القاهرة تواجه ورطة تحديد سعر النفط في الموازنة الجديدة

تواجه الحكومة المصرية ضغوطا اقتصادية متصاعدة بشأن تسعير برميل النفط في الموازنة العامة الجديدة، في ظل تفاقم الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للاستقرار المالي مع اعتماد البلد على استيراد الطاقة لتغطية فجوة كبيرة من احتياجاتها.
القاهرة - تجدد الحديث في مصر عن ضرورة إعادة النظر في إعداد الموازنة الجديدة التي ستبدأ في يوليو المقبل بسبب الحرب بين إسرائيل وإيران، فبينما تسعى الحكومة إلى ضبط الإنفاق وتقليص مخصصات الدعم، تبقى هذه الجهود رهينة تقلبات السوق العالمية وتطورات المشهد في المنطقة.
ويواجه المسؤولون تحديات متزايدة بشأن الحفاظ على استقرار الموازنة الحكومية، في ما يتعلق بتكاليف دعم الطاقة وأسعار النفط، ما ينذر بزيادة العجز.
وقالت مصادر لـ”العرب” إن “كل زيادة بمقدار دولار واحد في سعر برميل النفط العالمي أعلى التقديرات المدرجة في الموازنة، يُحمل خزينة مصر أعباء مالية إضافية تناهز 80 مليون دولار، ما يسلط الضوء على حساسية الموازنة تجاه تقلبات الأسواق النفطية في العالم.”
ويأتي ذلك في وقت يشهد فيه خام برنت حالة من التذبذب، حيث تخطى سعر البرميل حاجز 78 دولارًا عقب اندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، قبل أن يتراجع إلى مستويات 72 و73 دولارًا وسط غموض بشأن المستقبل.
واعتبر اقتصاديون أن ذلك يمثل دلالة واضحة على إمكانية تخطي تقديرات الموازنة المعلنة، التي حددت فيها وزارة المالية متوسط سعر البرميل عند 75 دولارًا خلال العام المالي المقبل 2025 – 2026، مقارنة بنحو 82 دولارًا في الموازنة الحالية.
وجاء هذا التخفيض في إطار نهج حكومي يسعى إلى وضع تقديرات واقعية لتكاليف دعم المواد البترولية، وتقليص فجوة الإنفاق في ظل ظروف اقتصادية دولية متغيرة.
ورغم واقعية تلك التقديرات، إلا أنها عرضة للاهتزاز، حال استمر التوتر في المنطقة، ما يزيد من احتمال حدوث طفرات سعرية غير متوقعة في سوق النفط العالمية.
وأصدرت مؤسسات اقتصادية كبرى، منها بنك جي.بي مورغان، تحذيرات من ارتفاع أسعار النفط إلى 130 دولارًا للبرميل، في حين توقعت آي.أن.جي بارنجز أن يصل السعر إلى 150 دولارًا مع نهاية هذا العام، إذا استمرت الحرب، ودخلت فيها أطراف أخرى مباشرة.
وتشير بعض التقديرات إلى سيناريوهات قاتمة قد تُحدث ضغوطًا غير مسبوقة على اقتصادات الدول المستوردة للنفط، وعلى رأسها مصر.
ولا تقتصر تبعات ارتفاع أسعار النفط على زيادة أعباء دعم الوقود في مصر فقط، بل تمتد إلى تأثيرات تضخمية تشمل مجمل أسعار السلع والخدمات، بما في ذلك النقل والكهرباء والمنتجات الغذائية.
وفي ضوء ذلك ستتجه تكاليف المعيشة إلى الارتفاع مع زيادة الضغوط الاجتماعية، في وقت تريد فيه القاهرة احتواء معدل التضخم وإعادة الاستقرار النقدي.
ووفق التقرير نصف السنوي الصادر عن وزارة المالية، بلغت قيمة دعم المواد البترولية نحو 71 مليار جنيه (1.4 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام المالي الجاري، من إجمالي 3 مليارات دولار مخصصة للعام بأكمله.
