القاهرة توفر الدولار للاستيراد على حساب خامات الإنتاج

دخلت مصر في سباق لاستيراد السلع الغذائية وسحب البساط من تحت أقدام القطاع الخاص لسد العجز بالأسواق، ما يثير شكوكا بشأن نقص السيولة التي بدأت تظهر لشراء منتجات من الخارج، فيما يشكو أصحاب الأعمال من تعطل مصانعهم لعدم الإفراج عن الخامات.
القاهرة – سمحت الحكومة المصرية لنفسها باستيراد الدواجن والأرز لسد فجوة الاستهلاك المحلية ومواجهة ارتفاعها بشكل غير مسبوق في الأسواق، رغم اعتراض مستثمرين على هذا القرار، لأنه يقوّض الصناعة المحلية ويعمق خسائر شركات القطاع الخاص.
وبدأت التقديرات تتزايد حول ارتفاع أسعار الدولار مجددا مع استحواذ الحكومة على حصة كبيرة من العملات الأجنبية، مقابل زيادة الطلب من جانب القطاع الخاص، الأمر الذي يوسع الفجوة في تراجع العملة الأميركية في البنوك كعملة رئيسية في الاستيراد.
وتراهن السلطات على الحصيلة الدولارية الناتجة عن طرح الصكوك والسندات في الأسواق العالمية خلال الفترة الماضية، بجانب الأموال الساخنة الناشئة عن الاستثمار في البورصة المحلية، كوسيلة لتعويض النقص من نصيب الدولار للقطاع الخاص.
وأعلن وزير التموين والتجارة الداخلية علي مصيلحي قبل أيام قيام الحكومة بدراسة استيراد كميات جديدة من الدواجن المجمدة، والتخطيط لاستيراد المزيد من الأرز، استعدادا لتزايد الطلب عليهما بالتزامن مع شهر رمضان.
وجاء ذلك بعد أن شهدت أسعار الدواجن والأرز ارتفاعات كبيرة بسبب تداعيات خفض قيمة الجنيه والقيود التي فرضتها الحكومة على الاستيراد العام الماضي، ما أدى إلى نقص حاد في الأعلاف اللازمة للإنتاج المحلي للدواجن، في ظل ارتفاع تكلفتها وتغير المناخ.
وتتحرك القاهرة في مسارات متوازية لتوفير السلع الغذائية وإتاحة مستلزمات الإنتاج للمصانع، وسط وجود فجوة كبيرة في الدواجن تصل إلى 40 في المئة مع ارتفاع سعرها محليا، وكان لا بد من البحث عن حل سريع.
ومع خطوة استيراد الدواجن فإن على الحكومة الانتظام في الإفراج عن خامات الأعلاف بالمصانع، لكن هذا قد لا يتحقق عمليا مع تعطل تشغيل خطوط الإنتاج.
وقال عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية للقاهرة، إن “أزمة الأعلاف التي تسببت في صعود أسعار الدواجن تُحل بتوفير الدولار اللازم للمصانع كي تستورد ما تحتاجه، مع رقابة صارمة على الأسواق لمنع عودة الدولار إلى الارتفاع”.
وأكدت القاهرة أن الدواجن المستوردة لن تترك آثارا سلبية لأنها تسعى للحفاظ على الصناعة المحلية ويتم الاستيراد نتيجة نقص المعروض وارتفاع الطلب، لتسهم الكميات المستوردة في استقرار المطروح وانخفاض الأسعار.
وأوضح السيد لـ”العرب” أن أسعار خامات الأعلاف تباع في الأسواق وكأنه تم شراؤها بسعر الدولار عند 40 جنيها (1.3 دولار) أو أكثر.
وأشار إلى أنه قد يصل سعر طن الذرة الصفراء المستوردة بعد تحديد هامش الربح إلى 10 آلاف جنيه (نحو 300 دولار)، لكن يحصل عليه أصحاب المزارع والمنتجين بسعر 16 ألف جنيه (حوالي 500 دولار).
وتستهلك مصر نحو 180 ألف طن من الدواجن شهريا، ما يعني أن الاستهلاك في الأسبوع الواحد يصل إلى 45 ألف طن، ونسبة العجز نحو 40 في المئة، أي 72 ألف طن، ومن ثم فإن استهداف الحكومة استيراد 25 ألف طن لن يكفي البلاد سوى فترة قليلة.
