القاهرة تُحرر القطاع الخاص من قيود المشاركة في التنمية

التعجيل بتمكين الشركات غير المملوكة للدولة من توفير الغذاء ومستلزمات الإنتاج.
الجمعة 2022/05/20
سر بثبات وانتبه للمطبات في طريقك نحو الهدف

تعتزم الحكومة المصرية إطلاق العنان للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية لاستعجال قرض جديد من صندوق النقد الدولي لسدّ الفجوة الدولارية التي تؤرقها، وتأمين احتياجات البلاد من الغذاء واستكمال مرحلة الإصلاح الهيكلي التابعة للبرنامج الذي بدأ تنفيذه منذ ست سنوات.

القاهرة- كثفت السلطات المصرية جهودها لتوسيع دور الشركات غير المملوكة للدولة في الحياة الاقتصادية وتعدّ حاليا ما يسمى بوثيقة “سياسة ملكية الدولة” بالتعاون مع رجال أعمال وتحدد تخارج الدولة من عدة قطاعات وفقًا لمعايير المنظمات الدولية.

وتمثل الوثيقة خارطة طريق للحد من مشاركة القطاع العام في جهود التنمية، وتعزز من تمكين القطاع الخاص وتنظيم تواجد الحكومة في النشاط الاقتصادي، استكمالا للإصلاحات الحكومية التي تتبناها الدولة.

حسن الشافعي: يجب توفير التسهيلات الائتمانية ومواجهة البيروقراطية

وسرّعت الحرب الروسية-الأوكرانية من اتجاه القاهرة لتمكين القطاع الخاص من مساندة الدولة في توفير أمنها الغذائي والخامات ومستلزمات الإنتاج.

وكشفت تطورات الحرب وتداعياتها، ومن قبلها انتشار فايروس كورونا، حاجة البلاد إلى زيادة الاعتماد على الزراعة وتوطين الصناعة المحلية لتلبية احتياجات الأفراد والأسواق.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي مؤخرا إنه “سيتم الإعلان بصورة رسمية خلال مايو الجاري عن وثيقة سياسات ملكية الدولة”.

وأوضح أنها تتضمن تحديد الأنشطة التي تتواجد بها الدولة ومؤسساتها بصفة مستمرة والقطاعات التي تتخارج منها في السنوات الثلاث المقبلة، والأنشطة التي تستمر بها الدولة مع تقليل حصتها تدريجيا.

ويعد ذلك رسالة للمستثمرين المحليين والأجانب بأن المشاركة في الاستثمار والتنمية مفتوحة، لأن الوثيقة ترصد الأصول المملوكة للدولة مع تحديد جدول زمني لتخارج السلطات من معظم الأنشطة الاقتصادية على مراحل محددة.

ورغم كبر حجم القطاع الخاص الذي يسهم بنحو 72 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويستوعب 78.4 في المئة من القوة العاملة النشيطة، إلا أنه يواجه مشاكل هيكلية تحد من قدرته على دفع التنمية بالشكل المأمول.

ومن شأن الوثيقة المنتظرة تعزيز مشاركة القطاع الخاص وتطوير الشراكة مع القطاع العام، وهو أحد محاور برنامج الإصلاح الهيكلي بهدف تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي وزيادة المشاريع الإنتاجية وتعظيم دور الصناعة المحلية وزيادة الناتج المحلي الإجمالي.

وتمثّل الوثيقة انعكاسا لخطاب خصخصة شركات الدولة وتنحي الحكومة والجيش عن إدارة الاقتصاد، وهي رسالة موجهة إلى صندوق النقد الدولي الذي يرفض مشاركة الحكومات في العملية الاقتصادية للحصول على تمويلات تسد الفجوة الدولارية التي تعاني منها البلاد.

وتعتزم الحكومة بيع أصول مملوكة للدولة تعادل 40 مليار دولار في أربع سنوات، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، لأنها تسد الفجوة التمويلية المزمنة في ميزان المدفوعات، وتمنح الضوء الأخضر لبيع فنادق والبعض من المتاجر، وهي إشارة لتغول القطاع الخاص في الاقتصاد.

مصطفى هديب: وثيقة سياسة ملكية الدولة تجذب الاستثمارات الأجنبية

ورغم إيجابيات المضمون الذي تنطوي عليه الوثيقة إلا أنها لا تضع خطوطا حمراء للقطاعات الاستراتيجية في البلاد وتسمح بمشاركة الأجانب فيها مثل الموانئ والبنوك والتعليم، وهي أمور تثير غضب عامة الشعب.

ويرجع ذلك إلى التجارب السيئة لعمليات الخصخصة في عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي بيع في عهده الكثير من أصول البلاد بأبخس الأسعار، ولذلك تميل الحكومة إلى المشاركة مع القطاع الخاص في القطاعات الحيوية دون رفع يدها كاملة.

