القاهرة تشرع في تنفيذ خطة جديدة مثيرة للجدل لتسهيل توفير الدواء

انتهاج مسار لزيادة الصيدليات والاستعانة بالتكنولوجيا لمساعدة المرضى.
الجمعة 2025/01/17
إدارة المخزون مهمة شاقة، وليس كما تتصورون

أثار إعلان مصر بشأن الشروع في هيكلة منظومة الحصول على الدواء من الصيدليات الحكومية، جدلا لدى الخبراء حول كيفية الملاءمة بين الإصلاحات الضرورية والدواء المنتج محليا، لاسيما أن ثمة مصانع لم تعمل بطاقتها القصوى منذ نشوب أزمة في العام الماضي.

القاهرة - شرعت الحكومة المصرية في تطبيق خطة جديدة تهدف إلى سهولة توفير الدواء ومنع طوابير المرضى على الصيدليات التابعة لها، وتتمحور في شقين يتعلق الأول منها بالتوسع في عدد صيدليات الإسعاف، والثاني بالاستعانة بالتكنولوجيا في شراء الدواء.

وشهد قطاع الدواء خلال العام 2024 أزمات حادة، أبرزها نقص العملات الأجنبية الحيوية، بما انعكس بشكل مباشر على توافر الأدوية في السوق المحلية.

ودفعت هذه الأوضاع الحكومة إلى وضع خطة ترمي لمعالجة أزمة نقص الحاصل، وتحسين التوزيع لضمان وصول المرضى إلى العلاج المناسب في الوقت الملائم.

وحسب مصادر تحدثت إلى “العرب”، من ضمن الخطوات، التوسع في الصيدليات المعروفة بـ”الإسعاف” التابعة للشركة المصرية لتجارة الأدوية، بهدف سد فجوة نقص الأدوية التي تعاني منها الصيدليات الخاصة.

وبينما يصل عدد الصيدليات الخاصة إلى نحو 82 ألفا، ارتفع عدد تلك المملوكة للدولة من 18 إلى 30 صيدلية حاليا.

وتقوم صيدليات الإسعاف بدور رئيسي في توفير الأصناف التي تواجه صيدليات القطاع الخاص صعوبة في توفيرها، ويشمل ذلك الأدوية المخدرة التي تتطلب إجراءات صارمة للتداول، والأدوية مرتفعة الكلفة مثل أدوية الأورام والتي تتراوح أسعارها بين 600 وألفي دولار.

علي عوف: الخطوة تبدو جيدة، ولكن تتطلب إدراج القطاع الخاص فيها
علي عوف: الخطوة تبدو جيدة، ولكن تتطلب إدراج القطاع الخاص فيها

ولضمان العدالة في توزيع هذه الأدوية، تُلزم صيدليات الإسعاف المرضى بتقديم بطاقة الرقم القومي وتقارير طبية معتمدة.

ولتخفيف الضغط على صيدليات الإسعاف، أعلنت الحكومة عن خطة لإطلاق تطبيق “بالشفا”، يُتيح للمرضى طلب الأدوية إلكترونيًا، مع إمكانية توصيلها إلى المنازل.

ومن المتوقع تفعيل التطبيق في الربع الأول هذا العام، وهي خطوة تساهم في تحسين تجربة المرضى، مثل كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى الصيدليات.

وقال رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية علي عوف إن “خطة يمكن وصفها بالجيدة من خلال الانتشار في المحافظات عبر صيدليات الإسعاف والرقمنة من خلال تطبيق “بالشفا” الذي يعزز العدالة الصحية عبر توفير الأدوية في جميع المناطق.”

وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أنه “ينبغي على السلطات التفكير جديًا في إدراج الصيدليات الخاصة ضمن هذا النظام في المستقبل، كون ذلك سيؤدي إلى توسيع نطاق الخدمة وضمان تغطية شاملة لكافة شرائح المجتمع.”

وأشار إلى أن صيدليات الإسعاف تخدم الأفراد، وتلعب دورا هاما في توفير الأدوية للشركات الحكومية، بما في ذلك التي تتطلب ظروف تخزين خاصة أو متابعة دقيقة لضمان جودتها، وهذه الجهود تعزز من مكانتها كجزء لا غنى عنه في منظومة الصحة العامة.

ولا شك أن تحقيق الاستدامة في قطاع الدواء يتطلب دعم الصناعة المحلية وتشغيل المصانع بكامل طاقتها، وتعتمد معظم الأدوية المتوفرة في صيدليات الإسعاف وليس كلها على التصنيع المحلي، ما يجعل دعم المصانع المحلية ضرورة حيوية.

