القاهرة تطور عواصم المحافظات بالاستثمارات الخليجية

دخلت مصر رهانا جديدا لتعزيز مشروع تطوير عواصم المحافظات بالاستعانة بشركات عقارات خليجية لسرعة استكمال المرحلة الأولى والتمكن من الشروع في بدء المرحلة الثانية التي لم يعلن عن موعدها المحدد بعد، وسط حرص الحكومة على توجيه رسالة تطمين لمنظمات دولية بأنها تفسح المجال بصورة أكبر للقطاع الخاص.
القاهرة – دفعت الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، المسؤولين إلى إدراك أهمية وجود نافذة جديدة لجذب السيولة الأجنبية وخاصة الاستثمارات من منطقة الخليج العربي.
وخطا صندوق التنمية الحضرية التابع لمجلس الوزراء خطوة عملية في هذا الصدد، ويجري حاليا مناقشة عدد من العروض لتحالفات من شركات مصرية وخليجية للمشاركة في مشروع “دارة” بالمحافظات.
ويهدف المشروع الذي بدأت المرحلة الأولى منه ديسمبر الماضي إلى تطوير عواصم المحافظات (الأقاليم الرئيسية) وعددها 27، وتوفير المزيد من المساكن وتحسين جودة الخدمات والبنية التحتية خارج القاهرة.
ومن المتوقع بناء نحو 500 ألف وحدة سكنية على مرحلتين في جميع أنحاء العواصم في شكل مجتمعات سكنية متفرقة أو مجمعات سكنية مغلقة “كومباوند”، وسيكون العديد منها مجهزا بوجود حدائق ومواقف السيارات ومناظر طبيعية وخضراء.
ويركز المشروع أيضا على ترميم واجهات المباني السكنية القديمة وتحديث المباني المتداعية، ما يساعد في جذب المزيد من استثمارات القطاع الخاص، وهناك شركات مصرية تتنافس بمفردها بجانب الخليجية.
ومن المفترض أن يقوم الصندوق بأعمال المطور العقاري، الذي يضمن توفير الخدمات التجارية بجانب مساحات البيع بالتجزئة والمكاتب والمرافق العامة.
كما سيعمل على توفير طرق جديدة للمساعدة في ربط المواقع الجديدة ببقية شبكة الطرق، وستقوم الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإنشائها.
وتشهد السوق العقارية في مصر إقبالا من المستثمرين الأجانب، الذين يرغبون في تدشين مشاريع التنمية، التي تقودها الحكومة بغية تحقيق الأرباح، كما أن مشروع “دارة” مخطط له أن يكون أداة فاعلة لجذب رؤوس الأموال الخارجية.
ويبحث المستثمرون عن سبل إبرام الشراكة مع الكيانات المحلية لتنفيذ مشاريع كبيرة مثل “دارة”، بعد أن باتت استثمارات القطاع الخاص ذات أهمية خاصة، مع حرص الحكومة على تخفيف العبء المالي عن كاهل خزينة الدولة.
وكان من المنتظر أن تبلغ تكلفة المرحلة الأولية من المشروع الطموح نحو 120 مليار جنيه (نحو 4 مليارات دولار).
ويقدر إجمالي التكلفة للمشروع قرابة 12 مليار دولار عند اكتماله بعد بناء الوحدات السكنية والتجارية وتقديم الخدمات، لكن ذلك قبل الارتفاعات القياسية الأخيرة في أسعار مواد البناء، خاصة الحديد.
واعتبر آدم زيان، الخبير المتخصص بالقطاع العقاري، أن “رهان الحكومة على الشركات الخليجية لاستمرار واستكمال مشروع تطوير عواصم المحافظات خطوة إيجابية”.
وقال لـ”العرب” إن ذلك يأتي “مع ضعف السيولة النقدية لدى العديد من شركات الإسكان في مصر بسبب إحجام الأفراد عن شراء العقارات بالمدن الجديدة حاليا على أمل أن تهدأ موجة الصعود”.
كما يهدف مشروع “دارة” إلى الحد من الهجرة عبر المحافظات من خلال تزويد مدن المحافظات القديمة بخدمات مماثلة للمتاحة في المدن التي جرى تطويرها حديثا. وتأتي مساعي صندوق التنمية لجذب القطاع الخاص مع صعوبة الحصول على تمويل للمشروع، وتعثر المفاوضات التي يجريها مع البنوك من أجل الاقتراض.
