القاهرة تشتري الذهب لمجاراة التقلبات الاقتصادية العالمية

عززت مصر من استخدام الذهب كأحد مكونات الاحتياطي الأجنبي في البنك المركزي إلى جانب الدولار، في خطوة تمكنها من بيع جزء منه خلال الفترة المقبلة لتسديد الديون، فضلا عن كونه مخزنا للقيمة وضمانة قوية للحصول على القروض.
القاهرة- دفع شح العملة الأجنبية الحكومة المصرية إلى شراء كميات إضافية من الذهب لمجاراة التقلبات الاقتصادية العالمية المتزايدة.
وكشفت البيانات التي تضمنها تقرير مجلس الذهب العالمي لشهر مايو الجاري عن ارتفاع حجم كمية احتياطي الذهب لدى مصر بنحو 55 في المئة.
وقام البنك المركزي المصري بشراء 44.4 طن من الذهب خلال فبراير الماضي، وضعته كأكبر مشتر للمعدن الأصفر بين البنوك المركزية العالمية خلال الربع الأول من 2022.
وبنهاية ذلك الشهر سجل الاحتياطي الإجمالي 125.3 طن، أي ما يعادل 19.4 في المئة من إجمالي احتياطيات العملة الأجنبية.

عبدالنبي عبدالمطلب: قرار البنك المركزي صائب لكن توقيته لم يكن موفقا
وسجلت قيمة الذهب المدرج بالاحتياطي المصري خلال نفس الشهر 2.7 مليار دولار ليبلغ الإجمالي 6.9 مليار دولار، مقابل 4.2 مليار دولار بنهاية يناير الماضي.
وعلى العكس تراجعت قيمة العملات الأجنبية المدرجة لتصل إلى 31.5 مليار دولار مقابل 34.1 مليار دولار، وسجل رصيد حقوق السحب الخاصة 2.5 مليار دولار مقابل 2.2 مليار دولار.
وتعمل القاهرة على زيادة إنتاج الذهب المحلي على المدى الطويل عبر منجم السكري ومنطقة المثلث الذهبي وغيرهما، وربما كان تراجع مكون العملات الأجنبية داخل الاحتياطيات سببا رئيسيا في اللجوء إلى شراء الذهب من الأسواق العالمية.
وتعزز الخطوة من تحوّط مصر ضد نقص السلع الغذائية الأساسية لاسيما القمح والذرة اللذين تستوردهما من روسيا، التي تخطط لرفض استيراد البلدان منها بالدولار.
وقررت موسكو ربط عملتها المحلية بالذهب بالحد الأعلى لسعر صرفه إدراكا منها أن الدول الصديقة لها لن تتمكن من توفير الروبل حال استمرار الأزمة الاقتصادية والعقوبات الأميركية.
وشهدت السنوات الماضية سباقا بين البنوك المركزية للاحتفاظ بالدولار الأميركي الذي يعد العملة الأكثر تداولا في التجارة والأسواق المالية العالمية.
لكن الصين وروسيا أدركتا أن الدولار معرّض للانهيار في أي وقت، لذا أقبلا على شراء كميات هائلة من الذهب، حتى توقفت موسكو في عام 2020 عن ذلك ثم قررت العودة مرة أخرى لمواجهة العقوبات الاقتصادية الغربية.
وتتصدر الولايات المتحدة قائمة احتياطيات الذهب عالميا بكمية تبلغ 8133.5 طن، ثم ألمانيا بنحو 3359.1 طن، ثم إيطاليا 2451.8 طن، تليها فرنسا بنحو 2436.3 طن. أما روسيا فتحتل المرتبة الخامسة عالميا حيث تمتلك احتياطيات من المعدن النفيس تقدر بنحو 2292.2 طن، ثم الصين بنحو 1948.3 طن.
وأثار قرار المركزي جدلا واسعا بين الخبراء والمحللين، إذ رفضه البعض بداعي أن البلاد تعاني من شح العملة الأجنبية ومن الأولى توجيه السيولة الدولارية إلى القطاع الصناعي لزيادة التشغيل والإنتاج. في المقابل يرى آخرون أنه قرار صائب باعتبار أنه يمكن بيعه في أيّ وقت والحصول على تدفقات توجه إلى أيّ قطاع.
وجاء توقيت شراء النسبة الأكبر في وقت ملائم نسبيا لأنه جرى في فبراير الماضي ومع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا وظهور ملامح الأزمة الاقتصادية وقبل القفزة الكبرى في الأسعار.