ومن المتوقع أن تمتد القطاعات التي تتخارج منها الدولة إلى الطاقة الجديدة والمتجددة والعقارات، لاسيما في المدن الجديدة ومشروعات الاتصالات وتحلية المياه، فضلاً عن البعض من مشروعات النقل مثل مشروع القطار الكهربائي السريع والمونوريل.

وكشف مدبولي عن دمج أكبر 7 موانئ تحت مظلة شركة واحدة ودمج 7 فنادق في كيان واحد أيضا وطرحهم (بيعهم) فى الأسواق المالية، وطرح عدد من الشركات التابعة للقطاع العام فى البورصة، منها 10 شركات قطاع عام وشركتان تابعتان للقوات المسلحة.

وربما لا يستفيد الفقراء والمهمشون من تلك السياسات التي تنتهجها الحكومة، خاصة أنها تطبق وصفة صندوق النقد الدولي التي لا تأبه بظروف الطبقات الهشة وتعد سياساته كأنها عقاب لهم.

ومثل هذا المسار يزيد من عوز الفقراء، وذلك تزامنا مع برامج الحماية الاجتماعية التي تنتهجها الحكومة ولا تتماشى مع معدلات التضخم وارتفاعات الأسعار القياسية التي طالت كل السلع والخدمات.

وحسب أحدث نشرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن الفقر في مصر، فقد بلغت المعدلات الرسمية نحو 29.7 في المئة في العام المالي 2019- 2020 مقابل 32.5 في المئة خلال العام المالي 2017- 2018.

وقال رئيس الأكاديمية العربية للعلوم الإدارية والمالية والمصرفية مصطفى هديب في تصريح لـ”العرب” إن “إعداد الحكومة لهذه الوثيقة يبث الطمأنينة في نفوس المستثمرين المحليين وجذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد”.

وتدحض الوثيقة الاتهامات التي وجهت إلى الحكومة والجيش بشأن تعمدهما تقويض دور القطاع الخاص ومزاحمته في السنوات الماضية التي تزعمها بعض رجال الأعمال في الداخل على رأسهم نجيب ساويرس.

وأضاف هديب أن “الوثيقة تؤكد حرص الدولة على إفساح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة الفاعلة في الإنتاج السلعي والخدمي دون مزاحمة من الهيئات العامة، ما يرفع كفاءة وفاعلية الاستثمارات العامة للنهوض بالاقتصاد الوطني”.

40

مليار دولار قيمة الأصول المملوكة التي تعتزم الدولة بيعها

وأوضح أن توقيت طرحها مناسب ويتزامن مع توافر مناخ استثمار جيد وجاذب للاستثمارات الأجنبية لما به من عوامل كثيرة هيأت البيئة الاستثمارية مثل البنية التشريعية الاقتصادية ومناطق التنمية الكبرى والطرق والكباري الجديدة التي طورت البنية التحتية بشكل كامل.

ورغم إيجابية هذه الخطوة التي تمكن القطاع الخاص من التنمية والاستثمار، إلا أنها تأخرت كثيرا، ولولا تعليمات صندوق النقد الدولي ما خطت الحكومة تلك الخطوة، لأن سلوكها على مدار السنوات الماضية لم يبرهن على ذلك.

وأكد عضو مجلس إدارة جمعية رجال الأعمال المصريين حسن الشافعي أن تشجيع القطاع الخاص للعمل وزيادة المشاركة في التنمية خطوة إيجابية لابد أن تتزامن معها تيسيرات وتسهيلات على أرض الواقع للمستثمرين المحليين.

وأشار لـ”العرب” إلى أنه يجب أن تشمل وثيقة سياسة ملكية الدولة مواجهة وإلغاء البيروقراطية والتسهيلات المصرفية ومنح القروض بفوائد مخفضة لتشجيع الصناعة والزراعة.

كما شدد الشافعي على أنه ينبغي على الحكومة شراء المنتجات المحلية تفعيلا لقانون تفضيل المنتج المحلي في الصناعة الذي صدر منذ سنوات ولم يفعّل عمليا.

ولا يوجد بديل أمام الحكومة لإنعاش الاقتصاد والسيطرة على الديون الخارجية التي تقدر بنحو 145 مليار دولار إلا بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والخليجية بصفة خاصة.

ولذلك لا يجب الاقتصار فقط على شراء أسهم أو شركات قائمة كما هو مخطط حاليا لزيادة الحصيلة الدولارية وتحفيز نمو الناتج المحلي الإجمالي والتشغيل والتصدير، حتى يمكن سداد القروض الخارجية.

11