ويبدو البديل هو إفساح المجال لمشاركة القطاع الخاص مع الصندوق في المشاريع المستهدفة، مع الاستعانة بالمكونات المحلية في المشاريع المفتوحة.
12
مليار دولار التكلفة التقديرية لمشروع "دارة" الخاص بتطوير 27 إقليما رئيسيا لمحافظات البلاد
وأصدر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرا قرارا بترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلية في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية في ظل الأزمة الحالية، وتأجيل تنفيذ مشاريع جديدة لم يتم البدء فيها ولها مكون دولاري.
وأوضح زيان أن خطة السلطات ربما تنجح في جذب الشركات الخليجية مع رفع أسعار الوحدات بالمشروع وضمان ربحية جيدة.
وأشار إلى أن أقل الأسعار في المرحلة الأولى بالمحافظات خاصة السويس وصلت إلى 800 ألف جنيه (25 ألف دولار) لوحدة مساحتها 90 مترا، بينما شهدت بقية المحافظات ارتفاعات كبيرة بالأسعار لزيادة المساحة.
وأعلن خالد صديق، رئيس صندوق التنمية، أن الفترة الراهنة تشهد مناقشة عدد من العروض من قبل الشركات، منها مشروع مرتبط بنشاط استثماري خدمي على مساحة 180 فدانا في كفر الشيخ، على أن يجري التعاقد عليه بنظام المشاركة مع القطاع الخاص.
ويتم العمل حاليا على مشروع آخر بنشاط سكني على مساحة 68 فدانا في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، ويفحص الصندوق العروض المقدمة من مستثمرين محليين وإقليميين ودوليين.
وسيتم تنفيذ المشروع على ثلاث مراحل ليغطي جميع المحافظات مع اكتماله، كما فتح الصندوق الباب أمام المواطنين لحجز وحدات سكنية ضمن المرحلة الأولى، التي تشمل الدقهلية والمنوفية وسوهاج وقنا والمنيا والفيوم والسويس ودمياط وكفر الشيخ، في ديسمبر الماضي. وكان من المقرر أن تشمل المرحلة الأولى 14 محافظة، لكن تم إرجاء محافظات القاهرة والشرقية والقليوبية والغربية والأقصر إلى مرحلة لاحقة.
ولفت زيان إلى أن الحكومة تهدف من وراء مساعي جذب الاستثمارات الأجنبية في المشروع إلى بدء المرحلة الثانية، وحتى لا تتردد أحاديث بأن الحكومة متباطئة في تطوير الأقاليم، عكس الطفرة التي أحدثتها لفئة محددة في العاصمة الإدارية الجديدة.
ولا يوجد موعد محدد لفتح باب حجز وحدات المرحلة الثانية، خاصة مع ضعف القوة الشرائية وتراجع الطلب على العقارات.
وأوضح مدير مركز العاصمة للدراسات والأبحاث الاقتصادية خالد الشافعي أن السلطات ترغب في توجيه رسالة بأنها تتخارج من الاستثمارات العامة، كون صندوق التنمية الحضرية الذي يشرف على المشروع تابعا لمجلس الوزراء.
وقال لـ”العرب” إن “من المهم إفساح المجال بصورة أكبر للقطاع الخاص مع تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي”.
ويندرج مشروع “دارة” ضمن مبادرات إعادة التطوير الحضري التي شهدت زخما في السنوات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد.
كما يعد جزءا من شبكة من مشاريع الترميم وإعادة التطوير المعلن عنها، مثل تطوير حديقة الفسطاط ومشروع تطوير سور مجرى العيون ومشروع إعادة تطوير القاهرة التاريخية.
ورغم أن هذه المشاريع تميل نحو ترميم التراث، وهي مناطق جذب سياحي رئيسية، لكنها تظل جزءا معبرا عن نفس الدافع لإعادة تشكيل وجه المناطق الحضرية في جميع أنحاء البلاد.
وأشار الشافعي إلى أن صندوق التنمية الحضرية يسعى لجذب استثمارات خليجية وأجنبية متنوعة خلال الفترة المقبلة، مع تحوله إلى هيئة اقتصادية دون قصره على تطوير العشوائيات مثل الفترة الماضية.
وتتشابه إستراتيجية الصندوق مع الصندوق السيادي، لكن الأخير يقوم بتطوير مقرات الوزارات بالاستعانة بالمستثمرين الأجانب، وآخرها مقر وزارة الداخلية في وسط العاصمة، والتي ستشهد إنشاء جامعة فرنسية وفندقين.