القاهرة تعتزم إزالة عقبة الدولار لتعزيز التجارة مع الأسواق الأفريقية

خطت مصر خطوة جديدة أملا في الحد من أزمة شح الدولار بالاندفاع للانضمام إلى منصة بنك التصدير والاستيراد الأفريقي التي تسمح للدول المشاركة فيها بالتخلي عن العملة الأميركية في المدفوعات التجارية البينية ومنح فرصة للعملات المحلية لمنع تفاقم الأزمة.
القاهرة - واصلت الحكومة المصرية التسلح بخطة بديلة لتنويع مزيج العملات بتجارتها ضمن جهودها لتوفير العملات الصعبة التي تسببت ندرتها في صعوبة الموقف الاقتصادي.
وتسعى القاهرة هذه المرة إلى إزالة العراقيل أمام نمو التجارة البينية مع أسواق أفريقيا عبر تخفيف الاعتماد في المدفوعات على الدولار باعتباره العائق الأكبر.
ويتزامن ذلك مع تحرك السلطات لحل معضلة الدولار المزمنة، إذ طرقت الكثير من الأبواب الدولية، وآخرها التقدم بطلب لدخول مجموعة بريكس بهدف تحويل التجارة إلى عملات بديلة قدر الإمكان، سواء أكانت محلية أم نوعًا من العملات المشتركة.
ويضم هذا التكتل الذي يسعى إلى إقامة جدار تجاري أمام تغول العملة الأميركية كلا من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد أسس بنك التنمية الجديد الذي يعمل كمؤسسة مالية للتحالف.
وبدأ بنك التصدير والاستيراد الأفريقي (أفريكسم بنك) محادثات مع البنك المركزي المصري من أجل ضم القاهرة إلى نظام الدفع والتسوية الخاصة بالبنك الأفريقي والمعروف باسم منصة بي.أي.بي.أس.أس في النصف الثاني من العام الجاري.
ويأتي ذلك بعد أن نجح البنك في إزالة أهم عقبتين أمام الشركات المصرية لتوسيع أعمالها في السوق الأفريقية، وهما نقص المعرفة بشأن الشركاء الآخرين وأزمة تمويل التجارة مع عدد من الدول الأفريقية وضمان الصادرات.
ويعرف بي.أي.بي.أس.أس بأنه نظام الدفع والتسوية لعموم أفريقيا، وهو عبارة عن بنية أساسية عابرة للحدود للسوق المالية تتيح معاملات الدفع عبر أفريقيا.
ويقدم هذا النظام حلاً لتحديات تاريخية معهودة، مثل إجراء المدفوعات عبر الحدود الأفريقية بوجود بنية تحتية مشتركة للسوق الأفريقية متاحة للأطراف الفاعلة من الحكومات والبنوك ومقدمي خدمات الدفع للشركات والمؤسسات الصغيرة والأفراد.
وبدأ أفريكسم بنك تفعيل عمل منصة بي.أي.بي.أس.أس مع دول غرب أفريقيا، التي أثبتت نجاحها في إرسال واستقبال الحوالات عند تعاملات الشركاء التجاريين في الدول الأفريقية بعملة كل دولة.
ويضع النظام من بين أهدافه تقليل الاعتماد على الدولار تدريجيا في التجارة بين بلدان القارة، وتم إطلاقه في يناير العام الماضي وانضمت تسعة بنوك مركزية إليه.
وكشفت مصادر في المركزي المصري لـ”العرب” أن مصر من بين أكثر من 15 دولة يستهدف البنك الأفريقي ضمها إلى الآلية التابعة له.
ولا زال النظام الجديد يستخدم الدولار كعملة وسيطة، لكن يجري حاليا تطوير آلية جديدة تساهم في إتاحة التحويلات المباشرة بين العملات الأفريقية التي يبلغ عددها 42 عملة، ضمن خطة للتوسع في نظام المدفوعات داخل القارة.
ومن المتوقع أن يوفر النظام الجديد لاقتصادات القارة 5 مليارات دولار سنويًا من تكاليف المعاملات، ويهدف إلى تعزيز التجارة البينية لدول القارة بتسهيل المدفوعات والتحويلات التجارية عبر الحدود داخل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية.
ويقدم أفريكسم بنك بموجب النظام الجديد ضمانات التسوية وتسهيلات السحب على المكشوف لوكلاء التسوية، ويقلل تكلفة ومدة المدفوعات عبر الحدود، ويقلص متطلبات السيولة من البنوك التجارية ويعزز الإشراف عليها من قبل البنوك المركزية.
