القاهرة مضطرة إلى تسريع وتيرة بيع سندات الخزانة

القاهرة- لم تنجح الحكومة المصرية في فرض شروطها على الأجانب في آخر مزاد لبيع سندات الخزانة، حيث يطمح المستثمرون إلى الحصول على أكبر عائد، لكن القاهرة تخشى ازدياد الديون الناشئة عن ذلك، فيما أكد خبراء أن السلطات سوف تضطر إلى رفع أسعار الفائدة خوفًا من فقدان الثقة بالاقتصاد وعدم وجود بديل مناسب.
وكان من المفترض أن تقوم السلطات المصرية برفع العائد على سندات الخزانة التي تم طرحها أخيرًا بنفس مقدار رفع سعر الفائدة على الإيداع والإقراض في البنوك المصرية، خاصة أن المزاد الذي جمع 35 ألف دولار فقط شهد مطالبات بعوائد تصل إلى 28 في المئة من قبل بعض المستثمرين.
والسبب الرئيسي في إحجام المستثمرين عن شراء تلك السندات هو ارتفاع معدلات التضخم في مصر إلى مستوى كبير تعدى 31 في المئة خلال فبراير الماضي، وهو ما لا يتواكب مع العائد عليها مع الارتفاع الجامح في الأسعار، فضلاً عن الضغوط التي تتعرض لها العملة المحلية، ما أدى إلى عودة السوق الموازية وهبوط الجنيه في تعاملات العقود الآجلة.
ويصعب أن تتوقف السلطات عن طرح سندات الخزانة أو تقبل بالعائد الكبير الذي يرغب فيه عدد من المستثمرين، لأن أعلى سعر فائدة بالبنوك المصرية يصل إلى نحو 22.5 في المئة، بجانب الخوف من ازدياد الديون بشكل أكبر مما يجري حاليًا.
وارتفعت الديون الخارجية على مصر 5.2 في المئة خلال الربع الأخير من العام الماضي لتصل إلى 162.9 مليار دولار مع نهاية ديسمبر مقابل 154.9 مليار دولار في سبتمبر، وفقا لبيانات صادرة عن وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية.
وسجلت ديون مصر الخارجية زيادة بنحو 12 في المئة على أساس سنوي مقارنة بنهاية ديسمبر 2021، حيث سجلت مستوى 145.5 مليار دولار، بزيادة نحو 17.4 مليار دولار.
وأقر البنك المركزي المصري أول زيادة في أسعار الفائدة هذا العام في 30 مارس الماضي برفع كبير في أسعار الفائدة بلغ 200 نقطة أساس بعد الزيادات البالغة 800 نقطة أساس التي جرى إقرارها العام الماضي ليصل إلى نحو 18.75 في المئة للعمليات الرئيسية.
ولم يتم إقرار تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار والذي توقع البعض من المحللين حدوثه بالتزامن مع خفض أسعار الفائدة، ولا يزال الجنيه يتم تداوله عند سعر 30.96 أمام الدولار بحسب سعر الصرف الرسمي في البنك المركزي المصري.
وظل سعر الصرف الرسمي دون تغيير طيلة الأسابيع الماضية، لكن الجنيه انخفض في العقود الآجلة غير القابلة للتسليم لأجل 12 شهرًا إلى مستوى 41 أمام الدولار، فيما يتداول في السوق الموازية عند 35 إلى 36 أمام الدولار.
وعقب الإعلان عن سعر الصرف المرن في يناير الماضي انتعشت سندات الخزانة وضخ مستثمرون أجانب نحو 925 مليون دولار في ثلاثة أيام فقط في ذلك الحين.
وقال مصطفى إبراهيم عضو جمعية رجال الأعمال ونائب رئيس مجلس الأعمال المصري – الصيني إن القاهرة تعاني من أزمة عملة كبيرة وتحويلها إلى سلعة تتعرض للمضاربات مع عودة السوق السوداء يؤثر عليها سلبًا في بيع سندات الخزانة وفي الحصول على القروض.
