القاهرة تقترب من غلق ملف السجناء كجزء من خارطة يعاد تشكيلها

بدأت القاهرة في سلسلة من الإجراءات والتشريعات تستهدف وضع حد لملف السجناء الذي لطالما شكل لها صداعا مزمنا مع الداخل والخارج، وتنظر المعارضة باهتمام لتحركات الحكومة والبرلمان، والتي ستكون مؤثرة في قرارها لناحية استكمل المشاركة في الحوار الوطني.
القاهرة - أوحت موافقة مجلس النواب المصري أخيرا على تعديل قانون الإجراءات الجنائية والسماح للمحكوم عليهم بالإعدام في قضايا جنائية بالاستئناف ورفض العقوبة مرتين، بوجود توجه رسمي نحو المزيد من التعديلات التشريعية المتعلقة بالحريات.
وأكد عدد من أعضاء مجلس النواب المصري أن الأيام المقبلة ستشهد حسما لعدد من النصوص القانونية التي لها علاقة بتشريع آخر مهم سياسيا يرتبط بملف السجناء.
وقال عضو لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في البرلمان المصري ضياءالدين داود إن المجلس قارب على الانتهاء من تعديلات تتعلق بالحبس الاحتياطي لإغلاق الملف، في ظل دعم حكومي لوضع نصوص حديثة تتوافق مع متطلبات المرحلة، وتتلاقى مع ما سبق وطرحته قوى وطنية في الجولة الأولى من الحوار الوطني.
وأعلن أعضاء بلجنة العفو الرئاسي قبل أيام أن اللجنة الفرعية المشكلة لصياغة ومراجعة مشروع القانون المُقدم من الحكومة قامت بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، وبينها الحبس الاحتياطي، وسيأخذ دوره داخل مجلس النواب، وتمت مراعاة ملاحظات المجتمع المدني حول حقوق المتهم، والحريات العامة.
ويشير الواقع السياسي في مصر إلى وجود ما يوصف بـ”الضوء الأخضر” للانفتاح على قوى المعارضة وعدم الممانعة في السماح لها بالظهور على وسائل الإعلام الرسمية، كجزء من خارطة سياسية يعاد تشكيلها في البلاد تقوم على الانفتاح والتقارب مع المختلفين مع السلطة.
وجاء إعلان ضياءالدين داود عن اقتراب غلق ملف الحبس الاحتياطي نهائيا أثناء ظهوره على فضائية “سي.بي.سي” ضمن حوار مطّول معه في برنامج “في المساء مع قصواء”، مساء الثلاثاء، شهد انتقادات حادة للحكومة والنظام المصري، وأنهما السبب في ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والسياسية من سلبيات خطيرة، مؤكدا أن المعارضة بحاجة إلى مصداقية السلطة لتتعاطى مع الجولة الثانية من الحوار الوطني.
وانتهت المرحلة الأولى من الحوار الوطني قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي باكتساح، بإجماع القوى الوطنية على إنهاء ملف الحبس الاحتياطي، وتعديل كل النصوص القانونية المرتبطة به.
وثمة تلميحات من قوى معارضة بارزة بأنها لن تشارك في الجولة المقبلة من الحوار، طالما أن التوصيات التي قدمتها لم تجد صدى عند النظام، وأبرزها ملف سجناء الرأي.
وتقوم فلسفة الحبس الاحتياطي على اتخاذ ما يلزم لعدم هروب المتهم من الجريمة التي يجري التحقيق فيها، لكن القانون الحالي ينص على استمرار حبس المتهم لفترة طويلة تقارب العامين دون محاكمة، بينما تتمسك قوى المعارضة بوضع حد أقصى للحبس الاحتياطي، بعدها يُطلق سراح المتهم ويصبح بريئا أو تتخذ إجراءات أمنية لوضع المتهم تحت المراقبة بعيدا عن حبسه إلى حين إدانته أو تبرئته.
وبدأ النظام المصري يتعامل بشكل واقعي مع ملف السجناء، واقتنع بعدم وجود مزايا أمنية أو سياسية من استمرار متاجرة خصومه بقضية الحبس الاحتياطي طوال الوقت، وسيكون من الصعب إقناعهم بالحوار الوطني طالما أن أهم مطلب لهم لا يحظى بالموافقة، في حين تعهد السيسي بالاستجابة لمخرجات الحوار بلا قيد أو شرط.
