القاهرة تطرق باب الصكوك الإسلامية لمواجهة شح السيولة

الحكومة تستعد لإصدار سندات في السوق الدولية بعد استنفاد التمويل التقليدي وتشدد صندوق النقد.
السبت 2022/06/04
دقق الحسابات مرة واثنتين وثلاثا و...

شرعت الحكومة المصرية في تنفيذ استراتيجيتها الرامية إلى الاعتماد على التمويل الإسلامي، وتستعد لإصدار أول طرح للصكوك السيادية بهدف مواجهة شح العملة الأجنبية وتوفير تمويل للمشاريع المدرجة بخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالموازنة العامة.

القاهرة - فرضت السياسات النقدية المتشددة للبنوك المركزية العالمية وتعنت صندوق النقد الدولي في منح مصر قرضا جديدا على السلطات اللجوء إلى ما يسمى بـ”التمويل غير الربوي”.

وتستهدف الخطوة استقطاب شريحة من المستثمرين العرب والأجانب، خاصة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا عبر شراء الديون مقابل الاستثمار.

وأعلن محمد معيط وزير المالية عن قرب إصدار صكوك سيادية على أساس الأصول المملوكة للدولة عن طريق بيع حق الانتفاع بها من دون حق الرقابة.

والمقصود بذلك أن تبقى في حيازة الدولة أو تأجيرها أو بأي شكل آخر يتفق مع عقد إصدار هذه الصكوك وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية.

وتترقب الأسواق صدور قرار قريب من مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء يحدد فيه الأصول الثابتة والمنقولة المملوكة للدولة “ملكية خاصة” والتي سوف تصدر على أساسها الصكوك.

وتعمل الصكوك كأداة دين، وهي تمثل ملكية مشتركة واستثمارا مشتركا في الأصول المدرة للنقد بدلا من كونها التزامات ديون بفوائد، لأن الشريعة الإسلامية بحسب الكثير من الفقهاء، تعتبر الفوائد شكلا من أشكال الربا.

ياسر عمارة: إجراء بعيد عن الأموال الساخنة ومصر تملك مقومات نجاحه

ويتمثل عامل التمييز بين الصكوك والسندات في أن الأولى تستند إلى أصل أساسي، وينتج عن هذا الأصل عائد محدد على الاستثمار أو دخلا بدلا من “كوبون” أو فائدة.

كما تؤدي إلى إيجاد علاقة استثمار مشترك يجري فيها تقاسم المخاطر وعدم تحويلها، كما هو الحال مع السندات التقليدية.

لكن الصكوك بشكلها الحالي، رغم أنها تأخذ الصبغة الإسلامية، تحدد سعر عائد تقريبي أو معدل لا يمكن للمشتري أن يحصل على أقل منها، أخرجها من دائرة الشريعة التي تمنع تحديد الفائدة بأي شكل وهو ما يميل إليه خبراء الاقتصاد الإسلامي.

وتخضع الصكوك لمراقبة دقيقة من قبل علماء دين يصدرون الفتاوى حول ما إذا كان الهيكل الخاص بالصكوك متوافقا مع الشريعة أم لا.

ويتعين على مصدري الصكوك دائما الابتعاد عن الأصول المرتبطة بالسلع أو الممارسات المحظورة، مثل التبغ والأسلحة والمشروبات الكحولية.

ومع هذا، هناك أوجه تشابه بين الصكوك والسندات، فالأداتان لهما آجال استحقاق محددة، وكلاهما يحصل على تصنيفات ائتمانية، كما أن العديد من أنواع الصكوك قابلة للتداول بين حامليها.

وخطت القاهرة هذه الخطوة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بالتركيز على أسواق الدين التي تميل إلى الاستثمار في الأدوات الإسلامية، إذ يعد الهدف من إصدار الصكوك جزءا من استراتيجية أوسع لخفض الدين الحكومي والتحول نحو الاقتراض طويل الأجل وتنويع محفظة الديون.

وتمثل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية ورقة ضغط على السلطات في تحديد سعر العائد، مع سياسة التشدد النقدي التي تنتهجها البنوك المركزية العالمية وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي التي رفعت أسعار الفائدة إلى معدلات قياسية هي الأعلى في التاريخ.