◙ تزامن مع أزمة سندات الخزانة بالعملة المحلية، تراجع سندات مصر بالدولار الأميركي في عام حتى نهاية مارس الماضي في الأسواق الثانوية
ويقول خبراء إنه لا يمكن الحكم على اقتصاد دولة أو فقدان الثقة به من وسيلة تمويل قصيرة الأجل مثل سندات أو أذون الخزانة، بل من خلال السندات أو وسائل التمويل طويلة الأجل التي يتم طرحها في الأسواق الدولية في الفترة من 10 إلى 30 سنة. ولم تتعرض مصر لموقف سلبي في ذلك الإطار على الإطلاق.
وأضاف إبراهيم في تصريح لـ”العرب” أن الحل يكمن في تسريع التحرير (التعويم) الكامل للجنيه حتى تتم مواجهة السوق السوداء ومواصلة طريق الإصلاح الذي بدأته مصر مع صندوق النقد الدولي، خاصة أن البلاد في حاجة ماسة إلى العملة الأجنبية، فضلاً عن أنها لا تستطيع بيع شركاتها بالسهولة التي أعلنت عنها.
ويحرص المستثمرون في سندات الخزانة على التحوط، ويطالبون بعائد أعلى خوفًا من خفض سعر العملة المصرية بشكل رسمي قريبًا، ما يكبدهم خسائر جسيمة يترجمها الاختلاف الجديد الذي ينشأ في سعر الجنيه.
ولحاجة الحكومة إلى الحصيلة الناشئة عن السندات خلال الأجل القصير يصعب عليها أن تتريث أو تصبر كثيرا، والمطلوب هو التنسيق بين السياستين المالية والنقدية من أجل تحديد العائد على سندات الخزانة الذي تضعه وزارة المالية.
وغاب الترابط بين البنك المركزي ووزارة المالية في آخر طرح لسندات الخزانة، فلم يتغير العائد على السندات بالتزامن مع قرارات لجنة السياسة النقدية التي تسببت في تعديل معدلات الفائدة بالمصارف المحلية.
وأوضح المحلل الاقتصادي ياسر عمارة أن إحجام الأجانب عن شراء سندات الخزانة في آخر مزاد بمثابة ورقة ضغط على الحكومة المصرية من أجل رفع أسعار الفائدة عليها، موضحًا أنه لا يمكن وصف ذلك بأنه عدم ثقة في الاقتصاد المصري، لكنه بحث من جانب المستثمرين للحصول على أعلى عائد.
ولا تزال السندات المصرية جاذبة للمستثمرين، خاصة أن العائد عليها مرتفع للغاية عند المقارنة مع الأسواق الناشئة التي تصل فيها العوائد إلى نحو 4.5 في المئة، لكن المصرية تصل إلى نحو 22 في المئة.
وتوقع عمارة في تصريح لـ”العرب” أن ترفع الحكومة المصرية العائد على سندات الخزانة إلى مستوى 24 في المئة خلال الفترة المقبلة، لأنها مجبرة على الحصول على تدفقات من العملة الأجنبية لشراء احتياجات البلاد الأساسية.
وتعد سندات الخزانة المصدر المضمون والوحيد لدخول الدولار حاليًا إلى مصر، كونها الأداة الأسرع مع تعطل بيع الشركات ولجوء أهالي المصريين في الخارج إلى تغيير الدولار من السوق السوداء للاستفادة من فارق السعر بالنسبة إلى البنوك.
وتزامن مع أزمة سندات الخزانة بالعملة المحلية، تراجع سندات مصر بالدولار الأميركي في عام حتى نهاية مارس الماضي في الأسواق الثانوية، ليصل متوسط سعرها المستحق في 29 مايو المقبل إلى 63.7 سنت على الدولار، مقارنة بنحو 90.9 سنت في نفس اليوم عام 2022، بانخفاض قدره 30 في المئة.
ويشير الهبوط مع ارتفاع العائد على السندات في السوق الثانوية إلى قلق المستثمرين تجاه وضع الاقتصاد، ويضع المزيد من التحديات المتعلقة بزيادة تكاليف الاقتراض المستقبلية على كاهل الحكومة، مع وجود فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 17 مليار دولار حتى نهاية العام المالي المقبل.
وارتفع متوسط العائد على نفس النوع من السندات إلى أكثر من 15 في المئة في 31 مارس الماضي، مقارنة بنحو 9 في المئة قبل عام، الأمر الذي يزيد من الشكوك لدى المستثمرين وخوفهم من الأحوال الاقتصادية في البلاد.