.
وأفاد شهود بتدهور ملحوظ في الوضع الأمني في مدينة نيالا خلال الأيام القليلة الماضية، مع اندلاع اشتباكات عنيفة في بعض الأحياء السكنية.
قوات الدعم السريع أعلنت الأحد عن الاستيلاء على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي جنوب العاصمة السودانية الخرطوم
كما اندلع قتال بين الجيش وقوات الدعم السريع الأسبوع الماضي في محيط مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، والتي تقول الأمم المتحدة إنه يتعذر على العاملين في مجال الإغاثة الوصول إليها.
وفي مدينة الجنينة التي شهدت انقطاعا كاملا تقريبا في شبكات الاتصالات وإمدادات المساعدات في الأسابيع الأخيرة، أدت هجمات ميليشيات عربية وقوات الدعم السريع إلى فرار عشرات الآلاف عبر الحدود إلى تشاد.
ودعت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان رافينا شامداساني السبت إلى إنشاء ممر آمن للفارين من الجنينة ومساعدة عمال الإغاثة في الوصول إليها بعد ورود تقارير عن عمليات إعدام لأشخاص دون محاكمتهم محاكمة نزيهة بين المدينة والمناطق الحدودية و”استمرار انتشار خطاب الكراهية”، بما في ذلك دعوات إلى قتل المساليت أو طردهم.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن نحو مليوني شخص من بين أولئك الذين شردهم الصراع في السودان نزحوا داخليا، وفرّ ما يقرب من 600 ألف إلى البلدان المجاورة.
وأعلنت قوات الدعم السريع الأحد عن الاستيلاء على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي جنوب العاصمة السودانية الخرطوم وجاء ذلك في بيان للمتحدث باسم قوات الدعم السريع في بيان على فيسبوك.
وقال البيان إن “قوات الدعم السريع تمكنت اليوم (الأحد) من السيطرة التامة على رئاسة قوات الاحتياطي المركزي والتي كنا نتمنى أن تنأى بنفسها عن هذا الصراع الذي تديره الميليشيا الانقلابية وتسعى فيه للوقيعة بين أبناء الوطن الواحد”، في إشارة إلى القوات المسلحة السودانية.
وأضاف البيان “حذرنا مراراً وتكراراً قيادة وقوات الشرطة من الدخول في هذه المعركة التي هم ليسوا طرفاً فيها وقطع الطريق أمام محاولات قادة الانقلاب لتوسيع دائرة الحرب لكنهم لم يستبينوا النصح”.
وتابع “إننا نجدد الدعوة إلى كل الشرفاء في كافة الأجهزة النظامية خاصة شرفاء القوات المسلحة بالانضمام إلى خيار الشعب، وترك قادة الانقلاب ليواجهوا مصيرهم المحتوم والذي سيكون قريباً على يد أبطالنا الأشاوس”.
وعلى الناحية الأخرى من الحدود يقيم اللاجئون السودانيون تحت أسقف صنعت من فروع الأشجار أو يقفون في طوابير طويلة للحصول على حصتهم من المياه والغذاء.
وبالمجمل نزح 2.2 مليون سوداني داخل بلادهم، فيما لجأ نصف مليون آخرون إلى الدول المجاورة.
وتحاول الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الإنسانية مساعدة هؤلاء اللاجئين الذين لم يتمكّنوا من حمل أي شيء معهم حين خرجوا من بيوتهم التي تحتلّ أغلبيتها الآن قوات الدعم السريع.
لكنّ تمويل الاحتياجات الإنسانية غير متوفر. كذلك فإنّ العاملين في مجال الإغاثة الإنسانية الذين يطالبون منذ أبريل بتمكينهم من الوصول إلى المدنيين يواصلون الشكوى من العقبات الإدارية التي يواجهونها.
ومن دون مساعدتهم، لا يستطيع نصف سكان السودان البقاء على قيد الحياة، وفق الأمم المتحدة. ومع ذلك فإن الممرات الآمنة اللازمة لم تتوفّر بعد وكذلك تأشيرات الدخول اللازمة لدخول أجانب لمساعدة العاملين المحليين المنهكين.
وعلى مدى أسابيع حاول الأميركيون والسعوديون حمل طرفي الصراع على الوصول إلى تسويات أو إلزامهما على الأقلّ بفتح ممرات آمنة. لكن منذ الأربعاء علّقت واشنطن جهودها.
وقالت مولي في مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية الخميس، إن الولايات المتحدة أرجأت محادثات السودان لأنها لا تحقق النجاح المنشود بشكلها الحالي.
وأكدت في جلسة للجنة فرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب “أرجأنا هذه المحادثات (…) لأن الصيغة لا تحقق النجاح الذي نريد”.
وقالت المسؤولة الأميركية إنه على الرغم من أن وقف إطلاق النار لم يكن كامل الفاعلية لكنه سمح بنقل المساعدات الإنسانية المطلوبة بشدة.
وطالبت الحكومات الأخرى بالانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض عقوبات، وأضافت أن بريطانيا تدرس القيام بذلك لكن الاتحاد الأوروبي “بطيء إلى حد ما” في اتخاذ قرار مواصلة العقوبات. وقالت إن الولايات المتحدة تجري أيضا مباحثات مع شركائها العرب.
وفرضت الولايات المتحدة هذا الشهر عقوبات على شركات اتّهمتها بإذكاء الصراع في السودان مستهدفة شركتين مرتبطتين بالجيش وأخريين مرتبطتين بقوات الدعم السريع.
وردت على سؤال عن احتمال أن تفكر وزارة الخارجية الأميركية في اضطلاع مبعوث خاص بدور في تطبيق السياسة الأميركية في السودان، قائلة إن الوزير أنتوني بلينكن يدرس تعزيز دور السفير الأميركي في الخرطوم جون غودفري.
وأضافت “الحكومة الأميركية بأكملها منهمكة تماما في معالجة هذه الأزمة نظرا إلى تأثيرها ليس فقط على السودان وإنما على المنطقة بأسرها”.