وأكد نجاد البرعي، المحامي الحقوقي وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني، في تصريحات لـ”العرب” أن من مصلحة النظام غلق كل ثغرة تثير جدلا سياسيا، والدور حاليا على البرلمان للاستجابة للإجماع حول إنهاء ملف الحبس الاحتياطي.
وأضاف البرعي أن الدولة يصعب أن تخسر مع غلق ملف الحبس الاحتياطي، وسوف تكسب الكثير سياسيا وشعبيا، ويكفي تأكيد مصداقية الحوار الوطني، قائلا “يجب على الحكومة والبرلمان التعامل مع ملف السجناء كأولوية سياسية واستثمار تفاعل الرئيس السيسي بشكل إيجابي مع توصيات الحوار الوطني”.
وتنتظر المعارضة الإعلان رسميا عن اتخاذ خطوات جادة بشأن بعض مطالبها الملحة قبل تدشين المرحلة الثانية من الحوار الوطني بعد تعهد الرئيس السيسي في خطاب ألقاه عقب فوزه بانتخابات الرئاسة باستكمال الحوار وفتح نقاشات مع القوى الوطنية.
وعلمت “العرب” أن الإجراءات البرلمانية التي تجرى بشكل متسارع لإغلاق ملف الحبس الاحتياطي، تشارك فيها هيئة مستشاري مجلس الوزراء، والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وشخصيات فاعلة في المجتمع المدني، وعدد من القضاة والمحامين البارزين، وجهات أمنية، بحيث تخرج التعديلات مرضية لجميع الأطراف.
وتقوم فلسفة التعديلات المرتبطة بالحبس الاحتياطي، على تحجيم دور أجهزة الأمن في هذا الملف، ويصبح القول الفصل في كل قضية بيد الجهات القضائية وحدها، مع وجود حد أقصى لمدة الحبس الاحتياطي، لأنه لا يجوز تقييد حرية متهم، مع تعويض المحبوس إذا حصل على البراءة.
وتعكس مشاركة مسؤولين ومؤسسات فاعلة في إنهاء ملف السجناء وجود رغبة رسمية في التجاوب مع المعارضة في هذا الشأن، وعدم الممانعة في اتخاذ إجراءات تضمن استمرار حالة الحوار في البلاد، أمام تصاعد التحديات الداخلية والإقليمية.
وتشير نقاشات برلمانية، بجانب ما يدور داخل لجنة العفو الرئاسي، إلى الاتجاه الجاد نحو تعديل النصوص القانونية الخاصة بالحبس الاحتياطي، بحيث لا يكون قاصرا على النشطاء والسياسيين وسجناء الرأي فقط، ويتم تطبيقه على كل من تتم محاكمتهم في تهم مختلفة دون انتقاء أو إقصاء.
واقتنعت أصوات مقربة من السلطة بأن أيّ زخم سياسي تريد الدولة تحقيقه ليشعر الناس بالتغيير يرتبط بمدى الاستجابة للقوى المدنية في المسائل التي لن تؤثر على الأمن القومي، وعلى رأسها السجناء، فالكثير منهم يخرج ولا يثير أزمات ويصعب إحراز تقدم في الإصلاحات في غياب ملف سياسي محوري، مثل الحبس الاحتياطي.
وقال خالد داوود، الناطق باسم الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة، في تصريحات لـ”العرب” إن استمرار الحوار مرتبط بالاستجابة لما أجمعت عليه القوى الوطنية بإنهاء ملف السجناء والتعاطي بجدية مع قضية الحريات، بما يحقق مصلحة جميع الأطراف، وأي زخم تبحث عنه الحكومة يبدأ من التعاطي الجاد مع مطالب التيارات المختلفة قبل أن تطلب منهم العودة إلى طاولة الحوار الوطني مجددا.
ويرتبط عدم ممانعة النظام المصري لحسم ملف السجناء بوجود رغبة لدى الرئيس السيسي في بداية ولاية جديدة في الحكم تقوم على غلق ثغرة تتضخم سياسيا بشأن حقوق الإنسان والحريات والمحتجزين قسريا أو المحبوسين على ذمة قضايا دون محاكمات.
ويدرك الرئيس السيسي أن مجابهة التحديات المتصاعدة تتطلب وحدة الجبهة الداخلية من خلال تبني إجراءات لا تهدد الأمن القومي، وتأتي التحركات الأخيرة في سياق صعوبة المضي نحو مواجهة الأزمات وسط غضب ناجم عن التوسع في الحبس واحتجاز أفراد وسياسيين لفترات طويلة بلا محاكمات قضائية.