القاهرة تعزز انفتاحها على دمشق لحجز مكان في التغييرات الإقليمية

زيارة وزير الخارجية السوري إلى القاهرة تؤكد أن مصر جزء من مشاورات لفتح الطريق أمام عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.
الأحد 2023/04/02
زيارة سياسية بامتياز

القاهرة- وجدت مصر في انفتاح عواصم عديدة على دمشق فرصة لإخراج اتصالاتها معها من السر إلى العلن لحجز مقعد لها في التفاعلات الجديدة، حيث غيرت بعض الدول موقفها من النظام السوري وبدت أكثر قبولا للتعامل معه وإعادة تأهيله بما يتواءم مع المصالح العربية وتقليص هيمنة إيران على الساحة السورية، والتي تريد القاهرة أن تكون قريبة منها لتتمكن من تحاشي تهميشها في أيّ تطورات تخص سوريا.

وجاءت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى القاهرة السبت لتؤكد أن مصر جزء من مشاورات لفتح الطريق أمام عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، فالزيارة هي أحدث مؤشر على محاولات إصلاح العلاقات معها.

واتفق وزيرا خارجية مصر سامح شكري وسوريا فيصل المقداد في اجتماعهما بالقاهرة السبت على تكثيف قنوات التواصل على مختلف الأصعدة في المرحلة المقبلة بهدف تناول القضايا والموضوعات التي تمس مصالح البلدين والشعبين.

◙ برود ملحوظ في تغطية وسائل الإعلام المصرية لزيارة المقداد، لهدف عدم رفع الرهانات عليها وتحجيم التفاؤل بشأنها

وعقد الوزيران لقاء ثنائيا مغلقا، أعقبته جلسة محادثات موسعة شملت أعضاء الوفدين، تناولت العلاقات الثنائية وسبل دفعها وتعزيزها بما يعود بالنفع والمصلحة على البلدين، فضلا عن عدد من الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

وجدد شكري دعم مصر لجهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في أقرب وقت تحت رعاية الأمم المتحدة، وأهمية استيفاء الإجراءات المرتبطة بتحقيق التوافق الوطني بين السوريين وبناء الثقة ومواصلة اجتماعات اللجنة الدستورية.

وبعثت الإمارات والسعودية ودول عربية عديدة برسائل إيجابية عبّرت جميعها عن انفتاح أكبر تجاه دمشق وتهيئة الأجواء لتعامل المجتمع الدولي مع نظامها الحاكم بلا حاجة إلى استبداله حاليا بعد أن سقطت نظرية المعارضة لتغييره.

واعتبرت دوائر عربية زيارة المقداد إلى القاهرة سياسية بامتياز وإن بدت وكأنها تأتي ردا على زيارة قام بها شكري شملت سوريا وتركيا في السابع والعشرين من فبراير الماضي على إثر زلزال مدمر ضربهما وخلّف الآلاف من الضحايا في البلدين.

ونظرت هذه الدوائر إلى زيارة وزير الخارجية السوري على أنها ترمي إلى زيادة وتيرة التنسيق والتعاون مع مصر، والتي تسعى منذ فترة للمساهمة في عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وكانت لا تجد تجاوبا عربيا كبيرا مقابل ممانعة أميركية صريحة.

وبدأت حلقات التطويق الإقليمي والدولي على النظام السوري تتدحرج، الأمر الذي عكسته زيارة الرئيس بشار الأسد إلى سلطنة عمان ثم الإمارات مؤخرا، وهما تصبّان في إطار الواقعية التي تتمتع بها السياسة الخارجية في البلدين.

وتؤدي زيادة مساحة التعامل بين دول عربية ودمشق إلى كسر مجموعة من الحواجز السياسية حالت دون وجود اتصالات مباشرة معها فترة طويلة، وتجعل من عملية إعادة استيعاب سوريا عربيا أمرا واقعا يصعب تخطيه من الدول التي لا تزال تعترض على التعاطي مع نظامها من غير تبنّيه إصلاحات سياسية حقيقية.

وكانت القاهرة في طليعة الدول العربية التي أجرت حوارات أمنية غير معلنة على مستويات رفيعة مع سوريا للحد من نفوذ الجماعات المتطرفة في المنطقة ومناقشة قضايا أمنية مشتركة في وقت كانت دمشق تعيش عزلة كبيرة.

وتحقق زيارة فيصل المقداد إلى القاهرة أهدافا عدة، في مقدمتها سد جزء من فراغ إستراتيجي واجهته مصر عقب المعاناة التي دخلتها سوريا على ضوء اندلاع ثورة شعبية فيها سرعان ما تحولت إلى اقتتال أهلي وفتحت المجال لتدخلات إقليمية ودولية.

وتسهم عودة سوريا إلى الجامعة العربية رسميا خلال قمة الرياض في مساعدة مصر على إعادة التنسيق معها في عدد من القضايا الحيوية، وتفتح المجال أمام توسيع أطر التعاون مع العراق والأردن، وربما إيران لاحقا.

لكن سقف التعاون بين البلدين يظل مرهونا بحسابات قوى مثل الولايات المتحدة تريد ألا يتحول تطبيع العلاقات مع دمشق إلى ورقة للضغط عليها وزيادة أسهم روسيا وإيران في المنطقة وتوسيع سياق التعاون معهما بحجة إعادة تأهيل سوريا مرة أخرى.

◙ شكري جدد دعم مصر لجهود التوصل إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية في أقرب وقت تحت رعاية الأمم المتحدة

ولاحظ مراقبون برودا نسبيا في تغطية وسائل الإعلام المصرية لزيارة وزير خارجية سوريا إلى القاهرة، في محاولة لعدم رفع الرهانات كثيرا عليها وتحجيم التفاؤل بشأنها، وعدم تصويرها على أنها خطوة تريد منها القاهرة الإيحاء أنها الباب الكبير لعودة سوريا كي لا تغضب دولا عربية سبقتها في تطوير علاقاتها مع دمشق.

ويقول متابعون إن محاولات القاهرة لحجز مكان لها في التفاعلات التي سوف تترتب على عملية عودة سوريا تتسم بقدر من التحفظ، ليس فقط لعدم إثارة غضب قوى إقليمية ودولية، لكن أيضا لأن السياسة المصرية فقدت جزءا كبيرا من الأوراق التي يمكن أن تناور بها في المنطقة، وتتسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد في تقليل الطموحات الخارجية وعدم القيام بتحركات تتعارض مع مصالح قوى أخرى.

ويشير هؤلاء المتابعون إلى أن مصر تضع نصب عينيها القيام بدور وساطة بين سوريا وتركيا لتخفيف حدة الخلافات الأمنية، وهي زاوية لها خبرة عريقة فيها بين البلدين عندما سهلت الطريق أمام توقيع اتفاق أضنة بين أنقرة ودمشق ونزعت بموجبه فتيل حرب بينهما لاحت في الأفق منتصف التسعينات من القرن الماضي.

ويبدو هذا المدخل مريحا للقاهرة وعواصم أخرى، حيث يمنعها من الاشتباك السياسي مع قوى تمانع في إعادة تأهيل سوريا الآن، ويساعدها على تطوير روابطها مع تركيا التي تحسّنت وقطعت شوطا جيدا في استئناف العلاقات الدبلوماسية معها قريبا، ناهيك عن حل إشكالية أمنية عميقة تؤجج من وقت إلى آخر الصراع في شمال سوريا.

1