أحمد معطي: خطوة استباقية تعطي مرونة أكبر للتجارة مع روسيا
وتمت عملية الشراء في نطاق 1800 دولار تقريبا للأوقية (31 غراما) وهو متوسط شراء مقبول ومستوى آمن للشراء مقارنة مع الأسعار الحالية المرتفعة وتوقعات المؤسسات الدولية التي تتكهن بأن يتعدى سعر الأونصة ألفي دولار.
وقال المحلل أحمد معطي لـ”العرب” إن قرار المركزي “له نظرة مستقبلية جيدة لإدارة انعكاس الأزمات العالمية على مصر، لأن توقيت الشراء كان مناسبا للغاية”.
وأكد أنه لا توجد مخاوف من الاتجاه العالمي لرفع أسعار الفائدة وبالتالي انخفاض الذهب، نظرا للارتفاع المتوقع للدولار وعلاقته العكسية مع المعدن الأصفر. وأوضح معطي أن الذهب هو الملاذ الآمن وقت الأزمات، ولا توجد احتمالات للخسارة طالما يتم شراؤه للاستثمار أو الاحتياج على المدى الطويل.
وأشار إلى أنه فضلا عن ذلك فإن ما قامت به القاهرة خطوة استباقية قامت بها السلطات مع قبول روسيا للتعامل بالذهب في المعاملات التجارية باعتباره السلعة المتوافق عليها من كل بلدان العالم.
وليس من الضروري أن تتحقق العلاقة العكسية بين الذهب والدولار عمليا، فمثلا، عندما رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) أسعار الفائدة في ديسمبر 2016، صعد الذهب مرارا بسبب التقلبات العالمية وقتها مثل أزمة بريكست وخفض إنتاج أوبك.
ويعد انعكاس الأزمات الكبرى على سعر الذهب أقوى من رفع أسعار الفائدة، وتأثير رفع الفائدة بالهبوط على الذهب هو تصحيح لموجة جديدة صاعدة لأسعار الذهب خلال الفترة المقبلة.
ويعتقد الخبير عبدالنبي عبدالمطلب أن توقيت الشراء لم يكن موفقا، لكن عملية الشراء نفسها تعد أفضل قرار تم اتخاذه منذ فترة طويلة من جانب البنك المركزي.
وأرجع عبدالمطلب ذلك إلى أن مصر تحتاج إلى القمح الروسى، ومهما تم تداول أخبار عن تنويعها مصادر القمح فهذا لا ينفى أنها لن تستطيع التخلي بسهولة عن القمح الروسى.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أنه بعد ربط الروبل بالذهب فإن قرار المركزي المصري صحيح، لاسيما في ظل غياب الرؤية حول مدى الفترة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها الحرب الروسية – الأوكرانية، ومن ثم فإن زيادة اقتناء الذهب هو قرار مناسب.
870
مصنعا معطلا بالبلاد والسوق في حاجة إليهم ويجب العمل على إعادة تشغيلهم
ومع ذلك يرى خبراء أن قرار المركزي غير صائب حتى لو تم الشراء قبل ارتفاع سعر الذهب عالميا، لأن هناك أولويات اقتصادية وضروريات السوق في حاجة إليها، وأهمها تشغيل المصانع المعطلة بالبلاد والتي تشير بيانات وزارة التجارة إلى أن عددها 870 مصنعا.
وتدور تساؤلات بشأن قرار المركزي حول اتخاذ القرار خوفا من تذبذب أسعار العملات أو انخفاضها والتي يتكون منها الاحتياطي النقدي.
وحتى لو اتخذ القرار بدافع ذلك فهذا يعد نوعا من المضاربة التي بالتأكيد ليس هذا وقتها على الإطلاق، لأنها تتطلب الاحتفاظ بالكميات المشتراة فترة طويلة لتحقيق أرباح إذا تم بيعها، لأن الاقتصاد العالمي يشهد مرحلة ركود يتزامن معها تراجع الذهب لسنوات.
وزاد الإقبال على الذهب منذ الجائحة، ولجأ العديد من الدول عديدة إلى شراء الذهب وزيادة حجم الاحتياطي، فالهند مثلا رفعت احتياطي الذهب لديها من 41 طنا إلى 745 طنا للقضاء على التضخم، ولجأت تركيا إلى الأمر نفسه خوفا من التقلبات.