القاهرة تطوّق استقالة محافظ البنك المركزي بتعيينه مستشارا للسيسي

هناك ارتباك في أداء الحكومة يتجاوز مسألة تغيير الأشخاص إلى التخبط في السياسات، خصوصا مع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية في العالم.
الخميس 2022/08/18
استقالة أقرب للإقالة

القاهرة – قرر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأربعاء تعيين محافظ البنك المركزي طارق عامر مستشارا له وقبول اعتذاره عن الاستمرار في منصبه، دون توضيح الأسباب التي دفعت إلى هذه الخطوة المفاجئة.

وتعد الاستقالة في مصر من التصرفات غير المعتادة مؤخرا، لكن خروجها بهذه الصورة يتناسب مع حساسية منصب محافظ البنك المركزي وصرامة عامر واعتزازه بشخصيته.

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن ثمة محاولات بذلت لتأخير الإعلان عن الاستقالة بعد تسرب معلومات عنها قُبيل الإعلان عن تغيير وزاري السبت، وقامت جهات رسمية بنفي حدوثها، مؤكدة أن مدة تولي منصبه تنتهي في نوفمبر 2023.

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن وزيرة التخطيط هالة السعيد مرشحة لتولي منصب المحافظ خلفا لعامر، ما يعني أن حقيبتها ستكون شاغرة وبحاجة إلى وزيرة أو وزير جديد بعد انقضاء أيام قليلة على تعديل في الحكومة شمل 13 حقيبة، وبالتالي دعوة البرلمان إلى الانعقاد مرة أخرى قريبا بصورة طارئة للتصديق على تعيين محافظ ووزير جديدين.

استقالة طارق عامر تعود إلى محاولة تحميله مسؤولية إخفاق السياسات النقدية والتشكيك في توجهاته المالية

وتشير هذه التطورات إلى وجود ارتباك في أداء الحكومة يتجاوز مسألة تغيير الأشخاص إلى التخبط في السياسات، ومع تصاعد حدة الأزمات الاقتصادية في العالم وتضارب القرارات في التعامل معها داخل مصر يحتاج الأمر إلى وضع تصورات مرنة لتحظى الحكومة بثقة تمكنها من تنفيذ برنامج إصلاحات طموح بدأته منذ ستة أعوام.

وأرجع مراقبون استقالة محافظ البنك المركزي إلى تنامي الاتهامات التي طالته لتحميله مسؤولية العديد من الإخفاقات بسبب السياسات النقدية التي وصلت إلى التشكيك في نواياه الاقتصادية، ناهيك عن الشائعات التي بدأت تلاحق زوجته داليا خورشيد وزيرة الاستثمار سابقا واتهامها بالتربح بطرق غير مشروعة، وهو ما لم يتحمله عامر.

وأوضح هؤلاء المراقبون أن طارق عامر كان يدير أزمة الدولار بصورة صارمة ومنفردة (دكتاتورية) متشبثا بقراراته التي يراها على الدوام صائبة وقدم تطمينات نظرية في أوقات مختلفة لم يثبت صوابها عمليا، أبرزها قيامه بوضع قيود على الاستيراد ثم تفريغها من مضامينها الإيجابية بما صاحبها من ارتباكات في التنفيذ.

وقال الخبير المصرفي والمسؤول في أحد البنوك المصرية عزالدين حسانين إن استقالة عامر في الحقيقة “أقرب إلى الإقالة، فقد جاءت عقب ممارسات أضرت بالاقتصاد، وبدأت تجلياتها القوية تظهر إثر خفض سعر صرف الجنيه المفاجئ وإصدار شهادات 18 في المئة بالبنوك في مارس الماضي”.

وأضاف لـ”العرب” أن “البنك المركزي لم يعالج الخلل في معدلات التضخم خلال العام ونصف العام الماضيين، ورفع أسعار الفائدة كقرار تابع للفيدرالي الأميركي، مع ذلك تضخمت الأسعار ما يعني أن سياسته لم تحقق نتائج إيجابية على المستوى الاقتصادي”.

وأوضح حسانين أن “رحيل طارق عامر لن يُحدث ارتباكًا في السياسات النقدية، كما يعتقد البعض، فهناك لجنة من مجلس إدارة البنك المركزي تتشاور مع المحافظ، وسعر الصرف مرهون بنتائج الحوار مع صندوق النقد الدولي”.