ومن المتوقع أن يبدأ سعر العائد على الصكوك السيادية من معدل 11.75 في المئة وهو سعر الائتمان والخصم بالبنك المركزي ومن دون حد أقصى وفقا للعائد المحقق من تلك المشاريع. وهذا حال الطرح قبل حدوث ارتفاعات جديدة لأسعار الائتمان والمرتبطة بالتبعية بأسعار الفائدة.

ولا تعد الصكوك الإسلامية أداة تمويل رخيصة بطريقتها الحالية والمتزامنة مع السياسات النقدية المتشددة حول العالم، ومن ثم تزيد معدلات الديون الخارجية للدولة، لكنها مقابل استثمار وهي أخف وطأة من ديون الاقتراض من المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد.

Thumbnail

وتوقع المحلل الاقتصادي ياسر عمارة نجاح طرح الصكوك، لأن ثمة شريحة من المستثمرين العرب والآسيويين يفضلون الاستثمار فيها، فضلاً عن انتعاش ذلك القطاع حول العالم، حيث بلغ حجم الصيرفة الإسلامية خلال العام المنقضي نحو ثلاثة مليارات دولار.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن مصر تمتلك مقومات إصدار صكوك سيادية مضمونة، إذ تتركز في أصول وممتلكات الدولة والمتمثلة في مشروعات البنية التحتية والمرافق العامة، ولا يمكن اعتبار الصكوك أموالاً ساخنة لأنها ترتبط بمشروعات، وذلك عكس السندات وأذون الخزانة.

وعجلت القاهرة في طرح الصكوك الإسلامية بعد استنفادها كل وسائل التمويل التقليدية الجاذبة للعملة الأجنبية، من بيع السندات بالأسواق العالمية وعبر أذون الخزانة التي يطرحها المركزي والمشهورة بالأموال الساخنة والاقتراض من المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد.

ورغم رضوخ السلطات لمطالب الصندوق باتخاذ سياسات تمكن القطاع الخاص وبيع أصول الدولة والحد من الاستيراد وتحرير كامل لسعر العملة أدى إلى معاناة المواطنين ببلد تنتشر فيه معدلات البطالة والفقر، لكن المؤسسة المانحة لم تستجب لطلب القاهرة لمدها بقرض ثالث.

علي الإدريسي: الظروف تقوض تغطية الصكوك مع تشدد البنوك المركزية

وتحاول مصر من وراء تلك الخطوة توفير عملات أجنبية بسبب أزمة الدولار الناشئة عن العجز في الميزان التجاري لزيادة الواردات عن الصادرات.

وتعاني المبادلات التجارية من فجوة دولارية سنوية تقدر بنحو 6 مليارات دولار، وحاولت السلطات تدبيرها السنوات الماضية عبر بيع السندات ومن خلال القروض التنموية من المؤسسات الخارجية.

وتسعى الحكومة إلى تقييد الاستيراد لأقصى حد، وجاء قرارها في هذا الشأن بإعلان مصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية رفع سعر الدولار الجمركي للشهر الثاني على التوالي إلى 18.64 جنيها في يونيو الجاري بدلا من 17 جنيهًا في مايو الماضي.

وقال علي الإدريسي أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم المصرية إن “مصر تهدف إلى سد عجز الموازنة العامة عبر طرح الصكوك الإسلامية بعد التداعيات العالمية التي أثرت سلبًا على الاقتصاد الفترة الماضية وحدت من توافر وسائل التمويل”.

وأشار في تصريحات لـ”العرب” إلى تأثير الظروف العالمية على تغطية الصكوك المصرية والإقبال عليها من جانب المستثمرين بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على الودائع والسندات التقليدية في الأسواق المتقدمة التي تمثل عامل إغراء للمستثمرين.

وأكد أن السلطات مُجبرة على تقديم سعر فائدة تنافسي وجاذب لبيع الصكوك، وهذا من شأنه زيادة الديون الخارجية الفترة المقبلة، لكن لا توجد بدائل أمام الحكومة مع ضعف مصادر العملة الأجنبية من السياحة والاستثمارات المباشرة.

وكشفت أحدث بيانات صادرة عن المركزي عن ارتفاع صافي الدين الخارجي لمصر بقيمة 8.1 مليار دولار في الربع الأخير من العام الماضي.

وصعد منحنى الديون إلى حوالي 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي من مستوى 137.4 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، بنسبة زيادة بلغت 5.8 في المئة.

10