وأكد خبير صناعة الدواء حسام عمران أن الخطة تستوجب تشغيل المصانع بكامل طاقتها، وذلك يحتاج إلى توفير المواد الخام بأسعار مناسبة، وتقديم حوافز للمصنعين لتوسيع خطوط الإنتاج، كما أن التعاون بين القطاعين العام والخاص يعد خطوة أساسية لتحقيق الهدف.

أرقام حول قطاع الأدوية في مصر

172 شركة دواء تنشط في البلاد

82 ألف صيدلية خاصة تعمل في السوق

30 صيدلية إسعاف مملوكة للدولة

وأوضح لـ”العرب” أنه يمكن للحكومة تقديم تسهيلات ضريبية للشركات التي تساهم في تصنيع الأدوية النادرة أو مرتفعة الكلفة محليا، ويمكن تعزيز البحث والتطوير بإنشاء مراكز أبحاث مشتركة بين القطاعين، ما يسهم في تحسين جودة المنتجات الدوائية وتوسيع نطاقها.

ولفت إلى أنه مع استمرار الحكومة في توسيع صيدليات الإسعاف وتطوير الحلول التكنولوجية، ربما لا يعد ذلك حلا ناجزا للأزمة، لأن تحقيق الاستدامة في القطاع يعتمد بشكل كبير على دعم الصناعة المحلية، وتشغيل المصانع بكل طاقتها.

وأكد عمران أن هذا لا يضمن فقط استقرار توافر الأدوية، بل يسهم أيضًا في تقليل الاعتماد على الاستيراد، مما يخفف العبء عن الاقتصاد الوطني.

كما أن تطوير صناعة الدواء يمكن أن يساهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي لإنتاج وتصدير الأدوية، إذ يجعل توافر الكوادر المؤهلة والبنية التحتية المناسبة مصر مؤهلة لتلبية احتياجات السوق المحلي والتصدير للدول المجاورة.

ورغم الخطوات الحكومية الإيجابية، لا تزال هناك تحديات تواجه القطاع، من أبرزها ارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث يتطلب تشغيل المصانع بكامل طاقتها توفير المواد الخام بأسعار تنافسية، وهو ما يستلزم تحسين سياسات الاستيراد وتقديم دعم حكومي للشركات المحلية.

وكذا التوزيع غير المتكافئ، إذ لا تزال بعض المناطق النائية تعاني من نقص الأدوية، مما يستدعي توسيع نطاق صيدليات الإسعاف ودمج القطاع الخاص في النظام الجديد، فضلا عن التمويل، حيث تحتاج الصناعة إلى استثمارات كبيرة لتطوير خطوط الإنتاج وتحسين الجودة.

ويرى خبراء أنه إذا تمكنت الحكومة من تنفيذ خططها بالكامل، فإن قطاع الدواء في مصر سيشهد تحسنا كبيرا على المدى الطويل.

حسام عمران: تشغيل مصانع الأدوية بكامل طاقتها يعد أحد شروط النجاح
حسام عمران: تشغيل مصانع الأدوية بكامل طاقتها يعد أحد شروط النجاح

وشددوا على أنه من خلال دعم الصناعة المحلية، وضمان توافر الأدوية في صيدليات الإسعاف، وتطوير البنية التحتية الرقمية عبر تطبيق “بالشفا”، يمكن لمصر تحقيق نظام صحي أكثر شمولية واستدامة.

ويؤكد هؤلاء الخبراء أن تعزيز التعاون بين الحكومة وشركات الأدوية الخاصة سيؤدي إلى تحسين بيئة العمل في القطاع، مما يجذب المزيد من الاستثمارات ويعزز من مكانة مصر كوجهة إقليمية لإنتاج وتوزيع الأدوية.

وتعد التحديات التي واجهها قطاع الدواء في مصر خلال العام الماضي فرصة للحكومة لإعادة هيكلة النظام الصحي وتطويره.

وعلاوة على ذلك، فإن توسيع صيدليات الإسعاف، وتشغيل المصانع بكامل طاقتها، وإطلاق الحلول التكنولوجية، كلها خطوات تعكس التزام الحكومة بتحقيق العدالة الصحية وضمان توافر الأدوية للجميع.

وفي سبتمبر الماضي، ذكر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن عدد مصانع الأدوية العاملة بلغ 172 بعدما تم إنشاء 15 مصنعا خلال السنوات الثلاث الماضية.

ومن المرتقب أن يشهد قطاع الأدوية تطورا ملحوظا خلال العام 2025، بفضل دعم الحكومة لتوطين الصناعة وتعزيز الإنتاج المحلي، وتساهم جهود تعزيز البحث العلمي والتكنولوجيا الحيوية في تحسين جودة الأدوية وتوفير بدائل بأسعار مناسبة.

ومع دخول مستثمرين جدد وتوقيع شراكات دولية، يرتفع مستوى التنافسية في السوق المحلية، ما يدعم تحقيق الاكتفاء الذاتي ورواج الصادرات.

11