Thumbnail

ولم تشهد الفترة الماضية تنسيقًا كافيا بين البنك المركزي ووزارة المالية لضبط السياسات النقدية والمالية في مصر، والتي من شأنها تخفيف القيود على الاستثمار.

وتعاملت الحكومة مع الاستقالة بهدوء خوفا من انعكاساتها على الأوضاع الاقتصادية، لكن ذلك يتضمّن الكثير من المعاني حيال طريقة النظر إلى المناصب الرفيعة في مصر، والتي لم تعد مغرية للبعض، حيث يعاني النظام الحاكم في عملية اختيار شخصيات مناسبة مع توالي اعتذار العديد من الكفاءات.

وتظل إدارة الأزمة الاقتصادية في مصر والمفاوضات مع صندوق النقد المفتاح الذي يستشف منه المتابعون الأفق الذي يمكن أن تبلغه الفترة المقبلة، لأن التمسك بالسياسات والاكتفاء بتغيير الأشخاص لن يُسْهما في تجاوز العراقيل التي تواجهها الحكومة.

وأشارت وكالة بلومبرغ الأميركية إلى أن تزايد الضغط على الاقتصاد المصري يفرض على الحكومة اللجوء إلى تخفيض سعر الجنيه مرة أخرى بعد تخفيضه 15 في المئة خلال مارس الماضي، ما قد يساعدها على تلقي قرض جديد من صندوق النقد الدولي.

وربما يكون هذا الاتجاه أحد الأسباب التي دفعت عامر إلى الاستقالة من منصبه لأنه سيؤثر على ارتفاع عدد كبير من الأسعار وكان متحفظا على تخفيض رأته الحكومة وسيلة وحيدة لموافقة صندوق النقد الدولي على قرض جديد ينقذها من شُح الدولار.

وتترقب الأسواق المصرية خطوات تقوم بها الحكومة لدعم برنامج عامر الاقتصادي، ممثلة في خفض قيمة العملة ومواصلة رفع الدعم عن الوقود والكهرباء ضمن مفاوضات الحصول على قرض جديد.

وطالب صندوق النقد في توضيح للحكومة المصرية مؤخرا بضرورة تطبيق إجراءات تقشف واسعة والقيام بإصلاحات اقتصادية شاملة، ما يشي بزيادة الأعباء على المواطنين وتصاعد حدة المخاوف من مشكلات اجتماعية تنجم عنها.

ونوهت بلومبرغ إلى أن شعور المستثمرين بالقلق من جدية القاهرة في تخفيض قيمة العملة هو الذي يقف وراء التراجع الحاد في مؤشرات البورصة المصرية متأثرة بعمليات بيع للمستثمرين الأجانب أخيرا، وهو الأكبر منذ أربعة أشهر.

Thumbnail

وذكر الخبير المصرفي ياسر عمارة أن وجود محافظ جديد للبنك المركزي أمر ضروري وعاجل، لأن الفترة الماضية شهدت نموا في السوق السوداء للدولار، ما يشير إلى إخفاق إدارة عملية سوق الصرف في البلاد.

ولفت لـ”العرب” إلى أن “البنك المركزي لم يتعامل مع الحالة الاقتصادية كوضع استثنائي واتبع سياسة القطيع بالسير خلف الفيدرالي الأميركي، ما تسبب في زيادة الديون وتفاقمها على الحكومة والأفراد والشركات. وإذا لم يتم تدارك الأخطاء ستكون هناك قنبلة موقوتة في الشارع المصري يدفع ثمنها الاقتصاد، وتتمثل في تعطل العديد من الشركات وارتفاع الأسعار وزيادة نسبة البطالة”.

وقالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية قبل أيام إن “المصريين تحملوا ارتفاع الأسعار بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة ويستعدون الآن لزيادة أخرى بعد أن أصبح خفض قيمة الجنيه المصري وشيكا بجانب رفع الدعم عن الوقود”.

ويحاول النظام المصري تأجيل الإصلاحات الحساسة لتحاشي ما يتولد عنها من تداعيات سياسية، فالحكومة لم تعد تملك مجالا شاسعا للمناورة بما لديها من أوراق اقتصادية في ظل حاجتها إلى سد العجز الحاد في الدولار لاستعادة ثقة المستثمرين.