ويسهم انضمام مصر مع مشاركة عدد من البنوك التجارية، من فرص الشركات والجهاز المصرفي في زيادة التبادل التجاري والاستثمار مع الدول الأفريقية بالعملات المحلية، والتغلب على أكبر عقبة اقتصادية، وهي ضغوط ندرة النقد الأجنبي، وفي مقدمتها الدولار الأميركي.
وتتم غالبية عمليات التجارة البينية لبعص الدول الأفريقية من خلال التحويلات إلى الدولار، ولذا تسعى مبادرات مثل بي.أي.بي.أس.أس واتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية إلى تقليل الحواجز التجارية، بما في ذلك الحاجة إلى التعامل بالعملة الأميركية المهيمنة.
ويقدر إجمالي محفظة التعاون بين مصر وأفريكسم بنحو 25 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر الماضي، أي ما يعادل 25 في المئة من إجمالي المحفظة التمويلية للبنك.
واستهدفت محفظة أفريكسم دعم تمويل التجارة البينية مع الدول الأفريقية شاملة التصدير والاستيراد والاستثمارات المباشرة والقطاعات التنموية الأخرى المختلفة.
وجرت هذه التمويلات في السنوات الماضية مع تعزيز الاهتمام الكبير من جانب مصر بالتعاون مع دول أفريقية، وما تبع ذلك من زيادة أعمال الشركات المصرية في العديد من الدول الأفريقية.
ونجح البنك على مدار السنوات الماضية في توفير معدلات سيولة من النقد الأجنبي لمصر عبر التعاون مع البنك المركزي والبنوك المصرية وتمويل رجال الأعمال والشركات المصرية لتوسع أعمالهم في الدول الأفريقية.
وتعود التمويلات الكبيرة المقدمة لمصر إلى كونها أكبر مساهم في رأسمال البنك، تليها نيجيريا، وذلك من إجمالي 52 دولة أفريقية مساهمة في رأسمال البنك، بخلاف الأعضاء من القطاع الخاص والمؤسسات المالية المصرفية الأفريقية والدولية.
وقال عادل سلامة خبير الاستثمار والتصدير إلى أفريقيا إن “الخطوة الجديدة إيجابية، لكنها تتطلب إستراتيجية سهلة التطبيق لدى البنك المركزي المصري للتوسع الجغرافي في دول القارة وإتاحة التمويل للشركات، بما يخدم زيادة حجم التجارة البينية”.
ووصل حجم التجارة البينية بين مصر وأفريقيا في الربع الأول من العام الجاري إلى نحو 2.12 مليار دولار من خلال صادرات مصرية قدرها 1.61 مليار دولار وواردات من أفريقيا بلغت نحو 506 ملايين دولار.
وأوضح سلامة لـ”العرب” أن تعزيز التبادل التجاري مع أفريقيا عبر الخطة لن يتحقق إلا بالتركيز على القطاع الخاص لدفع عجلة التعاون الاقتصادي لما يملكه من قدرات وما اكتسبه من خبرات في التعامل مع الدول خلال السنوات الماضية مع أهمية وجود الدعم الحكومي.
ووضعت القاهرة منذ 2021 خطة تستهدف زيادة صادراتها للدول الأفريقية لتصل إلى 7 مليارات دولار عام 2022، لكن ذلك لم يتحقق وسجلت نحو 5.2 مليار دولار.
كما أن لديها إستراتيجية ذات ثلاث مراحل من أجل زيادة الصادرات إلى أفريقيا لعشرة مليارات دولار بحلول عام 2025، لكن لم يتحقق أيّ منها حتى الوقت الراهن.
وأكد محمود الشندويلي عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين أن مساعي مصر للمشاركة في المنصة الجديدة لن تؤتي ثمارها إلا مع وجود إرادة حقيقية تسهم في انتشار الاستثمارات الوطنية في القارة مع تسهيل التصدير إلى دولها.
وقال لـ”العرب” إن “تأثير الخطة على سعر الصرف وعدم الضغط على الدولار مرهون بزيادة التبادل التجاري مع القارة إلى الضعف على الأقل مع زيادة مساحة دائرة البلدان التي يتم التعامل معها، وهذا لن يتحقق إلا بزيادة الدعم للشركات التي تقوم بالتصدير إلى أفريقيا”.
وتعد زيادة الصادرات أحد الأهداف الرئيسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي للحكومة، وتأمل السلطات أن يؤثر ذلك البرنامج على تنمية الصناعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة.
كما تتطلع الحكومة بالإضافة إلى ذلك إلى تحقيق أقصى استفادة من برنامج دعم الصادرات في نهاية المطاف من أجل زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار سنويا في غضون سنوات قليلة.