وتسعى الحكومة إلى خفض هذا الرقم بشكل كبير في موازنة العام المقبل، وحددت مخصصات دعم الوقود بنحو 1.5 مليار دولار، ما يعكس توجهًا واضحًا نحو ترشيد الإنفاق وتوجيه الموارد المالية إلى مجالات التنمية والاستثمار في البنية التحتية والخدمات العامة.
وتؤكد بعض البيانات الرسمية أن مصر تستهلك نحو 750 ألف برميل نفط يوميًا، ويتراوح إنتاجها المحلي بين 510 و540 ألف برميل فقط، ما يعني وجود فجوة يومية تتراوح بين 210 و240 ألف برميل تتم تغطيتها من خلال الاستيراد المباشر للنفط الخام ومشتقاته.
وقال المحلل الاقتصادي المصري محمد سعيد إن “هذا الاعتماد الكبير على الاستيراد يجعل الاقتصاد عُرضة لتقلبات الأسعار العالمية، في ظل أزمات كبيرة تهدد أمن الإمدادات في منطقة الخليج العربي، التي تعد المورد الرئيسي للنفط.”
وأضاف لـ”العرب” أن “أي زيادة مفاجئة في أسعار النفط العالمية تعني تحميل الخزانة العامة أعباء غير متوقعة، ما يدفع إلى إعادة النظر في السياسات الاقتصادية المتعلقة بالدعم والطاقة، وربما يُسرّع من وتيرة الإصلاحات الهيكلية في هذا القطاع.”
1.5
مليار دولار مخصصات الدعم في موازنة 2025 – 2026 نزولا من 3 مليارات في الموازنة الحالية
وذكر سعيد أن هذا الأمر قد يترتب عليه اتجاه أسعار المنتجات البترولية في السوق المحلية إلى الصعود، مع التزام مصر بآلية تسعير ربع سنوية تأخذ في الاعتبار السعر العالمي.
وفي أبريل الماضي، بعد أن رفعت القاهرة أسعار الوقود، أعلنت الحكومة أنه لن يتم النظر في زيادة أسعار المحروقات قبل ستة أشهر مقبلة.
ولا يتوقف أثر تحديد سعر البرميل على ملف الدعم، وإنما يمتد إلى توازنات أوسع في الاقتصاد الكلي، والزيادة غير المحسوبة في تكاليف استيراد الطاقة تدفع بعجز الموازنة إلى مستوى أعلى من المستهدف، وتؤثر على احتياطي العملات الأجنبية.
وتراهن الحكومة على آلية المراجعة الدورية لموازنة الدعم، بحيث يمكن تعديل الأرقام حال حدوث طارئ كبير، ويُعوّل صانع القرار على التنويع في مصادر الطاقة، والتوسع في إنتاج الغاز المحلي، وتوفير تمويلات بديلة من شركاء دوليين، ضمن خطّة لتحييد جزء من الصدمات الخارجية.
ويشير الواقع إلى أن هامش المناورة بات ضيقا، فكلما اشتدّت التوترات في الإقليم تقلصت قدرة الدولة على التنبؤ، وتزايد خطر الانكشاف على أسواق الطاقة.
وأوضح خبير الاستثمار المصري مجدي شرارة أنه في ظل هذه المعطيات تبرز أهمية وجود سيناريوهات مالية واقتصادية مرنة تستطيع التكيف مع الصدمات النفطية، سواء كانت ناجمة عن اضطرابات في العرض أو تقلبات في الطلب العالمي.
وشدد في تصريحات لـ”العرب” على أنه من بين أبرز الإجراءات الممكنة، توسيع استخدام الطاقة البديلة، مثل الطاقة الشمسية والرياح، لتقليل الاعتماد على النفط.
وقال “من المهم تطوير سياسات التحوط المالي عبر تعاقدات آجلة لتأمين أسعار النفط عند مستويات ثابتة، واستمرار إعادة هيكلة منظومة الدعم بما يضمن وصوله إلى مستحقيه دون إهدار في الموارد.”
وتعد مواكبة تطورات الأسعار العالمية للنفط ضرورة إستراتيجية لمصر، وهو ما يتطلب مراقبة مستمرة للأسواق الدولية، والتواصل السياسي الفعال لضمان استمرار تدفق الإمدادات بلا انقطاع، في ظل ظروف غير مستقرة تشهدها المنطقة.