180
ألف طن من الدواجن تستهلك مصر شهريا، ما يعني أن الاستهلاك في الأسبوع الواحد يصل إلى 45 ألف طن، ونسبة العجز نحو 40 في المئة
وتقع المسؤولية الأكبر حاليا على كاهل الدولة باعتبارها المسؤولة عن ضبط السوق، فيما يعبر التذبذب الشديد في الأسعار وعدم القدرة على مواجهة التجار عن فشل الإدارة في إحداث توازن وتوفير السعر المناسب للمواطنين.
وتوجد علامات استفهام عديدة حول انخفاض أسعار الدواجن إلى نحو 70 جنيها (نحو 2.3 دولار) لنحو يومين فقط، عقب الإعلان عن استيراد الدواجن من الخارج، ثم ما لبثت أن عادت إلى الصعود، ويباع الكيلو الآن بنحو 80 جنيها (نحو 2.6 دولار).
وأشار رئيس شعبة الدواجن بالغرفة التجارية للقاهرة إلى أن عودة الارتفاع مجددا جاء مخالفا للتوقعات، فتكلفة سعر كيلو الدواجن وفق دراسة أعدتها الشعبة بلغ 59 جنيها (نحو 1.93 دولار)، وينبغي أن يصل إلى المستهلك بنحو 65 جنيها (2.1 دولار).
وتابع السيد في تصريحه لـ”العرب” أن “مصنعي متوقف عن العمل بسبب نقص خامات الأعلاف خاصة الذرة الصفراء، وعدم القدرة على الإفراج عنها من الموانئ”.
وتستورد مصر أكثر من مليون طن من الذرة شهريا، لكنها اشترت 924 ألف طن فقط في الربع الأخير من عام 2022، وفق ما ذكرته ستاندرد أند بورز غلوبال، فيما أعلنت الحكومة عن خطة لزراعة المحاصيل التي تُصنع منها الأعلاف وزيوت الطعام.
أما أزمة الأرز فهي ناشئة عن حجب التجار للسلعة وتعمد تعطيش الأسواق منه، ولجأت الحكومة إلى استيراده لأجل زيادة المعروض ومجابهة سعره الجنوني الذي بلغ 25 جنيها (90 سنتا) بأسواق التجزئة، وترغب في إرغام التجار على خفض سعره.
وتعاقدت الحكومة على استيراد كميات جديدة من الأرز. ويُتوقع طرحه بالأسواق خلال منتصف هذا الشهر في إطار خطة لتوفير السلع والحفاظ على العرض والطلب بعد ارتفاع أسعارها محليا.
وذكر عادل سلامة مدير مجموعة الجوهرة للصناعات الغذائية لـ”العرب” أن الدولة ينبغي عليها توفير الدولار لشراء الخامات ومساندة الصناعة بدلا من رصده لاستيراد المنتجات تامة الصنع، خاصة أن المصانع معطلة عن العمل حاليا.
ولم تنجح الحكومة في تطبيق التسعير الإجباري لبعض السلع، ومنها الأرز، والذي تم إلغاء سعره المحدد في أواخر الشهر الماضي، فيما هدفت الفترة المؤقتة التي طبقت خلالها السلطات السعر الإجباري عليه إلى تمكين الحكومة من الحصول على كميات منه للبطاقات التموينية.
وفيما عبر تجار الأرز عن غضبهم من ارتفاع الأسعار غير المبرر، فإن من المرتقب انخفاضه خلال معارض “أهلا رمضان” المتخصصة في توفير السلع الغذائية بشكل أكبر عند بدء طرح المستورد الفترة المقبلة.
وقال مصدر في غرفة القاهرة التجارية، طالبا عدم الكشف عن اسمه، لـ”العرب”، “نقوم بشراء الأرز من المضارب بسعر 23 ألف جنيه (800 دولار) للطن، ونبيعه بالخسارة في معارض “أهلا رمضان” بسعر 20 جنيها للكيلوغرام”، مطالبا بمحاسبة أصحاب المضارب على ذلك.
وأشار سلامة إلى أن ما تشهده الأسواق من التدهور الحاصل في القطاع الغذائي سببه عدم تشجيع ودعم السلطات للمزارعين والتصنيع المحلي، كما يناقض ذلك توجهات الدولة نحو استصلاح الملايين من الأفدنة.
ورفض ثروت الزيني، نائب رئيس اتحاد منتجي الدواجن، استيراد الحكومة للمنتجات تامة الصنع على حساب ترك خامات الإنتاج بالموانئ، وقال لـ”العرب” إن “مصنعي متوقف لعدم وفرة مستلزمات الإنتاج”.